بدون عنوان

اختتمت يوم السبت، الموافق السادس من آب/ أغسطس 2016 في مدينة الحمّامات بتونس، أعمال المؤتمر الأكاديمي الدولي بعنوان "إستراتيجية المقاطعة في النضال ضد الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي: الواقع والطموح"، والذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع فرعه في تونس. وتضمن برنامج اليوم الختامي جلسةً علميةً كان محورها "حملات المقاطعة دوليًا تجارب ونماذج"؛ إذ تم تقديم مجموعة من المداخلات العلمية تناولت بعض تجارب المقاطعة في ماليزيا وتشيلي وأستراليا.

وفي هذا السياق، أشار الباحث والأكاديمي محمد ناظري إسماعيل من ماليزيا في محاضرة بعنوان "التحديات الراهنة لحملة المقاطعة في ماليزيا" إلى أن حملة مقاطعة إسرائيل في ماليزيا تحظى بتأييد شعبي أكثر منه بين الأوساط الرسمية التي تنظر من زاوية مغايرة لموضوع المقاطعة، منها أن هذه الأخيرة قد تكون لها تداعيات سلبية كبيرة على الاقتصاد الماليزي، وبخاصة في ضوء رغبة ناشطين ماليزيين أن تشمل هذه المقاطعة الشركات التي تتعامل مع إسرائيل ومنها شركات أميركية لها استثمارات كبيرة في ماليزيا. وأضاف بأن تنامي الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين وارتفاع وتيرة الاستيطان أدت إلى زيادة التحركات الشعبية ضد المصالح الاقتصادية لتلك الشركات في ماليزيا، وتأسست لهذا الغرض عدة جمعيات وائتلافات مدنية مناهضة لإسرائيل على غرار "بي دي أس ماليزيا" و"القدس ماليزيا" لتفعيل هذه المقاطعة ودفع الأوساط الرسمية إلى اتخاذ إجراءات فعلية وعملية في هذا الاتجاه. وقال: "من التحديات المطروحة أمام حركة مقاطعة إسرائيل في ماليزيا الصورة السلبية للعرب في ماليزيا؛ فالماليزيون يقولون لماذا نقاطع شركات إسرائيلية ويهودية والعرب يتعاملون معها؟ ولماذا نقاطع إسرائيل والعرب لا يفعلون ذلك؟". وأضاف أن قطاعات مهمة من الرأي العام الماليزي تتساءل اليوم عن البديل في حالة مقاطعة إسرائيل، ومن سيعوض الخسائر المترتبة على ذلك؟ فضلًا عن اهتمام الماليزيين بالمشاكل الاقتصادية وصعوبات الحياة وتنامي معدلات المديونية، وهي كلها عوامل تحد من انخراطهم في حملات المقاطعة.

ولاحظ الباحث بمركز الدراسات العربية في تشيلي كمال قمصية في مداخلة موضوعها "حملة المقاطعة في تشيلي: السيرة المختصرة والتحديات" أن علاقة تشيلي بالعرب هي علاقة بالفلسطينيين خصوصًا؛ وذلك نتيجة وجود جالية كبيرة من فلسطين وسورية ولبنان هناك، وأن حضورهم كان لافتًا، ومن ذلك أن 22 صحيفة دورية ناطقة باللغة العربية تصدر في تشيلي، وأن حراك المجتمع المدني الفلسطيني كان ذا ثقلٍ ووزنٍ أكثر من المجتمع المدني التشيلي الذي تأثر بضغوطات اللوبيات اليهودية. وأوضح أن إستراتيجية مقاطعة إسرائيل بدأت تتبلور بخاصة بعد اعتداءات عام 2006 وتنامي الوعي بحقوق الفلسطينيين لدى التشيليين الذين بدؤوا يقتنعون بأن تصرفات إسرائيل هي من قبيل التمييز العنصري، ومن ثمّ حصل تطور مهم في مواقفهم. وتعرّض إلى سلسلة حوادث شهدتها جامعة تشيلية، والتي أفرزت موقفًا يعد على قدر كبير من الأهمية؛ وهو قرار الطلبة، وبنسبة 64 في المئة، في القيام بمقاطعة الجامعات والأكاديميين الإسرائيليين، وقد احترم عميد الجامعة قرار الطلبة ولم يلغه مثلما أرادت ذلك أصوات طلابية أخرى موالية لليهود وإسرائيل. وأكد على ضرورة دعم علاقات التعاون والتنسيق مع المجتمع المدني في تشيلي لإقناعهم برجاحة مواقف الحركات المساندة للفلسطينيين سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا.

كما قدم الفيلسوف الأسترالي بيتر سلزاك محاضرةً بعنوان "حملة المقاطعة في أستراليا: نماذج الاحتجاج السياسي الشعبي"، وبيّن فيها أن اللوبيات والجمعيات الإسرائيلية تسيطر بشكل كبير على المشهد السياسي والمجتمعي في أستراليا، وهذا يجعل النشاط في هذه البيئة أمرًا صعبًا، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لم يمنع من بروز مجموعات مساندة للقضية الفلسطينية بوجه عام ولحركة مقاطعة إسرائيل بدرجة أقل، إذ تأسست مجموعة فلسطين في مالبو وأخرى في سدني، وكذلك الشبكة الأسترالية لدعم فلسطين التي ضمت شخصيات وناشطين فلسطينيين وأستراليين، وعملت على نشر الوعي في المجتمع الأسترالي حول خطورة السياسات الاستعمارية والاستيطانية لإسرائيل. كما تشكلت شبكة الأكاديميين الأسترالية الفرنسية، وعملت على استقطاب المناصرين لحملة المقاطعة وللقضية الفلسطينية، وبخاصة تجديد أساليب العمل والطرق والآليات المعتمدة سواء في نشر الوعي بحملات المقاطعة أو عدوانية الكيان الصهيوني ضد السكان الفلسطينيين. ومن أبرز التحديات التي يواجهها هذا الجهد، وفق تقديره، هو الثقل الذي تمثله اللوبيات اليهودية في أستراليا وتأثيرها في الحكومات الأسترالية المتعاقبة التي لم تخف انحيازها إلى إسرائيل، وهذا يستدعي العمل على المستوى الدبلوماسي أكثر بهدف شرح خطورة الممارسات الإسرائيلية لدى الأوساط الأسترالية.

وتضمن برنامج اليوم الختامي للمؤتمر حلقةَ نقاشٍ جمعت جل المشاركين في هذا اللقاء العلمي الأكاديمي؛ إذ تم التأكيد على ضرورة مساندة عمل حركات المقاطعة سياسيًا وأدبيًا، وخاصة الوعي بأهمية العمل الذي تقوم به على المستوى العالمي، لا سيما بعد النجاحات العديدة التي حققتها والخسائر التي ألحقتها بالاقتصاد الإسرائيلي. 

كما تمت الإشارة إلى أهمية العمل على مزيد من تأطير هذه الحملة وكل المبادرات المماثلة وتوسيع قاعدتها وتجديد أساليب عملها لتحقيق الأهداف المرسومة خاصة في البلدان العربية، فالعديد من التحليلات تشير إلى أن حجم استهلاك المواطن الفلسطيني من البضائع الإسرائيلية لا يتجاوز مليار دينار أردني، مقابل ما بين 4 و5 مليارات دينار، بالنسبة إلى المواطن العربي؛ وهذا يعني أن التجاوب مع حملات المقاطعة في الدول العربية مازال متواضعًا.

كذلك من المهم إبراز أهمية "أنسنة" القضية الفلسطينية والتركيز على أن ممارسات الكيان الصهيوني مخالفة لأبسط حقوق الانسان، والبحث في مختلف القوانين والتشريعات الوطنية والعالمية بما يخدم هذا التوجه والاشتغال أكثر على المقاطعة الأكاديمية والجامعية والثقافية بسبب الوزن الكبير الذي يمثله الجامعيون والباحثون والمثقفون في صناعة الرأي العام. وفى هذا السياق، تم اقتراح إحداث وحدات أو مراكز بحثية على مستوى الجامعات العربية تهتم بموضوع المقاطعة العربية لإسرائيل وتبحث سبل تطويرها وتفعيلها.

وأشار بعض الحضور إلى أهمية مضاعفة الجهد الرامي لنزع الشرعية الأخلاقية والقانونية عن إسرائيل في المحافل الإقليمية والدولية وفي المنظمات العالمية، وفضح ممارساتها العدوانية وسياسات التمييز العنصري التي تنتهجها ضد الفلسطينيين، مع ضرورة الانتباه إلى محاولات تشويه حركة "بي دي أس" وإلصاق شبهات معاداتها للسامية، وهي أحد محاور عمل إستراتيجية إسرائيل المضادة لحركة المقاطعة. كما دعوا إلى تعزيز التشبيك بين حركات المقاطعة ضد إسرائيل في مختلف أنحاء العالم بهدف تحقيق مزيد من النجاعة والفاعلية لتدخلاتها ونشاطاتها. وأوضح أحد الحاضرين خطورة غياب مشروع وطني فلسطيني، مما أثر سلبيًا في نجاعة نشاطات حركة المقاطعة، وأنه من المهم العمل على مزيد من تنسيق المواقف الرسمية والشعبية والمدنية خدمة لحركة المقاطعة وللقضية الفلسطينية بوجه عام.

وبهذا يكون المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات قد أنهى أعمال المؤتمر التي امتدت لثلاثة أيام وبجلسات متواصلة، وجمع فيها نخبةً من الأكاديميين والباحثين من مختلف أنحاء العالم والعالم العربي، الذين يدمجون بين خبراتهم العملية والنظرية في مجال حملات المقاطعة.