العنوان هنا
تقدير موقف 18 يوليو ، 2011

تعديل الدستور في المغرب: إصلاح أم احتواء التحول الديمقراطي؟

الكلمات المفتاحية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

بعد هروب الرئيس التونسي المخلوع، وسقوط نظام حسني مبارك في مصر، وانطلاق حركة المطالبة بالتغيير في بلدان عربية أخرى؛ صدرت تصريحات لمسؤولين مغاربة، من بينهم وزير الخارجية، الفاسي الفهري، تؤكد كلها خصوصية المغرب التي تجعله في منأى عن أي حركة احتجاجية. ثم راجت -على هذا الأساس- عبارة "الاستثناء المغربي" التي ذهب أصحابها إلى ضرورة استفادة تونس ومصر من النموذج المغربي الناجح.

وتقوم نظرية "الاستثناء المغربي" على مقولتين أساسيتين، أولاهما مقولة خاطئة ومناقضة للواقع، تدّعي أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المغرب أفضل بكثير مما هي عليه في تونس ومصر وغيرها من البلدان العربية، فلا معنى لأي حركة احتجاجية سوى أن يكون هدفها التقليد وحسب. أما المقولة الثانية، فتشير إلى أن في المغرب نظاماً ملكياً يقوم على إمارة المؤمنين، وهو ما يمنحه شرعية دينية وتاريخية ترفعه عن أي نقاش محتمل حول استمراريته.

أثار هذا الخطاب الرسمي حفيظة المطالبين بالتغيير في المغرب، خاصة أن الأرقام، بما فيها الحكومية، تُناقض ادعاء الرخاء الاقتصادي للمغرب، إضافة إلى ما تعرفه الأوضاع السياسية والاجتماعية منذ سنوات من انسداد وتأزم.

وفي هذا السياق، نستدعي آخر الأرقام الصادرة ضمن تقرير البنك الدولي يوم الأربعاء 6 تموز/ يوليو 2011، والتي كشفت أن المغرب ا ما زال لم يبرح خانة الشريحة الدنيا بين البلدان متوسطة الدخل (يتراوح متوسط الدخل السنوي للفرد فيها بين 1006 دولارات إلى 3975 دولارا).

وبمقارنة المغرب مع بلدان العالم، يلاحظ أن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في المغرب لا تزال منخفضة، بل إن عدداً من الدول التي كانت اقتصاداتها وأوضاعها الاجتماعية أسوء من أوضاع المغرب أو مماثلة لها، عرفت تحسنا في ترتيبها العالمي. فقد تمكنت دول كانت مصنفة ضمن الدول منخفضة الدخل من تحسين وضعها لتنتقل إلى الفئة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل مثل زامبيا وغانا وموريتانيا، ودول أخرى كانت أوضاعها مماثلة لأوضاع المغرب انتقلت إلى الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل، مثل الصين والإكوادور والأردن وتايلاند وتونس.

وفيما يخص مؤشرات الفقر، يسجل تقرير البنك الدولي أن نسبة 20 في المئة الأكثر فقرا في المغرب يستهلكون 8.5 في المئة من الدخل القومي، فيما تستحوذ نسبة 20 في المئة الأكثر غنى على 47 في المئة من الدخل القومي. أما نسبة الأمية لدى المواطنين الذين تزيد أعمارهم على 15 سنة في هذا البلد فلا تزال مرتفعة، إذ تصل إلى 56 في المئة.

وفي تقرير صدر في الأسبوع الأول من شهر تموز/ يوليو 2011، سجل المركز المغربي لحقوق الإنسان، استمرار ملف الاعتقال السياسي في المغرب، واعتقال ومقاضاة مدير جريدة "المساء" الصحافي رشيد نيني، وتعرُض تظاهرات "حركة 20 فبراير" في الكثير من المدن المغربية إلى المنع والتعنيف من قبل قوات الأمن. ودعا المركز الحكومة إلى اتخاذ تدابير استعجالية من أجل إلغاء نظام الامتيازات، وتفكيك شبكة "اللوبيات" المستفيدة من اقتصاد الريع.

وأكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في تقريرها السنوي الصادر في 12 تموز/ يوليو 2011، أن التقييم العام لوضعية حقوق الإنسان في المغرب يظهر بجلاء أن المغرب لا يزال بعيدا عن مقومات دولة الحق والقانون.

وفي يوم 20 من شباط/ فبراير 2011، اختارت قوى شبابية مستقلة، ومعها بعض الهيئات الشبابية السياسية والإسلامية المعارضة، إطلاق حركتها للمطالبة بتغيير عميق في المغرب. وأقرت تاريخ (20 فبراير) عنوانا لها، وعرّفت نفسها بأنها حركة شبابية مستقلة وشعبية وعفوية، ليست حزبا أو مؤسسة سياسية، وهي مفتوحة لكل القوى الوطنية التي توافقها على مطالبها الأساسية. ومن أبرز مطالب الحركة: حل الحكومة والبرلمان، وإنشاء جمعية تأسيسية لدستور ديمقراطي جديد، وإقرار ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، ومحاسبة المفسدين، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والتوزيع العادل للثروة الوطنية، وإقرار اللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد إلى جانب العربية.

أما الهيئات السياسية والتنظيمات الإسلامية والحقوقية الفاعلة في الحركة، فهي على التوالي:

الحزب الاشتراكي الموحد، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وحزب الأمة (محظور)، وجماعة العدل والإحسان (تنظيم إسلامي محظور)، وحزب النهج الديمقراطي، وجمعيات حقوقية ومدنية. وقد التحقت بتظاهرات الحركة -في وقت لاحق- قطاعات من تنظيمات شبابية، ومجموعات من التيار السلفي.

ومنذ انطلاقها إلى اليوم، لا تزال "حركة 20 فبراير" نشطة في تنظيم احتجاجات شعبية في مناطق متفرقة من المغرب، واجهتها السلطات المغربية باعتقالات وأحكام بالسجن وعنف شديد من قبل قوى الأمن، خلّف جرحى في صفوف المتظاهرين (تتهم بعض المصادر قوى الأمن بقتل تسعة أشخاص)، إضافة إلى تسخير "البلطجية" للقيام بأعمال عنف واعتداء على ناشطي الحركة والمتظاهرين السلميين، وتهديد أسرهم بالانتقام.

ورفعت التظاهرات الشعبية شعارات تجسد مطالب "20 فبراير" السياسية والاجتماعية والثقافية، كما رفع المتظاهرون في عدة مدن الأعلام الفلسطينية، وهو ما فسره محللون بكونه رسالة تؤكد تضامن الشعب المغربي مع القضية الفلسطينية، ردا على ما اعتبروه مواقف سلبية من الملك محمد السادس، حاول من خلالها عزل المغرب عن عمقه العربي والإسلامي.