العنوان هنا
تحليل سياسات 10 مارس ، 2014

الأزمة الأوكرانية أميركيًا: إعادة بعث الحرب الباردة؟

الكلمات المفتاحية

أسامة أبو ارشيد

يعمل أسامة أبو ارشيد باحثًا غير مقيم مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وهو حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسيّة والفلسفة من جامعة لفبرة / بريطانيا، ويقيم حاليا في واشنطن في الولايات المتحدة. نشر العشرات من المقالات والدارسات باللغتين العربية والإنكليزية، كما شارك في تأليف كتابين باللغة العربية عن حركة حماس والمعاهدة الأردنية الإسرائيلية. شارك في العديد من المؤتمرات الأكاديمية، وله كتاب باللغة الإنجليزية في مرحلة الإعداد للطباعة عنوانه: "جدلية الديني والسياسي في فكر وممارسة حركة حماس" وسيصدر عن Cambridge Scholars Publishing.

مقدمة

تمثِّل الأزمة الأوكرانية الراهنة التحدي الأكبر والأخطر الذي يواجهه الرئيس الأميركي باراك أوباما على صعيد السياسة الخارجية الأميركية؛ إذ تأتي هذه الأزمة في خضم قلقٍ عميقٍ وانتقادات قاسيةٍ ومتصاعدةٍ من قبل حلفاء أميركا في العالم، ومن قبل الحزب الجمهوري داخليًا، لمقاربة إدارة أوباما للسياسة الخارجية عمومًا.

بدأت وقائع الأزمة الأوكرانية الراهنة في كانون الأول/ ديسمبر 2013 على شكل احتجاجات شعبية واسعة ضد رفض حكومة الرئيس الأوكراني المعزول فيكتور يانكوفيتش توقيع اتفاقية للتجارة الحرة والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وذلك لمصلحة الدخول ضمن الاتحاد الجمركي الروسي. واعتبرت روسيا أنّ يانكوفيتش، المحسوب عليها والذي فرّ إلى أراضيها بعد عزله من قبل البرلمان، تعرّض لخديعة غربية لتحجيم نفوذها في أوكرانيا، وذلك عندما لم يلتزم الغرب الاتفاق الذي جرى بوساطة وفد أوروبي (ألمانيا، فرنسا، بولندا) في 11 شباط/ فبراير 2014 بين الحكومة والمعارضة، والذي نص حسب موسكو ويانكوفيتش على إنهاء الأخير فترة رئاسته الدستورية وإجراء انتخابات رئاسية في كانون الأول/ ديسمبر المقبل وإقرار الدستور الجديد[1].


معضلة أوباما في أوكرانيا

تسير إدارة أوباما في الشأن الأوكراني على حبلٍ مشدودٍ، وتكمن معضلتها في أنه لو ترك التدخل الروسي في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم من دون ردٍ، فهذا يعني المغامرة بتقويض الثقة بصدقية الولايات المتحدة أمام حلفائها الذين يعتمدون على مظلتها الحمائية العسكرية، وبخاصة أنّ هذه الصدقية تتآكل منذ سنوات جرّاء سياسات إدارة أوباما الخارجية المترددة والتائهة، بل المنكفئة في كثيرٍ من الأحيان. أما إذا قرّرت الإدارة الأميركية الردّ فهي تغامر بمواجهة كبيرة لا ترغب فيها.

ففي الشرق الأوسط، لا يُخفي حلفاء أميركا في المنطقة، ودول الخليج العربية منهم تحديدًا، استياءهم من سياسات إدارة أوباما في سورية، وبخاصة بعد تراجع الرئيس الأميركي عن تنفيذ وعيده بضربات جوية لمواقع عسكرية للنظام السوري ردًا على استخدام الأخير السلاح الكيماوي ضد أبناء شعبه في آب/ أغسطس 2013. وتضاعف هذا القلق والاستياء، والذي شمل إسرائيل أيضًا، بعد الاتفاق الانتقالي مع إيران في جنيف في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي الذي وضع قيودًا على برنامجها النووي مقابل تخفيف طفيف للحصار المفروض عليها. وفي آسيا، تواجه الولايات المتحدة اختبارًا آخر لموثوقيتها الحمائية تجاه حلفائها مثل اليابان وكوريا الجنوبية في مواجهة التمدّد الصيني في مياه شرق آسيا وبحر الصين على حساب أولئك الحلفاء.

والآن، ومع تفجّر الأزمة الأوكرانية، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام أزمة الصدقية والموثوقية ذاتها في الفضاء الجيوستراتيجي الأوروبي. فعدم الرد على تحدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، يهدِّد إرث أوباما الرئاسي على قاعدة أنه قد يكون الرئيس الأميركي الذي تحت قيادته انكفأت أميركا عالميًا وتراجع تأثيرها الدولي، وهي الاتهامات التي يتردد صداها فعلًا الآن في واشنطن[2].

ولكن في المقابل، فإنّ أوباما يدرك حدود القوة الأميركية؛ بسبب ما يزيد على عقد من الحروب التي استنزفت الولايات المتحدة اقتصاديًا وإستراتيجيًا ومعنويًا، وجعلت من الرأي العام الأميركي يتوجس من أي حربٍ جديدة، ولو كانت على شكل تدّخلٍ محدودٍ عبر ضربات جوية، فكيف يكون الحال لو كانت المعركة مع قوة عظمى مثل روسيا؟

أضف إلى ذلك أنّ أوباما نجح في الانتخابات الرئاسية الأميركية بناءً على وعدٍ بأنه سيكون الرئيس الذي يضع حدًا لتورط أميركا في حروب خارجية، وبأنّ عهد الحروب يشارف على الانتهاء. وقد أوفى بوعده فعلًا من خلال سحب القوات الأميركية من العراق أواخر عام 2011، وهو في طريقه لسحب أغلبية القوات الأميركية المقاتلة من أفغانستان (وربما كلها إن لم تتوصل الولايات المتحدة إلى اتفاق أمني مع حكومة الرئيس الأفغاني حامد كرازاي) أواخر هذا العام. وبدلًا من سياسة القوة وإرسال القوات الأميركية في مهمات خارجية، راهن أوباما أكثر على الديبلوماسية والعمل عبر تحالفات إقليمية ودولية قوية، كما في حالة ليبيا.

إذًا، لم ينظر أوباما إلى نفسه على أنه رئيس حرب، وذلك على عكس سلفه، الرئيس جورج بوش الابن. ومن ثمَّ، فقد حاول أن يفتح خطوطًا ديبلوماسية مع خصوم الولايات المتحدة السياسيين مثل روسيا التي كانت علاقاتها قد توترت مع الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة من رئاسة بوش عام 2008 بسبب الاجتياح الروسي لبعض أقاليم جورجيا لسلخ إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عنها.

 


[1] Vladimir Soldatkin and Alexei Anishchuk, “Putin: military force would be 'last resort' in Ukraine,” Reuters, March 4, 2014, at: http://www.reuters.com/article/2014/03/04/us-ukraine-crisis-idUSBREA1Q1E820140304;  Benny Avni, “UN Split Over Russian Occupation of Crimea,” Newsweek, March 1, 2014, at: http://www.newsweek.com/un-split-over-russian-occupation-crimea-230626

[2] Peter Baker, “Pressure Rising as Obama Works to Rein In Russia,” The New York Times, March 2, 2014, at: http://www.nytimes.com/2014/03/03/world/europe/pressure-rising-as-obama-works-to-rein-in-russia.html?_r=0;  “Obama ‘Doesn’t Understand’ Putin, McCain Tells Senate,” March 4, 2014, at: http://go.bloomberg.com/political-capital/2014-03-04/obama-doesnt-understand-putin-mccain-tells-senate/

وانظر أيضًا: "أوباما أمام اختبار صعب مع تحول أوكرانيا إلى مواجهة بين الشرق والغرب"، رويترز، 2 آذار/ مارس 2014، في:

 http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARACAEA2109M20140302