بدون عنوان

د. يوسف الشويري

شكّل مفهوم "الأمة" محور النقاش في جلسة سيمنار المركز العربي الأسبوعي ليوم الخميس 29 تشرين الأول / أكتوبر 2015. وقدم الدكتور يوسف الشويري أستاذ التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا، ورقة بعنوان: "الأمة: التباس التعريف، بين الديمقراطية والاستبداد"، ركّز فيها تحديدا على الالتباس الذي علق باستخدام المفهوم وتعريفه، وعلاقته بالديمقراطية. وأوضح المحاضر أن مفهوم الأمة مر بمرحلتين في الفكر، والفكر القومي بخاصة، كانت أولاهما مرحلة اتسمت بتعريف مقومات الأمة ولم يحدث خلالها الكثير من التفاوت والاختلاف بين من كتبوا عن المفهوم أو تحدثوا عنه، ولكن حين طرح في المرحلة الثانية الوجه الوظائفي لمفهوم الأمة، أي: ما وظيفة الأمة؟ دخل الفكر القومي عن الأمة مرحلة أيديولوجية بامتياز، وبرزت التمايزات في تحديد المفهوم ووظيفته.

جانب من جلسة النقاش

ويذكر الشويري أن مفهوم الأمة في الحالة العربية ارتبط في المرحلة الأولى بمقومي الأرض المشتركة المتصلة جغرافيا واللغة، وهذا ما نجده عند عبد الرحمن الكواكبي وعبد الحميد الزهراوي وعبد الغني العريس، وغيرهم. وجاءت المرحلة الثانية، بعد الحرب العالمية الأولى، فأصبحت اللغة ذات وظيفة أكثر تركيزًا وتحديدًا، تقوم بدور خلق نفسية عربية ذات صفاتٍ معينة تضفيها عليها خصائص اللغة، وهو ما قال به ساطع الحصري في بداية صياغته لنظرية القومية العربية؛ مشدّدًا على أن اللغة تخلق وحدة التفكير والشعور لدى الناطقين بها. وهكذا عوض أن تكون اللغة أداة تخاطب أو تواصل أو تفاهم، فقد تحوّلت إلى "جوهرٍ" يخلق بدوره "ماهية" أو ماهيات وتتكون عبرها "هوية". ولعلّ تقرير هذا التماهي بين الأمة ونعتها هو الذي حوّل مسألة "الهوية" إلى وجود طاغٍ تتضاءل أمامه حرية الفرد.

ويؤكد المحاضر أن البداية التقريبية لنشوء نظرية الأمة أو القومية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالليبرالية، ومن ثمّ الديمقراطية، مثلما نجده عند ممثل النظرية الأول جون ستيوارت ميل الذي زاوج بين الحكم التمثيلي الديمقراطي ونشوء الشعور الوطني. وقد فصّل إيرنست ريني، أحد رواد النظرية الليبرالية، ما جاء به ميل، في محاضرة شهيرة بعنوان "ماهي الأمة؟".

ويخلص الشويري إلى أن ظهور مفهوم القومية ارتبط بالديمقراطية أو السيادة الشعبية، ولكن هذا الارتباط لم يدخل في صلب الفكر القومي العربي السائد، خاصة في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وقد تحول مفهوم الأمة إلى مكون رئيس لأيديولوجيا قومية لم تنظر إليه في ارتباطه بالديمقراطية فلم يكن هناك تمييز تاريخي واضح بين الأمة والقومية، وكيف ساهمت الثانية في تشييد تصور الأولى، أي الأمة. وثابرت الأدبيات القومية في الإشادة بـ"روح الأمة" وماهيتها التي انبثقت منذ الفجر الأول للتاريخ. كما أن اللغة برزت بوصفها طاقة روحية أخرى، فكانت تجري الإشادة بها بوصفها رمزا لجوهر ثابت.

شمس الدين الكيلاني معقبا على محاضرة الشويري

وقد عقب على المحاضر الدكتور شمس الدين الكيلاني، الباحث في المركز العربي، وتلا ذلك نقاش متشعب عن مكانة مفهوم "الأمة" باعتباره يشير إلى "الأمة العربية" في الفكر القومي العربي، والاستخدامات الأخرى في سياقات أخرى مثل "الأمة الإسلامية"، وبعض الانزياحات القطرية في استخدامه على منوال استخدام عبارة "الأمة المصرية"، أو "الأمة العراقية" في أدبيات مختلفة ومن بينها كتابات بعض القوميين العرب أنفسهم.

يذكر أن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يفتح المجال أمام الباحثين والطلبة والمهتمين المقيمين في قطر والمتواجدين بها لحضور السيمنار الأسبوعي الذي يعقده كلّ يوم خميس، بدايةً من الساعة الثانية والنصف بعد الظهر في قاعة مكتبة المركز العربي.

ويخصص سيمنار المركز العربي ليوم الخميس 5 تشرين الثاني / نوفمبر 2015 لورقة يقدمها تيسير الرداوي، خبير اقتصادي أول في وزارة التخطيط التنموي بدولة قطر، وعنوانها " الناتج المحلي الإجمالي ومستوى المعيشة". ويمكن للجمهور من خارج المركز العربي التسجيل لحضور السيمنار بإرسال رسالة إلكترونية تضمّ بيانات: الاسم، الوظيفة، رقم الهاتف، والعنوان الإلكتروني؛ إلى البريد الإلكتروني التالي: seminar@dohainstitute.org

سيمنار المركز العربي للأبحاث هو جلسة علمية دأب المركز على عقدها لباحثيه وموظفيه والمدعوين من خارجه (وقد أصبح مفتوحًا لكلّ من يريد التسجيل لحضوره)، يقدّم خلالها أحد الباحثين عرضًا عن مشروعٍ بحثي أتمّه أو هو بصدد إنجازه، ويشارك الحاضرون في مناقشة البحث وأفكاره ومنهجيته.