بدون عنوان

تضمّن العدد الثالث (أيلول/ سبتمبر 2021) من دورية "حِكامة" التي يصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا، خمس دراسات بحثية ناقشت موضوعات إدارة الموارد المائية في تونس، والمركزية والجهوية في المغرب، والشراكات بين القطاعين العام والخاص في دول الخليج العربية، والعلاقة بين الدولة والفاعلين من غير الدولة في جنوب سورية، ومقارنة بين تصميم السياسات الصحية لمواجهة أزمة كورونا في مصر وتركيا. واشتمل على ورقة سياسات تبحث في التحديات المؤسسية في قيادة الإصلاحات الاقتصادية أثناء الانتقال الديمقراطي في تونس، إضافة إلى تقرير حول مؤتمر عقده مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بحث في علاقة البحث العلمي بالممارسة في القطاع الخيري والإنساني في دولة قطر. وفي باب "دراسة مترجمة" تُرجمت دراسة "أجندة لدراسة الإدارة العامة في البلدان النامية". أما باب "مراجعات وعروض كتب" فتضمّن عرضين؛ أحدهما لكتاب والآخر لتقرير.

يسلّط عبد الكريم داود في دراسته، "خمسون سنة من سياسات إدارة الموارد المائية في البلاد التونسية من إدارة العرض إلى الإنصاف الترابي"، الضوء على الضغوط التي تواجهها الموارد المائية في تونس والمتمثلة بندرة الموارد المائية وعدم التوازن في توزيعها بين الأقاليم، إضافة إلى عدم الانتظام السنوي للموارد المتجددة منها. وتركز الدراسة على تطوّر سياسات إدارة الموارد المائية في تونس خلال العقود الخمسة الأخيرة، انطلاقًا من مرحلة إدارة العرض وتعبئة المياه لتحويلها من الأقاليم الداخلية إلى الأقاليم الساحلية، وصولًا إلى مرحلة إدارة الطلب التي حتّمتها أسباب عدة، منها الارتفاع المتواصل للاستهلاك الزراعي والحضري للمياه. وخلُصت إلى إبراز النجاحات التي حقّقتها سياسة التحكم في الطلب. وأظهرت أيضًا التحديات العديدة التي يشهدها الوضع الحالي، ومنها تواصل ارتفاع الطلب والتغيّرات المناخية والتحرّكات الاجتماعية في الأقاليم الداخلية المطالِبة بـ "الحق في الماء" كما ضمِنه دستور عام 2014. وبيّنت أنّ هذه الوضعية تفرض حكامة جديدة للموارد، تُبْنى على ما تراكم من إيجابيات العقود الخمسة الأخيرة، وتأخذ في الحسبان التحديات المستقبلية.

ويسعى محمد أحمد بنيس في دراسته، "مأزق الدولة المغربية بين المركزية والجهوية"، إلى مساءلة دور الجهوية المتقدمة في تعزيز مركزية الدولة المغربية، وإعادة إنتاج مأزقها الإصلاحي، بين تطلّعها نحو تحديث محدود لآليات اشتغالها والحفاظ على شكلها الموحّد وبنيتها المركزية، من خلال تبنّي تدبيرٍ عمودي للسلطة في مواجهة الجهات. ويتوازى هذا الوضع مع الإخفاق في التحول نحو الديمقراطية وبناء تعاقد اجتماعي جديد، واستمرار حصر التوظيف العمومي لموارد الدولة في يد السلطة المركزية من دون إشراك حقيقي للجهات. ويجري تشغيل هذه الاستراتيجية عبر مركزة المجال الترابي والتحكم في موارده، باعتماد تقسيم جهوي يُبنى على العوامل الجغرافية والاقتصادية والتنموية، ويستبعد، في المقابل، عوامل التجانس الثقافي والتاريخي والأهلي والاقتصادي داخل الجهات، في مسعى لتجنّب تشكّل هويات جهوية واضحة، تكون مدخلًا للمطالبة بإعادة النظر في الشكل الموحَّد للدولة، واعتماد لامركزية أكثر موضوعية وأشد فاعلية، تتيح توزيعًا أفقيًا للسلطة. وتتغذّى هذه الاستراتيجية أيضًا بضبط الفضاء العمومي، في ضوء تنامي الاحتجاج الحضري الذي بات يفرز ديناميات جديدة للتعبئة الاجتماعية. وتسلّط الدراسة الضوء أيضًا على تأثير جيوبوليتيك الصحراء في تبنّي هذه الجهوية، وإعادة تشكيل الدولة المغربية من خلال التحكم في مقتضيات التمثيل والتعبئة والوساطة في الصحراء.

وفي دراسة بعنوان "الشراكات بين القطاعين العام والخاص في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية: الواقع والتحديات"، يبحث تامر قرموط وحذيفة العزو وحسين حندولي وصالح الغزال وياسمين بشير، في واقع الشراكات في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وما تتصف به كل دولة على حدة، إضافة إلى إبراز التحديات التي تعانيها كل منها. وتتحدد الإشكالية البحثية في معرفة مدى تطبيق الشراكات وفق المعايير الأساسية للشراكة بين القطاعين العام والخاص، بالتركيز على أفضل الممارسات العالمية في صياغة الأطر القانونية والتنظيمية للشراكات. واعتمدت الدراسة المنهج التحليلي المقارن في السياسة العامة، وذلك من خلال عرض الأدبيات والدراسات العملية والنظرية التي تبرز مميزات تجارب الشراكات بين القطاعين العام والخاص في دول المجلس، مع الأخذ في الحسبان خصوصية أنظمة الحكم والإدارة فيها ومقارنتها بالممارسات العالمية. تشمل الدراسة دول المجلس جميعًا (قطر، والكويت، والسعودية، والإمارات، والبحرين، وعمان). وتخلُص إلى أن هذه الدول تتبع سياسات مختلفة، وفي بعض الأحيان غير واضحة في آلية تطبيق الشراكة، فضلًا عن محدودية مجالات تلك الشراكات عن مثيلاتها في دول العالم. وتنتهي إلى تحديد أهم العقبات والتحديات المشتركة التي تواجه هذه الدول في التطبيق الفعال للشراكة وخلق بيئة جذابة وتنافسية؛ لتنفيذ شراكات مستدامة تساهم في تحقيق رؤاها الاقتصادية الطموحة، وتسرّع في تحوّلها إلى الاقتصاد المعرفي والإنتاجي بعيدًا عن الاقتصاد الريعي السائد.

ويحاول منقذ عثمان آغا في دراسة بعنوان "عودة ’الدولة‘ إلى الجنوب السوري باعتباره نموذجًا للتفاعل بين الدولة والفاعلين من غير الدولة"، تلمّس التغيرات التي من الممكن أن تصيب هيكل الدولة في سورية، خلال مرحلة ما بعد الصراع، وذلك بتقديم إطار نظري عام لتحليل التفاعل الذي جرى بين الدولة والفاعلين من غير الدولة على هامش عودة النظام إلى السيطرة على الجنوب السوري عام 2018. يجري هذا التفاعل على عدة مستويات متقاطعة، وهي: الدولة، والفاعلون من غير الدولة، والفاعلون الخارجيون. وتحلّل الدراسة التفاعل بين النظام السوري وعشرة فاعلين، وتجادل في أن طبيعة التفاعل بين الدولة والفاعلين من غير الدولة وصيرورته تأتيان نتيجةً لتفاعل آخر يجري بين عدة عوامل تتوزع على مجموعتين أساسيتين، هما: العوامل الذاتية وخصائص الفاعلين، والعوامل الخارجية البنيوية. وتخلص إلى أن سياسة النظام السوري تجاه الفاعلين من غير الدولة قد تأثرت باختلاف العوامل الحاكمة للتفاعل؛ إذ يطغى تأثير جملة من العوامل على الطريقة التي يتعامل بها النظام مع هؤلاء الفاعلين؛ كالتوجه السياسي للفاعل، ووجود داعم دولي له، بينما تُظهر عوامل أخرى أثرًا أقلَّ في سياسة النظام؛ كقدرته على سد الفجوة الناتجة من انسحاب الفاعل من المجتمع المحلي، وحدود مشروع الفواعل الوطنية أو العابرة للوطنية.

أما دراسة أحمد محسن، "تصميم السياسات الصحية لمواجهة أزمة جائحة كورونا في مصر وتركيا"، فتهدف إلى الإجابة عن السؤال التالي: لماذا اختلفت استجابة الأجهزة البيروقراطية والتنفيذية عند تصميم السياسات الصحية وتنفيذها تجاه أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في دول تبدو متشابهة، كونها تملك ميراثًا من المركزية والأنظمة الرئاسية، كما هي الحال في مصر وتركيا؟ وتنطلق فرضية الدراسة الرئيسة من أن الأزمة في بدايتها أعطت مساحة أكبر للوزراء التنفيذيين والتكنوقراط والأجهزة البيروقراطية المتخصصة في السياسات الصحية والوبائية للمساهمة على نحو أكبر في تصميم السياسات الصحية لمواجهة هذا الوباء، لكن استمرار هذه المساحة واستكمال تلك الأدوار ارتبطا بعد ذلك بمدى توافر "القدرة السياساتية" التي تتيح لهؤلاء المسؤولين ذلك. ومن خلال دراسة الحالتين التركية والمصرية بصورة مقارنة، يظهر أن الدولة كلما كانت أكثر مركزية، وكانت للأزمة التي تواجهها طبيعة خاصة وغير مسبوقة، ولديها في الوقت نفسه قدرات سياساتية أعلى في تصميم السياسات، فإن هذا يساهم في تعزيز دور الخبراء والبيروقراطيين في تصميم السياسات على حساب السياسيين.

وفي باب "تقارير وأوراق سياسات"، ينشر العدد ورقة سياسات لنزار جويني وتوفيق الراجحي بعنوان "التحديات المؤسسية في قيادة الإصلاحات الاقتصادية: حالة تونس في أثناء الانتقال الديمقراطي"، يتناولان فيها التحديات التي تواجه الإصلاحات الاقتصادية في تونس بعد الثورة. وتشدد الورقة على أهمية اعتماد نهج مركب بين التحليل الإيجابي للاقتصاد السياسي والتحليل المعياري الاقتصادي لتنفيذ أجندة الإصلاحات. إذ تؤكد المرحلة الجديدة بعد الثورة التونسية ضرورة اعتماد استراتيجية إصلاح توافقية وتدريجية للحفاظ على مصالح مختلف المجموعات، والتغلب على الاستقطاب السياسي والتشريعي. وعلاوة على ذلك، يتطلب بناءُ نظامِ إصلاحٍ فعال في تونس تحسينَ القدرات المؤسسية للإدارة العامة، وتعزيزَ الدور القيادي للحكومة، وبناءَ منظومة للتنسيق والتقييم والمتابعة.

وفي الباب ذاته، يقدّم عبد الفتاح محمد تقريرًا حول المؤتمر الذي عقده مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بالتعاون مع هيئة تنظيم الأعمال الخيرية بعنوان "حول علاقة البحث العلمي بالممارسة في القطاع الخيري والإنساني في دولة قطر"، وذلك في 25 أيار/ مايو 2021، عبر تطبيق "زووم"، حيث ناقش المشاركون العلاقة بين البحث العلمي والممارسة في القطاع الجمعياتي والمؤسسي الإنساني والخيري القَطري. وقد شارك في المؤتمر عدد من الخبراء والمتخصصين في مجال العمل الإنساني والخيري محليًّا ودوليًّا.

واشتمل العدد أيضًا على ترجمة دراسة لأنتوني مايكل بيرتلي ومي حسن ودان هونيغ ودانييل روجر ومارتين جيفرسون ويليامز، بعنوان "أجندة لدراسة الإدارة العامة في البلدان النامية"، ترى أنّ الدول النامية تحتاج إلى نهج أكاديمي مختلف في مجال الإدارة العامة، وعليه تقدّم أجندة بحثية تستند إلى أربع ركائز. أولًا، في ظلّ تعذّر الوصول إلى البيانات بسهولة، يجب على الباحثين في مجال الإدارة العامة في العالم النامي جمعها بأنفسهم. ثانيًا، تؤدي عملية بلورة النظرية واختبارها دورًا جوهريًا؛ نظرًا إلى تعامل الباحثين مع كَمٍّ محدود من المعلومات. ثالثًا، غالبًا ما تكون المنظمات المتعدّدة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية في البلدان النامية ضرورية، ويجب أخذها في الحسبان عند دراسة الإدارة العامة. رابعًا، بسبب المستجدّات وأوجه الالتباس التي يواجهها الباحثون، يجب إدراج المعلومات النوعية طوال عملية البحث. ويعدّ هذا البحث دعوة للدول النامية إلى المساهمة في دراسة الإدارة العامة على نحو واضح، بغية توفير المعلومات اللازمة التي تفيد في فهم الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.

وفي العدد عرضٌ لكتاب "دليل أكسفورد لجودة الحكم"، حرره أندرياس باجينهولم ومونيكا بور ومارسيا غرايمز وبو روثستاين. ويطرح الكتاب موضوعًا شهد اهتمامًا بالغًا في الدراسات الحديثة، وهو موضوع جودة الحكم، وذلك لما له من نتائج مهمة تنعكس على مجالات سياسية واجتماعية واقتصادية وبيئية. كما اشتمل على عرضٍ لتقرير "مؤشر مدركات الفساد 2020" الذي أطلقته مؤسسة الشفافية الدولية في أواخر كانون الثاني/ يناير 2021. ويرسم التقرير "صورة قاتمة عن حالة الفساد في جميع أنحاء العالم"، دقّ بها جرس الخطر الكامن في استمرار الوضع المتردّي للنزاهة والشفافية على الصعيد العالمي، بعدما هلّل في عام 2019 بتصاعد ترتيب أكثر من 26 دولة منها في المؤشر في المدة 2012-2019، في مقابل انخفاض مؤشرات 22 دولة في المدة ذاتها.

تجدون في موقع دورية "حكامة" خلال الفترة الحالية من جائحة كورونا (كوفيد-19) محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.