بدون عنوان

في إطار نشاطه لهذا العام، نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة بعنوان: "الإسلاميون وقضايا الدولة والمواطنة"، شارك فيها الدكتور سعود المولى، والدكتور أحمد الزعبي، وأدارها الأستاذ أحمد جابر، في حضور حشد من المثقفين والمهتمين. 

استهل أحمد جابر الندوة بالإشارة إلى أن كتاب الإسلاميون وقضايا الدولة والمواطنة يتضمن ستة عشر فصلًا، توزعت على باحثين وكتاب متنوعين، تناولوا قضايا الدولة والمواطنة والأمة من زوايا متعددة، وعرضوا لتجارب بلدان مختلفة، وناقشوا برامج أحزاب وحركات إسلامية، وما فاتهم أن يعيدوا الإشكال المطروح إلى جذوره التاريخية، وإلى عرضه في سياقات مجتمعيه وأهلية وفكرية وسياسية متفرقة؛ ذلك أن الوضع العربي، أو لنقل الأوضاع العربية والإسلامية، ما زالت تتأرجح على حبال اختيار مساراتها، يعزز هذا التأرجح أحوال اللااستقرار التي ما زالت تساهم بقوة في صوغ حياة الشعوب العربية والإسلامية، وفي تحديد سبل تنظيم هذه الحياة ومسالكها.

أشار جابر أيضًا إلى أنه تحضر بين دفتي الكتاب المعروض من النقاش نظريات علمانية، ومحاولات مواءمة بين الإسلامية والعصر، مثلما تحضر إصلاحية من منطلق إسلامي، وتفصح عن ذاتها علمانية لا تبدي تفاؤلًا بإمكان المواءمة بين النصين العلمي والديني. عنوان الكتاب إشكال، والخوض في مضمونه يفصح عن إشكالات متعددة، والأسئلة المطروحة من المساهمين تعود لتطرح أسئلة جديدة، هكذا يمكن القول إن غنى النقاش يكون دائماً في فتحه على فضاء أوسع، مثلما يمكن القول إن الكتاب وأقلام المساهمين، لم يذهب إلى الحتمية أو القطيعة أو الأحادية الفكرية، بل اكتفى، واكتفت الأقلام بطرح المعلن والمسكوت عنه أمام نور الإضاءات الفكرية.

عدّ أحمد الزعبي الكتابة عن الإسلاميين بعد الربيع العربي وقبله بقليل، توسعت، وصارت تشمل مقاربة هذه الحركات بمنظور اجتماعي وسياسي، وطرحت مسائل المواطنة، والتعددية، والتمسك بالشريعة، وحقوق الأقليات وغير المسلمين، بوصفها قضايا تحتاج إلى تشريعات واجتهادات جديدة.

تطرق الزعبي أيضًا إلى الموضوعات التي تناولها الكتاب، مثل المواطنة التي تطرق إليها سعود المولى أيضًا وعرض في خلالها مساهمات الشيعة في مسائل المرجعية والدولة المدنية والمواطنة، واستجابتهم لتحديات التعامل مع الدولة الوطنية الحديثة في العراق ولبنان، وخصوصًا الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين في موضوع الدولة الإسلامية والمدنية والتسامح والمواساة، وزين الدين خرسني في عرضه الشيق لإشكالية المواطنة عند الأحزاب الإسلامية، وممارساتها في شأن السياسة ومفرداتها (الدولة الديمقراطية، القانون، التعددية، الحرية، سيادة الشعب)، حيث عنى أن تكون المواطنة أولوية فكرية - سياسية – اجتماعية، يؤسس عليها مشروعها المجتمعي؛ الأمر الذي يحول دون التحقق الفعلي والكامل لفكرة المواطنة لديها.

تساءل الزعبي: هل تشير التحولات والتطورات إلى إمكان وجود مستقبل أفضل لصيغ الإسلام السياسي؟ يمكن أن يكون الأمر كذلك. لكن بشرط التخلي الواضح والصريح عن الاستنصار بالإسلام من أجل الوصول إلى السلطة؛ فالذي ينبغي أن يعرفه الجميع أن دفع الإسلام إلى بطن الدولة يشكل خطرًا على الدين قبل الدولة، لأن هذا الأمر سمح لحركات إسلامية مسلحة (مثل داعش والقاعدة ومتفرعاتهما) بالوصول إلى السلطة "وهذه الانشقاقات تهدد الإسلام ذاته في سواده الاجتماعي، والسكينة والتماسك اللذين يبنيهما الدين في العادة في الاجتماع الإنساني، وما يجب إدراكه بعمق هو ضرورة حماية الدين من السلطة أو من التغول على السلطة، وليس العكس! وربما كان ذلك هو ما يحاول الغنوشي القيام به حماية لتونس والإسلام.

 استهل سعود المولى مداخلته بالقول: تعيش البلدان العربية حالة انتقالية خطرة حافلة بالآمال كما بالأخطار، وعلى كيفية إدارتنا جميعًا هذه المرحلة الانتقالية يتوقف مصير بلداننا ومستقبل الأجيال الآتية، ورأى المولى أن من حق العلمانيين التشكيك في الإسلاميين وفي ممارستهم السلطة، واتجاههم إلى فرض النمط الديني على شكل الحكم، لكن من واجب العلمانيين في المقابل الإنصات إلى لغة العقل وإلى متطلبات الديمقراطية، فلا نكيل بمكيالين، ولا نتحدث بلغتين، ولا نسمح بصيف وشتاء تحت سقف واحد؛ الديمقراطية هي الديمقراطية، وصناديق الاقتراع والعمل المدني الديمقراطي السلمي هما الوسيلة الوحيدة لتداول السلطة، ولو كلف ذلك السجن والعودة إلى النضال ضد الحكم الجديد. المهم حفظ السلم الأهلي ومصالح الناس.

أضاف المولى أيضًا: ومن حق الإسلاميين استلام الحكم إن أوصلتهم صناديق الاقتراع. ومن حقهم تقديم الحجج المضادة، وإظهار موقفهم بكل الأشكال الديمقراطية، لكن من واجبهم في المقابل التطبيق العملي لشعاراتهم، فيظهرون فعليًا أن جماعاتهم لا تتفرد بالرأي، ولا تُقصي أي طرف، ولا تنبذ أي مكوّن من مكوّنات المجتمع التعددي، ولا تتعصب أو تتحجر في منقولات السلف الصالح أو ممارسات الخلافة الراشدة (على الرغم من شرعية هذه المنقولات والتطبيقات وحضاريتها وتقدميتها، فإنها تنتمي إلى زمان ليس بزماننا، بحسب قول الإمام علي). والإسلاميون أدرى الناس بضرورات العصر وبالمصالح والمفاسد، وعليهم – إذًا - واجب تقديم المشروع الحضاري الإنساني التاريخي الذي يوحد البلاد ويحقق مصلحة العباد.

عدّ المولى الغربَ في الواقع لم يفصل الدين عن الدولة، بل استبدل بالدين نظرية جديدةً تقول إن سعادة الإنسان وانفتاحه مرتبطان بقدرته على السيطرة على الطبيعة. إن هذا الإيمان المطلق بالتقدم الذي حل محل الدين هو الذي تراه الدولة العلمانية مصدر شرعيتها. وإذا كانت الدولة العلمانية تزعم أنها تستطيع احتواء الدين، فإن الدولة الدينية، في ما يعنيها، تطمح إلى اختزال الدين في مضمار الدولة. فبدلًا من أن يحدد الغائيات، تحول الدين إلى مجرد مقياس للوسائل التي ينبغي أن تتوسلها الدولة لضمان حسن سيرها، ورأى المولى أنه ينبغي الاعتراف بأنه لا يمكن في أي حال من الأحوال فصل الدين عن السياسة، لا في لبنان ولا في أي مجتمع آخر. فالمتدينون وغير المتدينين يعيشون معًا في مجتمع سياسي، ولا بد من أن يتحركوا في هذا المجتمع انطلاقًا من أفكارهم ونصوصهم وتصوراتهم للعالم والكون والإنسان والمجتمع، وهذه كلها أمور تختلط بالسياسة أو تؤثر فيها.

خلص المولى إلى القول: الأصل الذي تعلّمناه من السيد موسى الصدر أنه ينبغي ألا ينعزل الدين عن هموم المجتمع ومشكلاته وقضاياه، وأن يكون له كلمة ومشاركة في السياسة والعمل السياسي. والأصل الذي تعلمناه من شمس الدين أنه يجب على السياسة أن تستلهم الدين في أخلاقياته وقيمه، في حركة سمّاها التقوى الحوارية: تقوى الله وتقوى الأخوّة الإنسانية، وتقوى الشعب والأمة. والأصل الذي تعلمناه من التجربة الإيرانية أنه يمكن تنظيم الحد الفاصل بين الدين والسياسة. والأصل الإسلامي بحسب عادل عبد المهدي أن لا تستبد الدولة بالولاية وأن لا يتشتت المجتمع من دون حكومة (بالمعنى الإسلامي) أي أن لا يطغى طرف الدولة بنخبها، وأيديولوجية نخبها، على المجتمع (كالدول العربية الاستبدادية وعراق صدام حسين تحديدًا)، وأن لا يخترق المجتمع بما يختزنه من تعددية وتنوع وصراعات ومصالح وحدة الدولة، فيفككها إلى زعامات ومراكز طائفية ومذهبية وجهوية وفئوية (كلبنان عمومًا).