بدون عنوان

اختتم المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات اليوم الأحد (19 شباط / فبراير 2012) الندوة العلمية "الثورة اليمنية: الخلفيّة التاريخيّة، الخصوصيّة، الآفاق"، بجلسة نقاش مفتوحة أدارها مدير عام المركز الدكتور عزمي بشارة استشرفت مستقبل اليمن السياسي وفرص التحوّل الديمقراطي على إثر الثورة الشعبيّة وتنحِّي الرئيس علي عبد الله صالح. وسبقت الجلسة الحواريّة جلسة المحور الرابع الذي خُصّص لتناول الجانب الاجتماعي في الثورة اليمنيّة.


القبيلة والشباب وتحديات ما بعد صالح

وقدّم الأستاذ عبد الكريم غانم ورقة بعنوان "القبيلة اليمنيّة ودورها وموقعها في الثورة والتغيير السياسيّ في اليمن" في إطار المحور الاجتماعيّ، وعرض فيها تطوّرات المسار السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ المحدّد لمستقبل اليمن، من خلال المعرفة الفاحصة لمكوّنات المجتمع، ومدى تأثير القوى الاجتماعيّة الأهليّة والرسميّة وفاعليّتها. وخلص إلى أنّ القبيلة كأبرز البنى الاجتماعية في اليمن، كانت حاضرة في الثورة من خلال انخراط أبنائها الفرديّ في الثورة خارج انتماءاتهم القبليّة بل بانتماءات شبه مدنيّة، ولم تكن القبيلة حاضرة ككيان، حيث تأسّست الائتلافات الثورية -في معظمها- وفقًا للتّقسيم الحزبيّ أو الجغرافي، أو المهنيّ، ممّا يعكس أنّ الكيانات والقوى الأكثر تأثيرًا كانت الأحزاب والمستقلّين، والنقابات المهنيّة.

وتناول الدكتور يحيى الريوي في الورقة الثانية التي قدّمها بعنوان "الثورة اليمنيّة.. ووسائل التّواصل الاجتماعي"، الدّور الذي قامت به وسائل التّواصل الجماهيري في الثورات العربية عمومًا وفي الثورة اليمنيّة بشكلٍ خاصّ، ولكن، أكّد أنّ تشكّل الوعي الثوري وانطلاق الثورة الشبابيّة في اليمن لم يكن بين عشيّةٍ وضحاها وبتأثير وسائل التواصل الاجتماعي فقط بل كان  نتيجةً لتراكم المعاناة  وشواهد الخبرات النضاليّة السلميّة وتحديدًا تلك التي أظهرها الحراك السلميّ الجنوبيّ. وقال الباحث إنّ التتبّع الإحصائي لمعدّل انتشار وسيلة التّواصل الاجتماعي (فيسبوك) واستخدامها عشيّة ثورات الربيع العربي يشير إلى أنّ اليمن سجّل أقلّ معدّلات الانتشار من تونس ومصر وليبيا وسوريا وغيرها، وبفجوةٍ إحصائيّة كبيرة وصلت من 1 إلى 25 عند المقارنة بين اليمن ومصر مثلًا.

استكشفت الورقة الثالثة في المحور الاجتماعي، وهي للأستاذ ماجد المذحجي بعنوان "ثورة الشّباب.. محدّداتها وآفاقها المستقبليّة"، المسارات التي مضت فيها الثورة اليمنيّة خلال عامٍ منذ انطلاقها متأثّرةً بمناخ الربيع العربيّ إلى حين نجاح الجوار الإقليميّ والفاعلين الدوليّين في فرض التسوية السياسيّة على ثورة الشّباب اليمني عبر المبادرة الخليجيّة. وتحدّث الباحث عن ردّة فعل شباب الثورة وتعاملهم مع التعقيدات النّاجمة عن المبادرة الخليجيّة واستجابتهم لأدوار الأطراف الفاعلة فيها. وقدّم المذحجي استشرافات بعض المسارات التي تمضي إليها ثورة الشباب اليمني عقب توقيع المبادرة، وبدْء المسار السياسي المتّصل بها.

وسلّط الأستاذ جمال المليكي في ورقته: "الشباب اليمني ما بعد الثورة: استبيان من ساحة التغيير" الضّوء على مواقف القوى الشبابية التي وقع على كاهلها العبء الميداني الأكبر في تحقيق الثورة اليمنية من خلال الاعتصام في السّاحات ومقاومة العنف الذي مارسه نظام صالح طوال شهورٍ منذ نهاية كانون الثاني / يناير 2011 ضدّهم، وحتّى بعد أن تنحّى صالح. وأنجز المليكي دراسة ميدانيّة للشّبان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة من ستّة ميادين اعتصام في ستّ محافظات. وكشف أنّ 2% من الشبّان فقط يرون أنّ أهداف الثورة تحقّقت 100%، بينما يرى 32% منهم أنّ أهدافها تحقّقت بنسبة 75%.

وقد حاولت الدّراسة الميدانيّة التي عرض نتائجها الأستاذ جمال المليكي تحليل خصائص الشبّان المشاركين في الثورة في اليمن، فأظهرت أنّ 42%  منهم أعضاء في حزبٍ من الأحزاب اليمنيّة القائمة، بينما 36% منهم لا ينتمون لأيّ حزب، و8% هم مناصرون لحزبٍ قائم، و5% يرغبون في الانتساب لحزبٍ جديد، في حين أنّ 10% لا يرغبون في الانتساب لأيّ حزبٍ مستقبلًا. وكشف الاستطلاع أنّ نحو 22% من الشبّان يرون أنّ العمل الشّبابي مستقبلًا سيكون في إطار حزبٍ سياسيّ، و28% يرون أنّ الشبّان سيواصلون العمل كحركة ضغط، في حين 46% منهم يفضّلون الاستمرار في العمل عبر منظّمات المجتمع المدنيّ، واقترح 4% منهم أشكالا أخرى للعمل الشّبابي. أمّا عن مجال نشاطهم في المستقبل، فيرى 22% من الشبّان أنّهم سيتوجّهون إلى النشاط السياسيّ، و15% منهم إلى النّشاط الاجتماعيّ، و58% إلى النّشاط الثقافيّ، و5% إلى أشكالٍ أخرى من النّشاط.


الشباب يجب أن يقودوا الأحزاب في مرحلة ما بعد الثورة

استهل الدكتور عزمي بشارة المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الجلسة الأخيرة التي كانت عبارة عن جلسة حوارية، باقتراح مجموعة من محاور النقاش، وأبزرها خصوصية الثورة اليمنية ودور الشباب والقبلية والمعارضة السياسية فيها.

وأوضح بشارة أن المعارضة الحالية كانت جزءًا من النظام ثم أصبحت معارضة سياسية منظمة، لديها خبرة حزبية عريقة تفوق خبرة المعارضات السياسية في البلدان العربية. وقال إن الثورة اليمنية أنتجت فئة من الناشطين خارج الأحزاب كمعطى سياسي كانوا في الساحات إلى جانب "شباب الأحزاب". وشدد على أن هذه التوليفة هي التلخيص السياسي لمستقبل مساهمة الشباب بعيدا عن الحالة الرومانسية التي حاول البعض إضفاؤها ضد الأحزاب التقليدية، فليست صائبة محاولة نفي الأحزاب لأنه لا ديمقراطية في النظم السياسية بدون أحزاب.

كما رأى بشارة أن الظاهرة الجديدة التي تحتاج إلى دراسة هي دخول فئة الشباب في العمل السياسي في مناخ حزبي وسياسي طارد للشباب. واعتبر أن هناك خطابا رومانسيا عن السمة العفوية للشباب وعزوفه عن الرغبة في القيادة، وهو ما يؤدي إلى أن تتولى القيادات الحزبية التقليدية زمام الأمور. ويشير إلى معطى سلبي آخر هو رفض أي هرمية قيادية نتيجة رغبة الشباب في عدم الانخراط تحت قيادة معينة ما يؤدي إلى غياب البرامج السياسية والهيكلية.

ورأى الدكتور عزمي بشارة أن نداءات الثورة في جميع الدول العربية التي حصلت فيها ثورات، ما كانت لتنجح في حشد الناس لو كانت صادرة عن الأحزاب التقليدية، على الرغم من أهمية دور الأحزاب أثناء الثورات. غير أنه أكد أن هذه الحقيقة يجب ألا تستخدم لرفض الحزبية، لأن ذلك سيقلص من قدرة الثورة على المضي في تحقيق أهدافها حتى النهاية.

وفصّل هذه المسألة موضحا أن الشعب عندما خرج لم يكن من أجل وصول شخص معين أو حزب معين إلى السلطة وإنما تم تقديم التضحيات في سبيل " التوق إلى الحرية"، ولكن يجب في مرحلة ثانية أن ينظم الشباب والشعب الثائر أنفسهم لكي يصبحوا هم قيادات الأحزاب أو ينتجوا أحزابًا جديدة أو يصنعوا قيادة ثورية تطرح برامج سياسية تلتزم بها. ورأى أن هذه المسألة هي واحدة من الأمور التي تأخر إنجازها في كل الحالات الثورية العربية لأن هذه الثورات يجب أن يكون هدفها الديمقراطية على اعتبار أن الثورة على الاستبداد من وجهة نظر المثقفين هو العمل لبناء أنظمة ديمقراطية، وانطلاقا من ذلك يجب أن ينظم الشباب شعاراته وبرامجه لإلزام القوى السياسية بمبادئ الحرية والديمقراطية من أجل منع أي محاولة لبناء استبداد جديد. ولتحقيق التغيير السياسي يرى ضرورة الاعتراف بدور الأحزاب كونها تشكل قواعد اللعبة الديمقراطية بغض النظر عن الأشخاص.

أما في ما يتعلق بالبنية الاجتماعية، فأوضح الدكتور عزمي بشارة أن هناك مسائل بحاجة إلى دراسة كبيرة، ومثال ذلك وضع المرأة والطفولة، ومسألة الزواج المبكر، وأهم هذه المسائل مسألة "القبلية الريعية" في الخصوصية اليمنية، فهي دول ريعية خارج نطاق الدولة اليمنية تتعامل بشكل ريعي مع المجتمع وفق منطق الغنيمة. وهذه العوائق في البنية الاجتماعية يجب أن تناقش علنًا وبصورة واضحة حتى يصبح ممكنًا طرح بديل ديمقراطي ونظام سياسي قائم على "المواطنية اليمنية".

وفيما يتعلق بالقضية الجنوبية، ذكر بشارة أنه لا يجوز التعامل مع القضايا السياسية من منطق الهويات المبنية غير الواضحة أصلًا. وتحدث عن ضرورة عدم الاستعجال في طرح هذه القضايا من المنطق الهوياتي لأن ذلك سيضع عوائق أمام النظام الديمقراطي، وسينقل القضية من صراع اجتماعي من أجل تحقيق المواطنة إلى محاصصة هوياتية بين قيادات في الدولة.


مصير الثورة: متفائلون ومتشائمون
 

وفتح الدكتور بشارة باب النقاش بعد عرضه التقديمي، وتركزت تدخلات المشاركين في الندوة حول مجموعة من المحاور، وكان أبرزها استشراف آفاق الثورة اليمنية التي انقسمت التدخلات بشأنها بين متفائل ومتشائم. ورأت الدكتورة  نيفين مسعد أن الثورة اليمنية أقرب إلى عملية الإصلاح السياسي منها إلى الثورة، وعليه فإن احتمالات التغيير هي احتمالات محدودة سواء في المرحلة الانتقالية الأولى أو ما بعدها نتيجة احتفاظ الفاعلين السياسيين والاجتماعين بقوتهم. في المقابل أكد الأستاذ محمد الأفندي أن حالة الإصلاح في اليمن بدأت منذ عام 1996 من خلال مشاركة أحزاب المعارضة في الانتخابات، ورأى أن الثورة اليمنية أنتجت تغييرا قيميًّا مع انخراط الشباب و"العسكر" والقبيلة ضمن الفعل الثوري الديمقراطي.

وركزت مداخلات أخرى على تسيير المرحلة الانتقالية وفقا لخطة المبادرة الخليجية خصوصا في ما تعلق منها بما بعد انتخاب الرئيس التوافقي وبدء الحوار الوطني اليمني الذي يجب أن تطرح فيه جميع المسائل التي تعد تحديات أمام البناء الديمقراطي والوحدة اليمنية والتي طرحت ندوة المركز العربي الكثير منها. وقال الدكتور حسن أبو طالب إنه لابد من إنتاج حوار حول ما يريده اليمنيون من الثورة ويشارك فيه الجميع دون إقصاء بحيث تحسم مسألة شكل النظام السياسي والدستور  ومستقبل اليمن موحدا أو مجزءًا.

وحذر الدكتور محمد الشنقيطي من المغالاة في الهويات الفرعية من قبل البعض في اليمن، ورأى أن الثورات العربية هي فرصة للمصالحة مع الذات ومع العالم وبناء الكيان الاجتماعي والسياسي المتكامل القائم على مبادئ الديمقراطية، مشيرا إلى دور المثقفين في هذه المرحلة في مساعدة  الشباب لاستنارة طريقهم من أجل استكمال البناء الديمقراطي.

وتدخل الدكتور عزمي بشارة أكثر من مرة في النقاش معقبا على بعض التدخلات وموضحا بعض الأفكار المطروحة، فتحدث عن ضرورة عدم طرح خطاب انفصال الجنوب بعد الثورة بالشكل الذي يطرحه البعض على أنه وبعد أن انتهت الثورة أصبح بالإمكان العودة إلى مطلب الانفصال الذي رفعته بعض أطياف الحراك الجنوبي عامي 2006 و2007، وشدد على أنه يجب التريث في طرح المسألة الجنوبية لإدراجها ضمن المسار الذي أطلقته المبادرة الخليجية ومنها مرحلة الحوار الوطني الشامل خصوصا وليس طرح قضية الانفصال والوحدة على الهامش أو بالتوازي لأن كل القضايا يجب ان تعالج ضمن مسار البناء الديمقراطي. ورأى بشارة أن هدف الثورات ضد الاستبداد يجب أن يكون من أجل الديمقراطية وبناء نظام سياسي يسير وفق مبادئ ديمقراطية، لكي تستحق اسم ثورة.

وأنهى الدكتور عزمي بشارة الجلسة النقاشية بمجموعة ملاحظات لخصت النقاشات التي جرت في الجلسة، وأبرزها وجوب وضع الأمور في سياقاتها التاريخية، وأن الثورات ليست ولا تحصد ثمارها في بضعة أشهر أو سنة، لذلك دعا إلى عدم الإحباط من مسار الثورة اليمنية مستشهدا بالثورة الفرنسية وما تلاها من مراحل انتقالية حتى كرست النظام الديمقراطي. وأكد أن المجتمع اليمني خرج إلى الشارع ولا يمكن أن يخدع، ويستطيع في جولات نضالية مستمرة تحقيق أهدافه ضمن سيرورة مستمرة.

وبخصوص دور القبيلة، لخص بشارة النقاشات في سؤال: هل تسلم القبيلة بسلطة الدولة أم لا؟ وبالتالي يجب تنتهي وظائفها السياسية والاقتصادية لصالح سلطة الدولة.