بدون عنوان

بعد موجة الإدانات الدولية (أوروبا وأميركا) والإقليمية (قطر وتركيا)؛ وتصريحات نارية ضد قادة النظام في سوريا وفرض عقوبات شخصية واقتصادية عليهم وصلت ببعض الدول إلى حد منعهم من عبور أجوائها في طائراتهم (سويسرا)، والتلويح بعقوبات قانونية ضدهم كإحالتهم إلى محكمة الجنايات الدولية (أميركا)، وبتدخل عسكري يحتوي انعكاسات طريقتهم في معالجة أزمة بلادهم على أوضاع دولهم (تركيا)؛ خمدت التنديدات بدل أن تتصاعد مع تصاعد التمرد الشعبي/ المجتمعي، الذي تعاظم بصورة متزايدة.

وكان هذا الموقف، الذي بدا مشتركا بين غالبية دول العالم الخارجي، مثيرا أول الأمر لريبة السوريين ثم لاستنكارهم، قبل أن يتحول إلى إدانة اتهمت "العالم" بالتواطؤ على الشعب السوري المظلوم، الذي يقتل أبناؤه بدم بارد، دون أن يثير ذلك أي رد فعل دولي، أو أي فعل من أية قوة كبرى.

يشعر السوريون أنهم خُدعوا، وأن العالم أسهم في توريطهم، حين أطلق تصريحات متحمسة للحراك الشعبي في مصر وليبيا، شجعتهم على الاعتقاد بأنه سيؤيدهم من ساعات تمردهم الأولى، وسيطالب رئيسهم بالرحيل، مثلما طالب رئيسي النظامين التونسي والمصري: زين العابدين بن علي وحسني مبارك بمغادرة السلطة منذ الأيام الأولى لتمرد شعبيهما عليهما.

وزاد من شعور السوريين بالخديعة ما لاحظوه في البداية من تصعيد يومي وسريع في وتيرة الإدانة الدولية للسلطة وخياراتها الأمنية، وظنهم أن كلمة "ارحل" لن تلبث أن تصدر عن أوباما أو ساركوزي، الأمر الذي سيجعل خلاصهم من نظامهم أقرب منالا إن لم يكن مؤكدا، خاصة وأن دول العالم تحولت إلى جزء من القوى الداخلية في ليبيا مثلا، وأنها هي التي حسمت ميزان القوى فيها لصالح الثورة، حين أخرجت طائراتها كتائب القذافي من شوارع بنغازي الداخلية.

هذه النظرة فاتها:

1- أن العالم لا يستطيع ولا يريد التدخل العسكري في سوريا، وأن التدخل المحدود - حتى إن كان عسكريا- سيكون غير فاعل، بالنظر إلى امتداد رقعة التمرد الشعبي، ورقعة الانتشار العسكري/ الأمني الرسمي وشبه الرسمي المقابل. بينما تركيا، الدولة الجارة، التي خال السوريون أنها هي التي ستتولى إدارة الأزمة عن قرب، وقد تتدخل عسكريا في حال وقع استعصاء يقوض فاعلية دورها السياسي، فليست قادرة لأسباب عسكرية وسياسية داخلية  على خوض حرب تدمر الجيش السوري وتسقط النظام، على فرض أنها راغبة في ذلك. 

2- أن هناك قوى محلية وإقليمية وازنة وذات دور أمني عابر لحدودها تخشى أن يؤدي سقوط النظام السوري إلى اضطراب وربما انهيار الاستقرار الإقليمي، الذي يلعب هذا النظام دورا جد مهم في تثبيته. هذه القوى تمثل مجتمعة ركائز النظام الإقليمي، وتضم إسرائيل وإيران وتركيا، المتخوفة جميعها من نتائج عودة مصر إلى المجال القومي والإقليمي، وتخشى واحدة منها، هي إسرائيل، أن تؤدي الإطاحة بنظام دمشق إلى تطويقها بقوى معادية لها، ستحتل قضية فلسطين مكانا مهما في سياستها. ومن المعلوم أن إسرائيل تملك نفوذا واسعا في أوروبا وأميركا، وثمة مثالاً معروفاً هو ألمانيا، حيث لعب نتنياهو، رئيس وزراء العدو، دورا لصالح سياسة ألمانية معتدلة تجاه الأزمة السورية. 

3- أن التدخل العسكري سيأخذ في حسابه مواقف أطراف قوية كحزب الله وإيران، وقد يطلق حربا إقليمية يمكن أن تتحول، إذا طالت، إلى حرب مفتوحة ليس لأميركا مصلحة في إشعالها، لأنها بحاجة إلى تأييد دمشق وطهران لتمديد بقاء قواتها في العراق لما بعد عام 2011، علما بأن أزمتها مع إيران وسوريا دخلت في مسارات عززت موقفها حيالهما، مع نشوب أزمة داخلية فيهما يمكنها لعب دور وازن فيها بطرق كثيرة غير عسكرية. 

بذلك أصل إلى نقطة أعتقد أنها مركزية. أفترض أنها تفسر حقيقة المواقف الغربية عامة والموقف الأميركي خاصة حيال الأزمة السورية. إن عزلة النظام السوري الدولية، ووضع رموزه تحت الرقابة، وتجميد أمواله وعلاقاته مع معظم دول العالم المهمة، وقطع الاستثمارات عن اقتصاده، وتوفر إمكانية عملية لخنقه عبر تقييد تجارته الخارجية مع أوروبا بصورة خاصة، وإمكانية تقديم بعض أهم قادته إلى محاكم دولية عند اللزوم، رسمت خطوطا حمراء لن يكون سهلا على السلطة السورية الخروج منها في حال أخمدت الحراك الشعبي، مع أن تفعيلها، الممكن دوما، يعني أن السلطة السورية تعتبر ساقطة خارجيا، أي بالنسبة إلى واشنطن وبعض عواصم الغرب، التي تنتظر نهاية الصراع الداخلي السوري، التي لن تغير شيئا في واقعة أن النظام تهالك وضعف خارجيا إلى درجة تجعله في حكم الساقط، فلا حاجة إلى التخلص منه الآن لثلاثة أسباب: 

 - عدم نشوء فراغ في الدور الإقليمي الذي يلعبه النظام السوري منذ قرابة أربعين عاما، والمهم والمطلوب إسرائيليا.

 - غموض بخصوص البديل الذي يمكن أن يحل محل النظام السوري وهويته السياسية، فإن نشأ بديل يلبي المصالح الأميركية ويقبل الاندراج في إطار عربي لا يعادي الغرب وإسرائيل، كان هناك ما يكفي من الوقت للعودة إلى تصعيد وتشديد الضغوط على السلطة في دمشق، وربما إسقاطها.

ولكن أيضا انتظار برنامج الإصلاح، الذي سيقوم النظام به بعد الحل الأمني، فإن كان لا يتفق مع ما ينتظر أميركيا من النظام في المرحلة التالية للأزمة، تم تصعيد الموقف حياله وتعاظمت الضغوط عليه ووقعت المطالبة برحيله. وليس البديل واضحا، لأنه لم يتشكل بعد، رغم محاولات تركيا لفرض شريك إسلامي للنظام في حكم دمشق.

وليس الإصلاح مسألة منتهية، رغم أن الأسد بدأ يصدر حزمة قوانين يقال إنها ستقنع الأميركيين بجدية مسعاه "لتحديث وتطوير " نظامه، وربما لإقامة شراكة ما مع المعارضة.

تراجع الضغط الدولي على النظام، لأنه لم تعد هناك حاجة إلى مستواه الأول أو إلى مزيد منه، ما دام مستبعدا إن لم يكن مستحيلا إعادة إنتاج النظام خارج إطار الداخل السوري، الذي فقد النظام الحالي الكثير من سيطرته عليه، ولأن الخارج الأميركي أحكم عزل السلطة ومحاصرتها، وصار قادرا على اصطيادها، بمجرد أن تتوقف أعمال العنف، فليس مهما الآن إسقاطها، بل منعها من مغادرة الوضع الذي آلت إليه، ومن استعادة وضعها قبل التمرد؛ علما بأن استمرار الأزمة يخدم واشنطن، وانتهاءه يضر بمصالحها، فليست في عجلة من أمرها، على الأقل خلال الأسابيع وربما الأشهر القليلة المقبلة، ولا بأس إن هي ذكّرت السلطة من حين لآخر ببعض جوانب موقفها منها، لتذكيرها بدورها في تحديد مصيرها.

دخلت الأزمة السورية مرحلة "اللاعودة"، من جميع جوانبها، وربما كان أي جانب منها لم يحسم بعد، باستثناء وضع النظام الخارجي، الذي اعتقد أنه انهار تماما، علما بأن وضعه الداخلي يرشحه بدوره لسقوط حتمي في يد الغرب الأميركي، حتى إن انتصر في صراعه ضده واستعاد سيطرته عليه.