افتتح المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات اليوم في الدوحة أعمال مؤتمره السّنوي الأوّل للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة. وشمل سموّ الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني وليّ العهد الأمين لدولة قطر برعايته الكريمة حفل الافتتاح وتكريم الفائزين الثّمانية بالجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة في نسختها الأولى للعام الأكاديمي 2011/2012. وحضر حفل الافتتاح جمعٌ من الباحثين والأساتذة الجامعيّين من المحاضرين المشاركين في أعمال المؤتمر السّنوي للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، والضّيوف الذين يحضرون جلساته.
وقام سموّ وليّ العهد الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني بتوزيع الشّهادات والدّروع التكريميّة على الفائزين بالجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، وهي الجائزة التي أحدثها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات لتشجيع البحث العلميّ العربي. وأشار الدّكتور طاهر كنعان رئيس لجنة الجائزة في كلمةٍ تقديميّة عن الجائزة إلى مساهمة المرحوم عالم الاجتماع العربيّ الدكتور خلدون النّقيب رئيس مجلس الإدارة الأوّل للمركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات في إنشاء الجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، والتي كان يرأس لجنتها العلميّة قبل وفاته العام الماضي.
ثماني جوائز ومنح علميّة بقيمة 220 ألف دولار
أوضح الدّكتور طاهر كنعان أنّ المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات أنشأ الجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة بهدف تشجيع الباحثين العرب داخل الوطن العربيّ وخارجه على البحث العلميّ الخلّاق في قضايا وإشكاليّات تهمّ صيرورة المجتمعات العربيّة وتطوّرها. وقد قرّرت لجنة الجائزة منح ثماني جوائزَ كلّ عام، بأربع في كلّ واحد من محورين أحدهما ضمن العلوم الاجتماعيّة والثّاني في العلوم الإنسانيّة، وتتوزّع في كلّ محور بواقع جائزتين اثنتين لفئة "الباحثين" واثنتين لفئة "الباحثين الشّباب".
وأضاف الدّكتور كنعان أنّ المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات قد أعلن في مايو / أيار 2011 عن برنامج الجائزة للعام الأكاديميّ 2011/2012، وفتح باب التّرشّح في موضوعين أوّلهما في العلوم الاجتماعيّة وهو "سياسات التّنمية العربيّة وتأثيرها على فرص العمل"، والثاني في العلوم الإنسانيّة وهو: "الهويّة ولغة التّعليم في البلدان العربيّة". واستلم المركز في الفترة ما بين مايو / أيار وأواخر يونيو / حزيران 151 مقترحًا بحثيًّا، قبلت لجنة الجائزة 77 بحثًا يتوزّع أصحابها بين فئتي الباحثين والباحثين الشّباب الذين منحوا فترة خمسة أشهر لكتابة أبحاثهم وتقديمها في صيغتها النهائيّة في موعدٍ انتهى في 1 ديسمبر / كانون الأوّل، فتلقّت لجنة الجائزة 70 بحثًا، وكان 44 منها في فئة الباحثين بواقع 18 بحثًا في موضوع سياسات التّنمية و26 بحثًا في موضوع الهويّة واللّغة؛ وفي فئة الباحثين الشّباب تلقّت اللّجنة 26 بحثًا بواقع 13 بحثًا في كلّ واحد من موضوعي الجائزة. وبعده انكبّت لجنة الجائزة على تحكيم البحوث المشاركة وتقييمها، وانتهت من عملها في 15 فبراير / شباط 2012، واجتمعت اللّجنة بتاريخ 3 مارس / آذار 2012 لدراسة تقارير محكّمي البحوث المشاركين وعلى ضوء هذا التّقييم.
وقد سلّم الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني سموّ وليّ العهد الأمين والدّكتور عزمي بشارة المدير العامّ للمركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات الجوائز للفائزين والتي تتضمّن منحةً بحثيّة بقيمةٍ تعادل 30 ألف دولار لفئة الباحثين، و25 ألف دولار لفئة الباحثين الشّباب. ويبلغ مجموع المنح المرافقة للجائزة 220 ألف دولار.
وقد فاز في موضوع العلوم الاجتماعيّة "سياسات التّنمية في البلدان العربيّة وتأثيرها على فرص العمل" في فئة الباحثين كلّ من حسنين توفيق علي من جمهوريّة مصر العربيّة عن بحث: "الأبعاد السّياسيّة لأزمة التّنمية الإنسانيّة في الوطن العربيّ"، وعمر الرزاز من الأردن عن بحث: "الطّريق الصّعب نحو عقدٍ اجتماعيّ عربيّ جديد: من دولة الرّيع إلى دولة الإنتاج"، وفي فئة الباحثين الشّباب كلّ من عبد العزيز جوهر من مصر عن بحث: "تحدّيات البطالة في مصر: البعد الجغرافيّ والتّكامل الأفقيّ لسياسات التّنمية"، وعبدوتي ولد عال من موريتانيا عن بحث: "سياسات التّنمية في موريتانيا وتأثيرها على فرص العمل". وفي موضوع العلوم الإنسانيّة "الهويّة ولغة التّعليم في البلدان العربيّة"، فاز في فئة الباحثين كلٌّ من أحمد حسين حسنين من مصر عن بحث: "لغة التّعليم وتأثيرها في الهويّة العربيّة: دراسة ميدانيّة على عيّنة من الطلّاب المصريّين في ظلّ أنظمةٍ تعليميّة متباينة"، ونادية العمري من المغرب عن بحث: "الهويّة ولغة التّعليم في البلدان العربيّة"، وفاز في فئة الباحثين الشّباب كلٌّ من امحمد جبرون من المغرب عن بحث: "انشقاق الهويّة: جدل الهويّة ولغة التّعليم بالمغرب الأقصى من منظورٍ تاريخيّ"، وأنور الجمعاوي من تونس عن بحث: "تعريب المصطلحات التّقنية: قراءة نقديّة في المنجز المعجميّ العربيّ المعاصر".
اللّغة محور الهويّة والعلم أساس التّنمية
وبعد توزيع الجوائز قدّم الدّكتور أنطوان زحلان والدّكتور عبد السّلام المسدّي محاضرتين تقديميّتين للعنوانين الرّئيسين لأعمال المؤتمر السّنوي الأوّل للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، فقدّم الدّكتور زحلان محاضرةً بعنوان "أصول الجمود العربي" تناول فيها العلاقة بين العلم والتّنمية" تقديمًا لموضوع "من النموّ المعاق إلى التّنمية المستدامة: أيّ سياسات اقتصاديّة واجتماعيّة للأقطار العربيّة؟" الذي هو أحد مساري المؤتمر، فيما طرح الدّكتور المسدّي سؤال: "أيّهما أصحّ: لا لغةَ من دون هويّة؟ أم لا هويّة من دون لغة" في محاضرةٍ بعنوان: "الهويّة واللّغة في الوطن العربيّ: بين أزمة الفكر ومأزق السّياسة" والتي تعدّ تقديمًا للمسار الثّاني للمؤتمر عن "اللّغة والهويّة في الوطن العربيّ".
وقدّم الدّكتور أنطوان زحلان في محاضرته عرضًا تاريخيًّا عن دور العرب في الوصل بين العلم والتّقانة في الحضارة الإنسانيّة، مشيرًا إلى مساهمة أبحاث وإنجازات العلماء العرب في النّهضة الأوروبيّة، ولكن هذا الوضع لم يستمرّ حيث دخل العرب مرحلة التّدهور السّياسي والحضاريّ منذ أواخر العهد العبّاسي وسيطرة المماليك على الدّولة، وما تلاه من حملاتٍ صليبيّة وحملات المغول. وفي المقابل حقّقت أوروبا في المرحلة نفسها التي كان العالم العربيّ يعيش بداية الانحدار والانحطاط نهضتها وتطويرها للعلوم الموروث كثير منها عن العرب. وعند وصوله إلى المرحلة المعاصرة في عرضه التّاريخي، أشار الدّكتور زحلان إلى المفارقات العربيّة الصّادمة في العلاقة بين العلم والتّنمية، وانتهى إلى أنّ المشكلة في الوطن العربيّ ليست مشكلة علم ومتعلّمِين حيث يتخرّج الآلاف من الجامعات سنويًّا ويمتلك الوطن العربيّ الملايين من حاملي الشّهادات الجامعيّة، إنّما المشكلة هي عدم الاستفادة من هذا العالم والمتعلّمين واستخدامهم على الوجه الأمثل في أغراض النّهضة والإنتاج والتّنمية.
أمّا الدّكتور عبد السّلام المسدّي، فقد أشار إلى أنّ صانع القرار العربيّ بدأ يستشعر في مرحلةٍ متأخّرة الخطر المهدّد لهويّة العرب وهو ما أشارت إليه القمم العربيّة سنوات 2007 و2008 و2009، وبدأ الحكّام العرب يفهمون معنى تأثير الهويّة في مشروع النّهضة العربيّة. وقدّم المسدّي في هذا الإطار إحصائيّاتٍ عالميّةً مخيفة تجسّد حقيقة التّهديد، فقال إنّ 25 لغةً تنقرض كلّ عام وإنّ القرن الـ21 سيشهد انقراض 3000 لغة. وأكّد أنّ اللّغة والهويّة العربيّتين معرّضتان للاضمحلال والتفكّك نتيجة ظواهر من قبيل تغليب الهويّة واللّغة الفرعيّتين على الهويّة واللّغة المركزيّتين الجامعتين، وكذا سيطرة اللّغات الأجنبيّة وخنقها للعربيّة. وأشار المحاضر إلى أنّ الحفاظ على الأمن اللّغوي شرطٌ للحفاظ على الهويّة، وأنّ أمّة من دون سياسة لغويّة هي أمّة بلا هويّة.
مركز لإغناء المعرفة واقتراح السّياسات
قدّمت عريفتا حفل افتتاح المؤتمر السّنوي للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة نبذةً عن المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات الذي ينظّم المؤتمر السّنوي للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة كحدث علميّ وفكريّ كبير بعد عامٍ من انطلاق المركز بتشجيعٍ كبير من لدن صاحب السموّ أمير دولة قطر الشّيخ حمد بن خليفة آل ثاني وسموّ الشّيخة موزا بنت ناصر، وتبنّاه سموّ وليّ عهده الأمين، وقد احترمت دولة قطر استقلاليّة المركز الكاملة وحافظت عليها.
وأشارت النّبذة التعريفيّة إلى أنّ المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات مؤسّسة أكاديميّة عربيّة مستقلّة، يشرف عليها مجلس إدارة، ويديرها منذ تأسيسها الباحث والمفكّر العربيّ الدّكتور عزمي بشارة. وقد ولد المركز قبل أشهرٍ فقط من انطلاق شرارة الثّورات والتحوّلات العاصفة التي تعيشها الأمّة العربيّة، وهو يعيش زمنها ويراقب مخاضها التاريخيّ الصّعب، ويطمح إلى أن يكون بوتقة إشعاع حضاريّ للاستنارة ومجالا لإخصاب جديد للمعرفة العربيّة لإغناء الحياة المعاصرة فكرًا مستنيرًا، ومعرفةً إبداعيّة، ومنهجًا خلّاقًا، ويراه المشرفون عليه مشروعًا للتّجديد النّهضوي.
ومنذ اليوم الأوّل، وضع المركز الإنتاج المعرفيّ نصب عينيه، وذلك في العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، نظريًّا وتطبيقيًّا، وفي كلّ ما يتعلّق بتنمية الدّول والمجتمعات العربية، فضلًا عن تحليل السّياسات ونقدها، مع رعايته للإبداعات، واقتراح البدائل. ورأى المركز من واجبه توحيد أو تنسيق أجندة البحث العربيّة وتطويرها، طامحًا للمساهمة في إرساء مقوّمات نهضةٍ عربيّة إبداعيّة جديدة، وذلك بواسطة برامجَ وخططٍ أكاديميّة مدروسة. فقد عقد المركز العربيّ للأبحاث مؤتمراتٍ وندواتٍ علميّة عربيّة، فضلًا عن نشر "توصيات" تتعلّق بالسّياسات الإستراتيجيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والتعليميّة والثقافيّة المختلفة. كما نجح المركز في تنظيم ندوات علميّة عربيّة بمستوًى رصين، وأنتج دراساتٍ وبحوثًا، مستقطبًا العشرات من أبرز العلماء والمختصّين العرب والأجانب.
وقد أصدر المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات خمسة عشر كتابا في عامه الأوّل، ونشر برنامج مؤشّر الرّأي العامّ العربيّ، وهو أوسع وأشمل استطلاعٍ للرّأي العامّ في المنطقة، وأطلق الجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لتشجيع البحث العلميّ، وعقد المؤتمر السنويّ للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة بدءًا من هذا العام. كما قام باحثوه برصد أحداث الثّورات العربيّة وأرشفتها، وإصدار الدّراسات بشأنها. وسيصدر المركز قريبًا دوريّتين أكاديميّتين فصليّتين، الأولى للعلوم الاجتماعيّة تحمل اسم "عُمران"، والثّانية للعلوم الإنسانيّة واسمها "تبيّن". وللمركز دار نشر أكاديميّة لنشر الكتب والدّراسات المحكّمة، كما بدأت في حيازة حقوق التّرجمة لكتبٍ باللّغات الأجنبيّة.