بدون عنوان

الدكتور طاهر كنعان والدكتور عزمي بشارة في افتتاح المؤتمر

افتتح المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات اليوم أعمال مؤتمر: "المسألة الطائفية وصناعة الأقلّيات في المشرق العربي الكبير" الذي ينظمه على مدى ثلاثة أيام في الأردن، بمشاركة كوكبة من الباحثين المتخصصين والشخصيات العلمية والثقافية العربية. وأكد المدير العام للمركز الدكتور عزمي بشارة في كلمة ألقاها في افتتاح المؤتمر أن الطائفية السياسية هي تقويض لبناء الدولة الوطنية والديمقراطية معا، مشددا على أن استبداد الأنظمة العربية أجج الطائفية، معتبرا أن "داعش" هي نتيجة لقاء شديد الانفجار بين السلفيّةِ الجهاديةِ والطائفية تحدث ردة كبرى عن التمدن العربي.

وشمل افتتاح المؤتمر أيضا محاضرتين رئيستين للدكتور برهان غليون والدكتور أحمد بيضون، وتلا ذلك ثلاث جلسات من أعمال المؤتمر.

وقد أشار رئيس مجلس إدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور طاهر كنعان في استهلال الجلسة الافتتاحية إلى الأهمية القصوى التي يكتسيها تنظيم المركز العربي لهذا المؤتمر في السياق العربي الحالي الذي يشهد صعودا للطائفية على نحو يهدد بتحويل المنطقة إلى دويلات فاشلة. وأكد أن المركز اختار هذا الموضوع محورا للنسخة الثالثة من المؤتمر السنوي العلمي الثالث في قضايا التحول الديمقراطي، الذي خصص نسختيه السابقتين لموضوع "الإسلاميون والحكم الديمقراطي"، انطلاقا من رؤية المركز لضرورة أن يساهم المجتمع البحثي العربي في تشخيص الأوضاع في العالم العربيّ وتحليلها. وأوضح أن المركز قدم خلال ثلاث سنوات منذ تأسيسه مساهمات مهمة في هذا الإطار، مشيرا إلى الإنتاج الفكري الذي يوفره للباحثين ولصانعي السياسات بما في ذلك إصدار ما يقارب 100 كتاب علمي محكم ورصين، وإصدار ثلاث مجلات علمية محكمة متخصصة وسيصدر اثنتين أخريين قريبا.

الاستبداد وفشل مسار الدولة الوطنية والديمقراطية أججا الطائفية

الدكتور عزمي بشارة متحدثا في افتتاح مؤتمر الطائفية

في محاضرة تأسيسية لموضوع المؤتمر، تحدث الدكتور عزمي بشارة عن مفهوم الطائفية وتحولاته التاريخية وصولا إلى نشأة الطائفية السياسية في منطقة المشرق العربي، وأوضح أن بروزها بمعناها المعاصرِ وليد استغلال الاستعمار للمنظومةِ الاجتماعيةِ القائمةِ، ثم طريقةِ تأسيسه لقواعد بناء الدولة التي ستَرِثُها الدولةُ الوطنيةُ المستقلّةُ بعد ذلك. وأبرز أن الطائفيّةَ السياسية التي تستثمر التَبعيّة لدِينٍ أَوْ لمَذهبٍ ديني لتحويلِ أتباعِ هذا الدينِ إلى جماعةٍ تُحافظُ على نفسِها في وجهِ كل ما تراه تهديدا لها، ثمّ تحويلها إلى قوّةٍ سياسيّةٍ لها مطالبُ من الدّولة، هي ظاهرةٌ ترافقت مع نشوء الدّولةِ الحديثة.

وقال إنّ الطائفيّةَ السياسيّةَ رَفَعَتْ رأسَها في بلادِنا وازدَهرَتْ معَ فَشلِ مَسارَي الدّولةِ الوطنيّةِ الحديثةِ القائمة على المُواطنة، والديمقراطيّة؛ مؤكدًا أن الاستبداد الذي استَخدمَ الأيديولوجيةَ السياسيةَ القوميةَ لخِدمةِ سَيطرتِه ونُظُمِه السياسيةِ، وفَرَضَها على العربِ وغيرِ العربِ، أجَّجَ الطائفيةَ، ومَنَعَ تكوُّنَ المواطَنةِ بوصفِها انتماءً للدولة لا يحتاج إلى الطائفةِ أو العشيرةِ أو الولاءِ للسُّلطانِ من أجل تكريسه.

وتطرق الدكتور عزمي بشارة إلى نماذج للطائفية السياسية في واقع المشرق العربي مستغربا أن الدولةَ اللبنانيةَ أَعادتْ إنتاجَ الطائفيةِ بعدَ الاستقلالِ بديناميةٍ مؤسسيّةٍ أَقْوى ممَّا كانَتْ عليْهِ في مرحلةِ الانتداب. وفي المقابل فإن مراجعة تاريخِ العراق تظهر أنَّه ليس له تاريخٌ في الطائفيّةِ السياسيّةِ، وأنَّ تحويلَ الطائفيّةِ الاجتماعيّة إلى طائفيّةٍ سياسيّةٍ هو مِنْ نتائجِ التدخُّلِ الأميركي في العراق وضَرْبِ الدّولة، والتدخُّلِ الإيراني، وجرَى بعدَ الاحتلال تبنِّي نظامٍ ديمقراطي مِنْ حيثُ الشّكْل، في حين يجري تنظيم السكّانِ سياسيًّا على أساسٍ طائفيٍّ، وتتعامل الدولة معَهم على الأساسِ نفسِه، ما جعَلَ الديمقراطيةَ أداةً في تطيِيفِ الدولةِ وأجهزةِ القمْعِ مع تهميشِ الطوائفِ الأخرى. وهذا بالطبعِ أَسوَأُ مِن النظامِ الطائفي.

ويرى بشارة أن تاريخ المشرقِ العربي يثبت أنَّ التديّنَ السياسي إذَا وقعَ في مجتمعاتٍ متعدّدةِ الطوائفِ وتُعانِي أصلًا مِنْ عدمِ استقرارٍ في هُويّتِها الوطنيةِ أو القوميةِ، فإنَّه يَؤُولُ بالضرورةِ إلى طائفيةٍ سياسيةٍ، ويَستخدِمُ الطائفيّةَ في التحشيدِ خلْفَه.

ويرى الدكتور عزمي أن ظهور نموذج الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) هو نتيجة لقاء شديد الانفجار بين السلفيّةِ الجهاديةِ والطائفية. والأخطر أنَّ هؤلاء تكفيريّونَ وليسُوا طائفيِّينَ فحَسْب، ويمثِّلون نُكوصًا إلى مرحلةِ ما قبلَ الطائفيةِ التي نَعرِفُها إلى مرحلةِ الحروبِ الدينية. هذا إضافةً إلى أنَّهم لا ينتَمونَ لأَيِّ حدودٍ معروفةٍ لطائفةٍ، بل يمثِّلونَ إِحياءً كارثيًّا مشوّهًا لمَفهومِ الأمّةِ والخِلافةِ، ما قبْلَ الدولة، وما قَبْلَ حتّى الطائفيةِ المعترِضةِ على الدولة. ولا يُمكنُ أَنْ تنتهيَ هذه الردَّةُ الكبرى عن التمدُّنِ العربي إلّا بِمَأْساة. لكنه يرى أن "داعش" أوصلت الأمور إلى نهايَتِها القُصْوَى الكارثيَّةِ، وهو ما سيفرض بعدَها مُراجعات علَنيّة لأُمورٍ كثيرةٍ كان مَسكوتًا عَنْها في تاريخِنا.

الدكتور أحمد بيضون والدكتور برهان غليون يتوسطهما الدكتور صادق الفقيه

قدم الدكتور برهان غليون محاضرة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر عنوانها "الطائفية في الصراعات الوطنية والإقليمية"، أكد فيها أن شبح الطائفية يخيم اليوم على كل شيء: على شعور الناس بهويتهم وعلى السياسة، وعلى الدين نفسه. وأوضح أن الطائفية السياسية برزت عندما فشل مشروع الدولة الوطنية وحين أصبحت الدولة وسيلة للسلب والظلم والقهر، ولم تقدم تلك الدولة الحديثة للمواطن شيئًا غير الذل والقهر وتجريده من أي حماية، فأصبح الناس يبحثون عما يؤمن لهم أمنهم وحمايتهم ومكانتهم. وشدد على أن الطائفية السياسية ليست صنيعة العامّة ولا شغلهم الشاغل إنما هي صنيعة السياسيين الذين يستغلونها. وأوضح أن الطائفية عابرة لحدود الدول الوطنية في العديد من الحالات، ورأى أن الخطاب الطائفي تتعدد أصواته ومصادره في منطقة المشرق العربي، غير أن النظام الإيراني حاليا هو صاحب أسوأ خطاب طائفي.

من جانبه، أبرز الدكتور أحمد بيضون في محاضرة بعنوان: " للطائفية تاريخ: في شروط تشكّل الطوائف بما هي وحدات سياسية" سياقات وآليات تحول الانتماء إلى جماعة مذهبية أو اجتماعية إلى تعصب طائفي جرى استغلاله سياسيا.

يشمل برنامج المؤتمر السنوي العلمي الثالث في قضايا التحول الديمقراطي: المسألة الطائفية وصناعة الأقلّيات في المشرق العربي الكبير، الذي يعقده المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 13 و15 أيلول/ سبتمبر 2014، سبع جلسات اختصاصية، تتوزَّع عليها المشاركات البحثية لمحاوره الأساسية والفرعية، إضافةً إلى خمس محاضرات رئيسة مركّزة تناقش مواضيع ذات صلة أساسية بقضايا المؤتمر.

ويتألف جدول الأعمال من سبع جلسات تضم كل جلسة منها محورين اثنين تقدم أوراقهما في الوقت نفسه، إذ يتوزع المتحدثون والمشاركون على قاعتين تخصص كل واحدة لأحد المحورين. وتخصص الجلستان الأولى والثانية لمحوري: "الدولة وسياسات الهوية وإعادة إنتاج الطائفية"، و"الجذور التاريخية وتطييف الصراعات الإقليمية". وفيما يتواصل عرض الأوراق في محور "الدولة وسياسات الهوية وإعادة إنتاج الطائفية" في أحد مساري الجلسة الثالثة، يتناول المسار الثاني محور "المواطنة مقابل الطائفية". وفي اليوم الثاني للمؤتمر، تخصص الجلستان الرابعة والخامسة لمحوري "المسائل الطائفية والإثنية في العراق" و"المسألة الطائفية في مصر". ويُختتم اليوم الثاني بمحوري "الأقليات في النظام الفقهي الإسلامي بين التعصب وإمكانات الانفتاح"، و"المسألة الطائفية في بلاد الشام: تاريخ وإشكاليات". وسيشتمل اليوم الأخير على جلستين متوازيتين تجمع عشرة متحدثين موزعين بحسب محورين، هما "الدولة المذهبية والطائفية إقليم الجزيرة العربية - تاريخ وإشكاليات" و"في المسألة الطائفية في بلاد الشام تاريخ وإشكاليات".

ويختتم المؤتمر أعماله بعد ظهر يوم الاثنين 15 أيلول/ سبتمبر 2014، بمائدة مستديرة تفاعلية تحت عنوان "العروبة والدولة الوطنية في مواجهة التمزقات الأهلية والسياسات الطائفية وقومنة الهويات.. إشكاليات وقضايا، تحديات وآفاق"، ويشارك فيها أكاديميون وباحثون من ذوي الاختصاص والاهتمام.

حضور متميز للباحثين المتخصصين من مختلف الأقطار العربية في مؤتمر الطائفية