بدون عنوان

عقد فرع المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت، ندوةً في فندق "غولدن توليب" - الحمرا، بعنوان "الترجمة في العالم العربيّ وآفاق تطوير اللغة العربيّة"، شارك فيها نخبةٌ من الأكاديميّين المتخصّصين، وحضرها عددٌ من المهتمّين بالموضوع.

افتتح مدير مكتب بيروت الدكتور وجيه كوثراني الندوة، لافتًا إلى أنّ المركز "مؤسّسة بحثية عربيّة للعلوم الاجتماعية والإنسانية، وبتوجّهين متكاملين: نظري وتطبيقي."

وذكر كوثراني أنّ المركز "أصدر 45 كتابًا ويوجد حاليًّا عشرون كتابًا تخضع للتحكيم، إضافةً إلى قسمٍ للترجمة، وثلاث مجلّات هي: "عمران"، و "تبيّن"، "وسياسات عربية"، مشيرًا إلى أنّ المركز "يمنح جوائزَ سنويّة تشجيعية لأفضل البحوث في موضوعات اجتماعية وإنسانية"، كاشفًا عن "خطّةٍ لإطلاق مشروعين كبيرين هما: مشروع المعجم التاريخي للّغة العربيّة، ومشروع تأسيس معهدٍ عالٍ للدراسات العليا بمكوّناته: العلوم الاجتماعية، وكلّية الإدارة العامّة، ومركز متقدّم للأبحاث".

بعد ذلك، ألقى الدكتور فايز الصياغ كلمة وحدة ترجمان في المركز، فأشار إلى "التحدّيات التي تواجه الترجمة في مجالات التعليم العالي والتقانة الرقمية ومعاجم اللغة"، لافتًا إلى أنّ "وحدة الترجمة في المركز تُعنى بتعريف النخب بالإصدارات الجديدة خارج العالم العربيّ". وأوضح أنّ "آليّة اختيار الكتب لترجمتها من خلال استشارة نخب أكاديمية، وذلك بهدف إذكاء روح البحث والنقد، وتطوير آليّات التراكم المعرفي والتأثير في الحيّز العام". وأوضح أنّ "وحدة الترجمة لا تهدف إلى التنافس مع أيّ مؤسسة، بل تعدّ عملها رافدًا ويصبّ في تيّارٍ عريق يساهم في تعزيز الثقافة العربيّة".

ثمّ ألقى الدكتور بسام بركة الأمين العام لاتّحاد المترجمين العرب كلمة كشف فيها عن "قيام الاتّحاد بإحصائيات بشأن الكتاب المترجم بين 2000 و2009 ونيّة العمل لاستكمال هذا المشروع، وإقامة دورات تدريبية للترجمة في القاهرة وبيروت مستقبلًا".

الترجمة ودورها في تطوير المعاجم العربية

ترأّس الدكتور الطاهر لبيب الجلسة الأولى في المحور الأوّل تحت عنوان "الترجمة ودورها في تطوير المعاجم العربية". وقال: "إنّ الترجمة لا تكون من لغةٍ إلى لغة وإنّما من ثقافةٍ إلى ثقافة".

وتحدّث رئيس اتّحاد المترجمين العرب الدكتور عبد اللطيف عبيد عن "أثر الترجمة في اللغة العربيّة بين الإثراء والإفقار"، مستعرضًا تاريخ الترجمة العربية "كواحدة من كبريات الترجمات في غابر الأزمان في العصر العبّاسي ثمّ في فترة النهضة وأدّى فيها اللبنانيّون والمصريّون الدور البارز في القرن التاسع عشر". وذكر عبيد أنّ "الترجمة عزّزت المصطلحات في اللغة العربيّة، كما أنّها شهدت عوائق في مجالات الطبّ والكيمياء، لكنّ المترجمين العرب استطاعوا تحويل اللغة من لغة الأدب والدين إلى اللغة العلمية. وقد قاموا بذلك على دُفعات، وذلك من خلال التجريب والتدقيق للحصول على المعنى المطلوب"، لافتًا إلى "انتعاش الترجمة في عهد والي مصر محمد علي باشا وعند تأسيس الجامعة الأميركيّة في بيروت". ورأى عبيد أنّ "الترجمة التي حصلت في لبنان من اللغتين الفرنسيّة والإنكليزيّة، وعبر التأليف شكّلت ثروة مصطلحية ومعجمية غنيّة لأنها نُقلتْ عن الغرب، أي من حضارة إلى بيئة ثانية". ولفت إلى أنّ "الترجمة تطوّرت منذ أواسط القرن العشرين الماضي، ولكنْ واكبتها فوضى مصطلحات، وافتقدت المعيار والتنسيق لتوحيدها"، مشيدًا "بالمعجم الطبّي الموحّد والصادر عن منظمة الصحّة العالمية عام 2009".

بعد ذلك، تطرّق الدكتور نادر سراج في بحثه بعنوان "المفاهيم الثنائية في حركة الترجمة العربية - معجم بارتيميلي نموذجًا". وبارتيميلي هو أحد كبار المستشرقين الفرنسيّين في النصف الأوّل من القرن العشرين. وأشار سراج إلى أنّه "أنجز معجمه المذكور بعد دراسة ميدانية في حلب ودمشق ولبنان والقدس، وتناول فيه اللهجات العربية المتنوّعة التي تدخل في علم اللهجات الحديثة". ورأى الباحث أنّه "إذا تمّ اقتصار الترجمة على لغة المصطلحات والعلوم، وأغفلت المصطلحات المتداولة في القطاع الحيّ والمعيش والمتمثّلة باللغة المحكية فهي تقتل روح الترجمة ذاتها، وتغفل عن رصد وتوثيق ألفاظ متداولة وكثيرة على ألسنة الناس"، داعيًا إلى "احترام تذوّقهم اللغوي".

أمّا الباحث أنور الجمعاوي الذي تناول مسألة "أسئلة المترجم في المصطلح الهدف"، فرأى أنّ "المصطلحات مفاتيح العلوم، وهدفها تمكين المترجم والباحث في مجاله المعرفي"، محدّدًا "صعوبات تواجه الترجمة ومعايير آليّاتها، ومنها على سبيل المثال التباين في مستوى المصطلح الواحد (ترجمة الهاتف الخلوي بالنقال، أو الجوال، وغيرها من المصطلحات)، والفراغ المصطلحي الذي يواجه المترجم"، مشيرًا إلى أنّنا نعيش انفجار الثورة المعلوماتية على مستوى المصطلحات الوافدة إلينا، لكنّنا نعاني عدم توافر المصطلح المقابل لها، مبرزًا صعوبة آليّات توليد المصطلحات، ومنها مثلًا: دمقرطة ورقمنة وغيرها". وطالب "بإيجاد أوزان جديدة"، واصفًا "اللغة العربيّة بأنّها غير اختصارية ما يشكّل عقبة تعيق عمل المترجم". وختم: "إنّ بقاء اللغة لا يستقيم إلّا بتجدّد ألفاظها".

في مداخلته، لفت الدكتور أنطوان سيف إلى أنّ اللغات لها عائلات، وتكمن الصعوبة في الانتقال من عائلة لغوية إلى أخرى. وأشار إلى أنّ المترجمين الأوائل كانوا من السِّريان، لا من العرب. وأكّد أنّ الترجمات الأولى اعتمدت نماذجَ سامية، وساهم النمط السرياني في الترجمة في تذليل بعض الصعوبات. بعدها أشار سيف إلى كتاب "الفهرست" لابن النديم، وهو أكبر مرجع لا ينتمي إلى عصر الترجمات، إذ إنّه أتى بعد مرور قرنٍ وربع القرن على عصر الترجمة، تلاه كتاب صدر في الستينيات للمترجم الإيراني الأصل سهيل أفنان عن ترجمة المصطلحات الفلسفية العربيّة والإيرانيّة، ومسار تطوّر تلك المصطلحات. ثمّ انتقل الباحث إلى موضوع اللهجات، مشيرًا إلى أنّ النظرية التي تقول إنّ اللهجة هي لحن ليست نظرية دقيقة، لأنّ العامية كانت وستبقى موجودة، ولم يكن هناك لغة فصحى في أيّ حضارة، فهي اللغة التي يُنقل بها الكلام المقدّس. واختتم سيف مداخلته بالحديث عن أهمية كتاب بطليموس عن الفلك ترجمة المجسطي مشيرًا إلى عدم توافر وثيقة عن مصدر المصطلحات الرياضية العربيّة متسائلًا عن مصدر مصطلحَي الجبر والمقابلة.

 ثمّ أشار الدكتور بشير خضرا إلى ضرورة التمييز بين كلّ ما هو منوط باللغة الفصحى واللهجات العامّية وإلى حتمية التفاعل المستمرّ والدائم بينهما، مؤكّدًا أهمّية إعلاء شأن اللغة العربيّة الفصحى. 

أمّا الدكتور مهدي عرار، فرأى أنّ المشكلة هي المشكلة الحضارية الكامنة في استيراد الأشياء وأسمائها، مشيرًا إلى الغربة بين اللغة المتداولة ولغة القرآن، لافتًا إلى تعدّد المصطلحات؛ فالمدرسة الإنكليزية لا تبحث عن معنى الكلمة بل عن سياق استخدامها. وبالنسبة إلى اللهجات، رأى أنّه يجري تعلّم اللغة الفصحى التي لا تُستخدم في الكلام، ويجري استخدام العامية من دون تعلّمها.

وأشار الدكتور سليمان الرياشي إلى الجانب السياسي؛ إذ إنّ العلوم كانت تدرّس باللغة العربيّة وباتت اليوم تدرّس باللغة الأجنبية بقرارٍ سياسي من دون أيّ تبرير، ولا علاقة لذلك بالانفتاح على الحضارات، ما أدّى إلى إهانة اللغة العربيّة بصورةٍ مفتعلة، مع قهرٍ لها من أجل التباهي باللغات الإفرنجية. وفي ذلك بُعدٌ سياسي لتحطيم اللغة العربيّة.

واستغربت الدكتورة عفاف بطاينة التخوّف على اللغة العربيّة من اللهجات، إذ إنّها رأت أنّ اللهجات جزء من اللغة. وتابعت قائلةً "إنّ تنوّعات اللغة تُستخدم في سياقات مختلفة (إعلام وندوات وغيرها)، وأنّ المصطلحات تتنوّع ضمن السياق الواحد."

وفي ردّه على المداخلات، لفت الجمعاوي إلى أنّ العالم العربيّ يعيش اليوم حالة انتقال عربيّة إذ لم ترتقِ حالة التبعية إلى مجالات الابتكار المختلفة، أمّا عن حالة الغربة فهي حالة وجودية ثابتة.

وردّ الدكتور نادر سراج متناولًا بادرة رائدة في دراسة لغة الناس تصدّى لها باحثون مستشرقون، لافتًا إلى معجم اللهجات الصادر في الأردن، مثمّنًا المادّة التي تركها المستشرقون ما أتاح لنا المقارنة. وأشار إلى تدرّج اللغات من الفصحى إلى اللغة الوسطى فاللغة العامية.

واختتم الدكتور عبد اللطيف عبيد الجلسة الأولى بتأكيد ضرورة الاهتمام باللهجات العربيّة مشيرًا إلى القرارات الصادرة عن المجامع العربية والمتعلّقة بالاهتمام بلهجات مرتبطة بمختلف المهن. وأكّد أنّ المصطلح لا يكتب السياق معناه بل يستمدّه من المفهوم.

أمّا الجلسة الثانية ضمن المحور الأوّل، فقد ترأّسها محمد دبس. وتحدّثت فيها الدكتورة ريما بركة عن "ترجمة المصطلح وأثره في البحث العلمي واللغة العربيّة". وقالت إنّ "اللغة المتطوّرة هي التي تواكب عصرها، وتواكب الاكتشافات الجديدة"، شارحةً معنى كلمة "المصطلح الذي وُضعت أسسه عام 1930 مع العالم النمسوي يوجين فوستر". وأشارت إلى أنّ "المصطلحات هي حاملة لمعرفة متخصّصة، أمّا الكلمة فتنتمي إلى اللغة اليومية". ورأت أنّ "استعمال المصطلح قد يؤدّي إلى تغيّر اجتماعي"، مؤكّدةً أنّ "لغة البحث العلمي اليوم تستعير مصطلحاتها من اللغة الإنكليزية من الولايات المتّحدة الأميركية لأنّها الرائدة في ثورة الأبحاث العلمية والتكنولوجيا وفي الثقافة والفنون". ووصفت هذا الأمر بأنّه "مشكلة ليس فقط للّغة العربية وإنّما للغات العالم"، داعيةً إلى "إيجاد سبلٍ لوضع المصطلحات وبسرعة لحماية اللغة العربيّة".

ورأى الدكتور علي نجيب إبراهيم في بحثه "تطوّر اللغة العربيّة والتوازي بين احتكاك الذات العربيّة بالآخر"، أنّ "اللغة العربية تعاني مشكلات، وأنّ الذات العربية لم تتطوّر إلّا من خلال الاحتكاك بالآخر". وأشار إلى اعتماد "التحليل النصّي لتبيان كيفية اقتراب أسس الترجمة ومعاييرها من الاستقرار النظري الذي يتيح للّغة العربية الحديثة أن تواكب العصر بتكامل أساليبها في التسمية والتعبير، وأن تكون لغة أدب وعلم وتعليم أيضًا".

وفي مداخلته، أشاد الدكتور أنطوان سيف بورقة الدكتورة ريما بركة متسائلًا عن رأيها في موسوعة رشدي راشد عن تاريخ العلوم والعلماء العرب. وأثنى على المؤرّخ الأميركيّ اللبنانيّ الأصل الدكتور جورج صليبا الذي كتب عن الفلك العربيّ.

وتناول الدكتور علي نجيب إبراهيم تاريخ تداول كلّ مصطلح. ورأى أنّ مقولة "الإنية" ترجع إلى الوجود العيني وهي غير دقيقة. وتناول بعض المصطلحات وترجمتها. ورأى أنّ مشكلة الطهطاوي تكمن في "تاريخية وموضوعية بين الأشياء".

بعد ذلك تساءل الدكتور نشأت حمارنة: "هل تطوّرت اللغة العربية نتيجة الترجمة، أم نتيجة اختلاط العرب بالفرس والسريان وآخرين؟". ورأى أنّه آن الأوان لإعادة النظر في تاريخ عصر الترجمة، ولا بدّ من إعادة الاعتبار لدور السّريان الحضاري في الترجمة، إذ ذلّلوا صعوبات كثيرة واجهها المترجمون في عهد المأمون. وأضاف حمارنة "لو لم يظهر الإسلام لكانت نشأت أمّتان أو أكثر: حضارة قبطية وأخرى سريانية"، إلا أنّ الإسلام مزج بين الحضارتيْن. ولم يوافق الباحث على أنّ الفهرست هو الوثيقة الأقدم ورأى فيه وهمًا استشراقيًّا. وأشار إلى أنّ كتاب حُنَيْن أقدم من كتاب الفهرست، وعبّر عن تشاؤمه من إنشاء مؤسّسة في العالم العربيّ تحرص على الحفاظ على اللغة العربيّة، إذ إنّه رأى أنّ هناك قرارًا سياسيًّا غير معلن بمحاربة العربية.

أمّا الدكتور عبد اللطيف عبيد، فرأى أنّ منظومة المدنية الغربية كما رآها الطهطاوي لم تكن واضحة؛ فمصطلحات المسرح على سبيل المثال تطوّرت بعد الطهطاوي، إلا أنّ تجربته مفيدة كونها عبّرت عن عقلية من العصور الوسطى إزاء المدنية الغربية.

وفي ردّه، رأى الدكتور علي نجيب إبراهيم أنّ كتاب "الحروف" للفارابي من أكثر الكتب إشكالية في العلاقة بين الكون والكائن، وفيه ورَد تعريف الإنية بأنها الوجود الأكمل للشيء، لكن مجمع اللغة في القاهرة يُعرّف الإنية بأنّها الوجود الفردي المتعيّن مقابل الماهية. وتطرّق الدكتور إبراهيم إلى تواريخ المصطلحات فأشار إلى مجموعة كتبٍ قديمة تتناول تاريخ الصحافة العربيّة. وأكّد أنّ الترجمة أثّرت في تطوّر اللغة العربيّة وخصوصًا أنّ السّريان ساعدوا كثيرًا في تلقّف الثقافة اليونانيّة. ورأى أنّ الفارابي هو المعلّم الأوّل لأنّه هو من ابتكر الميتافيزيقا (ما وراء الطبيعة).

الترجمة والتقانات الرقمية

ترأّست إليزابيت لونغيس المحور الثاني من الندوة تحت عنوان "الترجمة والتقانات الرقمية". وافتتح المداخلات في هذه الجلسة الدكتور بشير خضرا محذّرًا من عوائق الترجمة الآليّة التي لا يجوز للمترجم استعمالها.

بعد ذلك، تحدّث الدكتور صابر الجمعاوي عن "الترجمة الآليّة من العربيّة وإليها: أيّ مستقبل؟". فقال: "إنّ الترجمة الآلية ظاهرة معرفية تقتضي توفّر الكمبيوتر والبرنامج الآلي". وأشار إلى "ضعف المساهمة العربيّة في هذا الحقل"، معدّدًا أسماء مواقع للترجمة الآليّة؛ منها غوغل وغيره، لافتًا إلى "تباين الترجمات من اللغة العربيّة وإليها على هذه المواقع"، مقترحًا "دعم أبحاث هذا النوع من الترجمة".

وتحدّث الدكتور عادل الزعيم عن "لغة شبكات التواصل الاجتماعية: صراع بين التجديد والتردّد". وعرض لبعض مفردات الفيسبوك باللغة العربيّة، معربًا عن أمله "بالتوصّل إلى صوغ مفردات جديدة تفي بالغرض". وشدّد الزعيم على فكرة الذكاء الجمعي، مشيرًا إلى اعتماد المجتمع بصورةٍ كبيرة وفورية على موقع غوغل. وذكر أنّ هذا الموقع شهد قفزةً نوعيّة مؤخّرًا بات يعتمد فيها جميع الأساليب لإنجاز ترجمته. وقد شرح مسؤول تقنيات اللغة في غوغل ريتشارد سايتس في مقالة له مسألة استخدام المعطيات الكبرى والنصوص من دون كشف الأسرار.

أمّا الأستاذ غسان مراد، فرأى أنّ التقنيات أدّت إلى الثورات من خلال صوغها لغة مشتركة، فالذكاء الجمعي أدّى إلى الترجمة الآليّة وغوغل مثال على ذلك. وقد وجد في الترجمة الآليّة حلًّا لبعض المشاكل كترجمة كمّية هائلة من الوثائق. وأشار إلى بعض المشكلات التي تعاني منها المعالجة الآليّة للّغة العربية، كالإدماج وغيرها.

وقال الدكتور مهدي عرار: "ما دام الحاسوب يفقد الذاكرة السياسية فستبقى مشاكل الترجمة". ورأى أنّ ترجمة غوغل قائمة على ملايين النصوص لا على تحليلٍ صرفي. وفي المقابل، وجد في موقع مسبار محلّلات صرفية تعطي جزءًا من المعنى.

وتطرّق الدكتور علي نجيب إبراهيم إلى الصوت الافتراضي لجهاز الملاحة جي بي أس GPS. ورأى أنّه قد يتسبّب في حوادث سير.

وأشار الأستاذ صابر الجمعاوي إلى أنّ المترجم البشَري هو الذي يُزوّد الحاسوب بالمعلومات لا العكس، وإن وَجد في الترجمة الآليّة عاملًا مساعدًا  يستدعي كثيرًا من الجهد. وأكّد أنّ اللغة العربيّة في حاجةٍ إلى التطوير في الحوسبة وفي أمورٍ أخرى.

أمّا الدكتورة إنعام بيوض، فعبّرت عن حماسها الشديد للترجمة الآليّة بسبب الكمّ الهائل من الوثائق التي تحتاج إلى الترجمة. كما عبّرت عفاف البطاينة عن تفاؤلها بالترجمة الآليّة.

وأشارت الدكتورة مارلين نصر إلى ضرورة ارتباط الترجمة بمجالات الاختصاص لدى التخرّج.

وردّ الدكتور عادل الزعيم على المداخلات، مشيرًا إلى أنّ التكنولوجيا ستساهم في تحسين مهنة المترجم شرط التمكّن من التكنولوجيا التي ستؤدّي إلى تطوّر الترجمة.

أمّا الدكتور صابر الجمعاوي، فشدّد في ردّه على ضرورة تطويع اللغة لتتماشى مع الترجمة الآليّة. ولفت إلى أهمّية تضافر المساعي التي تربط بين الألسنيّين والحاسوبيين، واختتم معبّرًا عن تفاؤله بالترجمة الآليّة معتبرًا أنّ مسألة الجودة مسألة نسبيّة.

 

نماذج ناجحة وقضايا منهجية

ترأّس الدكتور كمال عبد الفتاح الجلسة الرابعة في اليوم الثاني من الندوة، واستهلّها الدكتور حسن حمزة من جامعة ليون الثانية في فرنسا ببحثه "الترجمة إلى العربية وجدل التطوير والتهجين"، فأشار إلى أنّ في ترجمات المحدثين توليدًا كثيرًا يغني اللغة العربيّة في مفاهيمها ومصطلحاتها، لكن كثرته تشي بفوضى توليد المصطلحات. ورأى أنّ هذا الأمر يعود إلى غياب السلطة السياسية والسلطة العلمية الجامعة في الوطن العربيّ، مشيرًا إلى عملية الاقتراض من اللغات الأخرى التي تعدّ "دليل حياة وإغناء للّغة بمفاهيم جديدة".

وتطرّق الدكتور مهدي عرار من جامعة بير زيت في فلسطين إلى "أثر استشراف التطوّر الدلالي في الترجمة"، فنبّه إلى أنّ "ظاهرة التطوّر اللّغوي عامّة والدلالي خاصّة نافذة الفعل في اللّغة، ويتجلّى ذلك في مستويات اللغة: الصوتي، والصرفي والتركيبي والمعجمي والأسلوبي"، مشيرًا إلى "تراخٍ جليّ في المعجمات العربية، لأنّ الكثير من الألفاظ العربية قد خضعت لناموس التطوّر".
وعن "الترجمة وتجدّد الفلسفة في العربية"، تحدّث الدكتور صالح مصباح من جامعة تونس، فرأى أنّ أمر الترجمة عندنا اليوم ليس أفضل من أمر الفلسفة، فنحن نواجه صعوبة مزدوجة. وأشار إلى ثلاث مراحل مرّت بها الترجمة في الثقافة العربية، فكانت تجربة الترجمة الأولى تجربة "تحديث" استمرّت إلى حدود الحرب العالمية الأولى، ثم تجربة "ممانعة" تطلب التحرّر من الاستعمار، واستمرّت إلى بداية سبعينيات القرن الماضي، والتجربة الراهنة التي تريد المساهمة في إنجاز تحديثٍ متعثّر، والمساهمة في آنٍ في الصراع من أجل الاعتراف بالتنوعّ الثقافي.


وترأّست الجلسة الخامسة الدكتورة إنعام بيوض. وتحدّث فيها الدكتور عبد العزيز لبيب من تونس عن "آثار فرنسية بلسان عربي". فأشار إلى أنّ "الترجمة ليست اجتهادًا محضًا، سواء من فرد أو جماعة، وإنّما الترجمة تتأصّل في بيئة معرفة أشمل من الاجتهاد الشخصي".

وقدّم الدكتور خالد عايد أبو هديب من الأردن ورقة عنوانها "أثر الترجمة في تطوير اللغة العربية: خلفيات وتحدّيات المستقبل"، فأكّد أنّ "الحضارة هي التي تنتج معانيها وقيمها ولغتها ومفرداتها"، متحدّثًا عن "بقاء الأمّة العربية أمّةً ناقلةً [ستظلّ] تجري وراء الحضارة الغربية في حال بقيت على ما هي عليه من تخلف واستبداد وانحطاط في التعليم العالي".

وتناول الدكتور شحدة فارع من جامعة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة "دور الترجمة في تطوير اللغة العربية"، فأشار إلى "التأثيرات المتنوعة التي تركتها الترجمة في اللّغة العربيّة سلبًا وإيجابًا، ومنها ما تولّده وسائل الإعلام من مفرداتٍ ترسخ في أذهان الناس".
وترأّس الدكتور جورج كتورة جلسة المحور الرابع  "دور الترجمة وواقعها في التعليم العالي"، وعرض فيها مدير تحرير مجلّة "تبيّن" ثائر ديب لـ "الثقافة العربية وترجمة العلوم: الترجمة العملية ومصائرها منذ عهد محمد علي". وقال: "لو قسنا الحركة العلمية في بلد ما بتعداد البحوث العلمية المنشورة في المجلات العلمية المتخصصة، وقدّرنا وزن هذه الأبحاث بما يمثّله كجزء من البيبلوغرافيا العلمية العالمية، فإننا لا نجد ذكرًا مميزًا للعالم العربي إلا ضمن تلك النسبة المئوية الضئيلة".
ورأى أنّ الترجمة في انحدارٍ مستمرّ منذ انتهاء عهد محمد علي في مصر.

أمّا طانيوس نجيم، أستاذ الفلسفة والأدب الفرنسي في جامعة الكسليك في لبنان، فتحدّث عن "حقيقتين جوهريتين لا يجب التغاضي عنهما؛ الأوّل، إتقان اللغة العربيّة واجب قوميّ، وتربوي وثقافيّ، والثاني ضرورة إتقان لغة أجنبية".

وتحدّثت الدكتورة عفاف البطاينة من الأردن عن "التعامل مع أنواع الأسماء الواردة في نصوص اللغة المصدرية"، مشيرةً إلى "عدم وجود نظام عربي موحّد بشأن الأسماء المترجمة"، واقترحت "وضع جدول حروف للتناظر بين لغتين ووضع معايير للكتابة الصوتية، والتزام المؤسسات بها، ووضع نظامٍ موحّد لكتابة الأسماء باللغة العربية".

وقدّم الدكتور نشأت حمارنة من جامعة دمشق بحثًا عن "الترجمة والتعليم العالي: تجربة الجامعة السورية نموذجًا"، فذكر أنّ "حركة تعريب الطبّ في الجامعة السورية أدّت إلى ظهور عددٍ من المؤسسات التي تُعنى بترجمة المراجع الطبيّة، فكانت خير شهادة على اقتناع العلماء بصحّة ظاهرة الترجمة".

وتطرّق الدكتور كمال عبد الفتاح إلى موضوع أدب الرحلات إلى المشرق في اللغات الأوروبيّة وترجمته إلى اللغة العربية. أمّا الدكتور صالح خليل أبو أصبع من جامعة فيلادلفيا في الأردن، فقد تناول في بحثه "الترجمة أداة للتواصل والتبادل الفكري والعلمي بين العرب والآخرين"، موضّحًا أنّها "جسر في اتّجاهين، وأنّ الترجمة أداة للتواصل في ظلّ العولمة". واختُتمت الندوة بجلسة نقاشية شاملة.