العنوان هنا
تقدير موقف 23 سبتمبر ، 2013

هل تعيد الاحتجاجات المناوئة للانقلاب النظر في الخريطة الانتقاليّة في مصر؟

الكلمات المفتاحية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

منذ إطاحة الرئيس المنتخب محمد مرسي قبل أكثر من شهرين، شهدت مصر سلسلةً من الإجراءات التي عطّلت مسار التحوّل الديمقراطي فيها. وبينما تتّجه الأوضاع اليوم إلى استقرارٍ نسبي، يبرز تساؤلٌ بشأن قدرة الاحتجاجات المناوئة لانقلاب 3 يوليو بقيادة تحالف دعم الشرعية وفي مركزه جماعة الإخوان المسلمين، على تغيير مسار الخريطة الانتقالية أو التأثير فيها، والتي أقرّها الجيش في ظلّ عودة النهج الأمنيّ الذي كان متّبعًا أيام نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.


الإقصاء والتهميش عنوانَا المرحلة الجديدة

قام الأداء السياسي للنظام الجديد على الإقصاء، كما كان الإقصاء أيضًا من سمات عهد الرئيس محمد مرسي. ولكن، في حين ارتكزت سياسة نظام مرسي على "الشرعيّة" المحدّدة دستوريًّا وفق معايير واضحة وبفترة زمنية يحدّدها الدستور والعمل المؤسسي، فقد استند النظام الجديد إلى ما يوصف بـ "الإرادة الشعبيّة"؛ وهو تعبير ضبابيّ يسوِّغ للسلطات العمل ضدَّ الشعب باسم الشعب من دون رادع أو ضوابطَ مؤسّسية.

لقد كان أوّل مؤشّرٍ على سياسة الإقصاء التي ينتهجها النظام الجديد، هو الإعلان الدستوريّ الذي أصدره الرئيس المؤقّت عدلي منصور في 8 تموز / يوليو الماضي؛ إذ جرى الإعلان عنه دون التشاور مع القوى السياسيّة والثوريّة. وجرى من خلاله منح الرئيس صلاحيات مطلقة، مدّعيًا أنّ هذه القواعد مؤقتة لحين صدور الدستور الجديد والاستفتاء عليه. والمفارقة أنّ هذا الإعلان يكاد يكون متطابقًا مع الذي أصدره الرئيس مرسي في تشرين الثاني / نوفمبر 2012 من حيث الطريقة والمضمون والحجّة. وقد سبَّب - آنذاك - أزمةً كبيرة؛ إذ اعترضت عليه أغلب القوى السياسية، وكان سببًا أيضًا لانعدام الثقة بين مؤسّسة الرئاسة ومعارضيها[1].

لقد بيّنت الأسابيع التالية لانقلاب 3 يوليو أنَّ النهج الإقصائي (ويفترض أنَّ ملايين المصريّين قد ثاروا ضدّه في 30 يونيو)، قد استمرّ بصورةٍ أقسى مع إطاحة الرئيس المنتخب؛ فقد جرى تشكيل لجنة العشرة المخوّلة بصوغ مسودة دستورٍ للبلاد من دون توافقٍ وطني، ولا مراعاة لنتائج خمسة استحقاقاتٍ انتخابيّة سابقة. ثمّ شُكّلت الجمعية العموميّة المكوّنة من خمسين عضوًا - المخوّلة بالتصويت على الدستور قبل عرضه للاستفتاء - بالتعيين الذي أقصى جماعة الإخوان المسلمين وأغلب القوى الثوريّة، بل لوحظ أنّ الجمعية قد ضمّت إليها شخصيات محسوبة على نظام مبارك، لذلك كان من الطبيعي أن لا تتضمّن الديباجة أيّ إشارة لثورة 25 يناير.

وليس من الصعب أن يلاحظ المراقب أنَّ مؤسّسات الدولة العميقة (وبخاصّة الجيش، والأمن، والقضاء) قد استغلّت الالتفاف الشعبي حولها؛ لتتمسّك بمؤسّسة الدولة ضدّ حكم الإخوان من أجل تحصين مواقعها وتعزيز مكتسباتها التي كادت ثورة 25 يناير أن تطيح بها، بدءًا من تجاهل دعوات التسوية السياسية والحوار مع جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها وذهابها إلى فرض الحلّ الأمنيّ الدموي، وانتهاءً بإصدار الرئيس المؤقت عدلي منصور في 28 آب / أغسطس الماضي القرار الذي بموجبه حُذفت عبارة "الانصياع لأوامر رئيس الجمهورية" في يمين الطاعة والولاء الجديد الذي يُلزَم بأدائه ضبّاط القوّات المسلّحة عند بدء تعيينهم بعد تخرّجهم، والاكتفاء بطاعة الأوامر العسكرية، وتنفيذ أوامر قيادات القوّات المسلّحة، الأمر الذي يشرّع لفصل المؤسّسة العسكريّة بصورةٍ كلّية عن جهاز الدولة التنفيذي[2]، ويؤسّس بطريقةٍ قانونيّة لازدواجيّة السلطة داخل جهاز الدولة.

وعلى صعيدٍ آخر، سقطت كليًّا في أوّل عهد النظام الجديد "أسطورة" استقلاليّة القضاء المصري؛ إذ صدر حكمٌ قضائيّ بإغلاق مكاتب فضائيّاتٍ إخباريّة مناوئة للانقلاب العسكري أبرزُها مكتب قناة الجزيرة، وأُحيلت بلاغات عديدة ضدَّ قيادات سياسيّة وناشطين سياسيين من خارج صفوف الإخوان وُجّهت لهم تهمٌ تراوحت بين التمويل غير المشروع والتخابر مع جهاتٍ أجنبية، والتهمة الأخيرة هي التي اتُّخذت ذريعةً لسجن الرئيس مرسي.

ولكن، كلّ ذلك لا يكاد يُذكر أمام قسوة الواقع، فقد اتّبع النظام الجديد نهج إرهابِ معارضيه؛ فإذا تظاهروا قُتلوا أو اعتُقلوا، وإذا عارضوه لوحقوا إمّا عبر القنوات القضائيّة، أو عبر التشويه والاتّهام بالإرهاب والخيانة عبر وسائل الإعلام التي أصبحت منذ الانقلاب تخصِّص وقتًا لبثِّ الأغاني التي تمجّد الجيش والدولة في سياقٍ لا يذكّر إلا بسلوك فاشيّات القرن الماضي[3]. وكأنّ هناك محاولة تجري لتكوين دينٍ جديد هو دين عبادة الجيش.

ولم تتوقّف السياسة الأمنيّة التي فاقت بمراحلَ سياسات وزارة الداخليّة في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك عن القتل، بل طاولت ذلك إلى حملة اعتقالاتٍ واسعة لقياداتٍ سياسية وللآلاف من المعارضين على مختلف خلفياتهم السياسية؛ وكان آخرها إدانة محكمة عسكرية بتاريخ 3 أيلول / سبتمبر 2013، 52 متّهمًا بعقوباتٍ تراوحت بين خمس سنوات والمؤبّد[4]؛ إضافةً إلى التحريض من خلال وسائل الإعلام على كلّ معارضي نظام الحكم الجديد، بمن فيهم من أيّد عزل محمد مرسي ولم يؤيّد الإقصاء ضدّ الإخوان المسلمين، ومنهم رموزٌ شبابيّة لثورة 25 يناير، بصورةٍ أوحت بأنّ نظام مبارك لم يفلت من المحاسبة فحسب، بل عاد أيضًا إلى الحكم مجدّدًا.

مع ذلك، ينبغي القول إنّ هذه الإجراءات ما كانت لتتمّ أو تمرّ لولا التأييد الشعبي الذي تلقّته مؤسّسات الدولة بعد مرحلةٍ طويلة نسبيًّا من الفوضى دفعت الناس إلى المطالبة باستعادة "هيبة الدولة"، والدور الذي قامت به الصورة السلبيّة التي طبعتها وسائل الإعلام والمرحلة السابقة في أذهان الرأي العامّ المصري ضدّ جماعة الإخوان لتصبح وكأنّها "شعبٌ" آخر لا ضرر من استحلال دماء أبنائها.


العلاج بالصدمة: إستراتيجية النظام الأمنيّة في التعامل مع المعارضة

ربّما لم يأخذ البعض بيان المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي في 25 آذار / مارس 2012 على محمل الجدّ، حينما نبّه الإخوان المسلمين إلى أن يعُوا "دروس التاريخ، لتجنّب تكرار أخطاء ماضٍ لا نريد له أن يعود"[5]، وقد كان الرأي السائد آنذاك هو أنّ ثورة 25 يناير فتحت عهدًا جديدًا لا يمكن فيه للعسكر أن يتصرّف بمنطق الخمسينيّات. ولكن المشهد المصريّ اليوم أثبت أنّه يمكن للزمن أن يعود إلى الوراء إن هيّأت له الظروف ذلك.

 لقد نجحت المؤسّسات الأمنيّة في ضبط الأمن وفرض حظر التجوّل الذي أُعلن منذ 14 آب / أغسطس في المناطق التي تحضر فيها الدولة بصورةٍ مكثّفة، وبالأخصّ في مراكز مدن القاهرة، والسويس، وبورسعيد[6].

ويظهر لنا من خلال المتابعة الميدانيّة لما حصل منذ فضّ اعتصامَي رابعة العدوية وميدان النهضة، أنّ مستوى العنف الذي استخدمته القوى الأمنيّة ضدّ الحشود المعتصمة قد قاد إلى منع إعادة إنتاج اعتصامٍ بديل في القاهرة لأسبابٍ يمكن إجمالها في ما يلي:

أوّلًا: استغلال الصدمة التي تعرّضت لها جماعة الإخوان المسلمين، واعتقال أغلب قيادات الصفِّ الأوّل والثاني، لتقطع بذلك خطوط التواصل بين القيادة والقاعدة. وقد كان ذلك حاسمًا في ظلّ عمل الجماعة التي تتسلسل قراراتها بصورةٍ هرميّة (من رأس الهرم إلى قاعدته)، لا بصورةٍ شبكيّة مثل القوى الثوريّة الأخرى.

ثانيًا: اعتقال عددٍ كبير من القيادات الميدانيّة التي تتولّى توجيه التظاهرات، ونظرًا لأنّ أغلب متظاهري الإخوان المسلمين هم من المحافظات الأخرى، وليس لديهم الخبرة الكافية بدهاليز مدينة القاهرة، فقد كان لاعتقال الموجّهين الميدانيين أثرٌ حاسمٌ في بعثرة التظاهرات، واصطيادها بمساعدة الكمائن الأمنيّة، وذهابها في أحيانٍ كثيرة في طرقٍ خاطئة اصطدمت بأهالي الأحياء العشوائية التي تُعدّ مورّدًا أساسيًّا للبلطجيّة. ومن الجدير بالذكر أيضًا أنَّ جماعة الإخوان فقدت على مدار المرحلة الانتقاليّة عددًا من أعضائها من النشطاء الميدانيين القاهريّين الذين ساهموا في قيادة تظاهرات 25 يناير، وكانوا أخبر من غيرهم بإدارة التظاهرات، وقد انسلخ هؤلاء تدريجيًّا عن الجماعة وانضمّوا إلى أحزابٍ مختلفة أهمّها "حزب مصر القويّة" بقيادة عبد المنعم أبو الفتوح، و"التيار المصري"، وغيرهما.

ثالثًا: كانت قوّات الأمن قبل فضِّ الاعتصامات قد حاصرت مؤيّدي الرئيس المعزول في ميدانَي رابعة العدوية والنهضة، ومنعت بالقوّة المميتة تمدّدهم إلى ميادينَ أخرى مثل اعتصام ميدان رمسيس الذي قَتلت في سبيل فضّه في 15 تموز / يوليو الماضي عددًا من المتظاهرين، وبعد فضّ اعتصامَي رابعة والنهضة وجّهت قوّات الأمن الرصاص الحيّ نحو المتظاهرين الذين حاولوا التوجّه إلى مرافقَ حيويّة مثل جسر 6 أكتوبر. كما ارتكبت مجازر في سبيل فضّ "اعتصاماتٍ بديلة" في ميدان مصطفى محمود في الجيزة، وميدان رمسيس حيث قُتل وأصيب مئات المتظاهرين، وهرب مئاتٌ آخرون وتحصّنوا بمسجد الفتح الذي شهد أزمته الشهيرة.

رابعًا: بالنسبة إلى مدن القناة، فقد كان للجيش دورٌ حاسم في تثبيت حالة حظر التجوّل، متعلّمًا من تجربة خروج أهالي مدينة بورسعيد عقب قضيّة أحكام "استاد" المدينة الشهيرة في نهاية كانون الثاني / يناير 2013. وعلى الأغلب أنّ الجيش الذي انتشر في مدن القناة منذ 30 حزيران / يونيو، كان مدركًا إمكانيّة تكرار التجربة، فاشتبك في مدينة السويس - ولأوّل مرة - مع المتظاهرين، واعتقل العشرات منهم، ثمَّ قدّمهم إلى محكمة عسكريّة أصدرت بحقّهم الأحكام القاسية التي سبق ذكرها.

خامسًا: كان لاستخدام القمع إلى درجة القتل، وارتكاب المجازر والأحكام الطويلة بالسجن، دورٌ رئيس. ومع ذلك لا يمكن تصوّر نجاح العملية الأمنيّة في المراكز المدينية لولا العزل الشعبي الذي تعرّضت له جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها بسبب أدائها في المرحلة الانتقاليّة، وفي عهد الرئيس المعزول، وبسبب التشويه من وسائل الإعلام، بحيث أصبح يُنظر إليها وإلى أنصارها على أنّها مجتمع معزول بحدِّ ذاته أشبه بالطائفة[7]. وقد عُبِّر عن ذلك في الفترة التي أعقبت 14 آب / أغسطس بتجاوب المواطنين مع دعوات تشكيل "لجانٍ شعبية" لحماية الممتلكات الخاصّة. وعلى الرغم من أنَّ التظاهرات لم تتخلّ - إجمالًا - عن طابعها السلمي على عكس ما دأبت وسائل الإعلام ترويجه، فقد رصدت شهادات الصحفيين اعتداءاتٍ كثيرةً قامت بها اللجان الشعبيّة ومواطنون ضدّ التظاهرات.

لقد أدّت الممارسات الأمنيّة، وشيوع مناخٍ شعبي داعم للنظام الجديد إلى الحدّ من التظاهرات التي خرجت ضدّ الانقلاب العسكري. كما أنّ تسارع الأحداث دفع المتظاهرين إلى تغيير أهداف احتجاجاتهم؛ فبعدما كانت التظاهرات عقِب انقلاب 3 يوليو تطالب بعودة الرئيس المعزول، أصبحت بعد مجزرة رابعة العدوية تحتجّ غالبًا على القمع الدموي، وبدَا المطلب الأساس متمثّلًا بعودة الشرعيّة قد تراجع إلى الصفوف الخلفية.

ومع ذلك، لا يمكننا مقارنة الاحتجاجات المحدودة التي تخرج بصورةٍ شبه يوميّة تحت رصاص الأمن وخطر الاعتقال، بتلك التي كانت تخرج في الفترات الماضية حينما امتنع الأمن - عمدًا - عن المساس بالمتظاهرين ضدّ الرئاسة في ظلِّ خلاف جهاز الدولة الأمنيّة مع رأس النظام في مرحلة محمد مرسي، كما أنّ هناك فرقًا كبيرًا بين من يخرج وهو يعرف أنّه ذاهبٌ وحده إلى التحدّي، ومن يخرج في ظلِّ مسيرات أشبه بالاحتفالات الكرنفاليّة.


هل تقود الاحتجاجات المناوئة للانقلاب إلى إعادة النظر في الخريطة الانتقاليّة؟

ليس واضحًا حتّى هذه اللحظة إلى أين تقودنا المسيرة السياسية - الأمنيّة التي ينتهجها النظام الجديد؛ فمن ناحية، ما زال النظام يرى أنّه بالإمكان الذهاب في مسيرة الإقصاء إلى نهايتها، وأنّه لم يفقد بعد الدعم الشعبي الذي فاز به في 30 يونيو، والذي مكّنه من التغوّل الأمنيّ من جديد في الفضاء السياسي العمومي؛ ومن ناحيةٍ أخرى، لم يترك النظام للقوى السياسية المنضوية في "التحالف الوطني لدعم الشرعيّة" بقيادة الإخوان المسلمين أيّ فرصةٍ للقبول بشراكةٍ سياسية جديدة، بخاصّة بعد الدماء التي سالت والطريقة المهينة التي عُزل بها الرئيس محمد مرسي عن الحكم. لذلك، من المؤكّد أنّه لن تكون هناك فرصةٌ لإعادة الوحدة الوطنية على المدى المنظور. وفي ضوء هذه المعطيات، يمكن تحديد ثلاثة احتمالات قد تؤول إليها الأمور:

أوّلًا: أن تنتقل الممارسات الأمنيّة لقمع المعارضين إلى المحافظات الأخرى، بعد النجاح النسبي في تهدئة مدينة القاهرة، كما حصل في قريتي كرداسة وجنوب في محافظة الجيزة، وفي قرية دلجا في محافظة المنيا حيث مارست أجهزة الأمن سياسة العقاب الجماعي. ولا يُستبعد أن يجري في مرحلةٍ لاحقة بدء ملاحقة نشطاء القوى الثوريّة الذين شاركوا في ثورة 25 يناير، بخاصّة في ظلّ الهجوم الذي تعرّضوا إليه في وسائل الإعلام، وفي ظلّ هيمنة السلطة الجديدة على جهاز القضاء ونيابته العامّة. وعلى الأغلب، أن يدفع إقصاء الإخوان المسلمين على أقلّ تقدير، إلى مقاطعة مؤسّسات الدولة في المنظور القريب. وعلى أكثر تقدير، قد يدفع بعض عناصرها (أو على الأقلّ جزءًا غير منظّم من قواعدها) للانشقاق وإعلان العنف المسلّح ضدّ الدولة.

ثانيًا: أن تستمرّ الاحتجاجات التي يقودها "التحالف الوطني لدعم الشرعيّة" بقيادة جماعة الإخوان المسلمين، وإن بصورةٍ محدودة. ومع أنّه كان من اللافت في الشهرين الماضيين انضمام فئاتٍ جديدة إلى الاحتجاج كان سببه تصاعد قدرة مناصري الإخوان على إنتاج شعارات إبداعيّة تستهدف جميع شرائح المجتمع المصريّ (مثل إشارة رابعة العدوية التي جرى تعميمها في شكل "لوغو" على مستوى البلاد العربيّة)، وهو ما يوحي بأنّ الجماعة تتعلّم في محنتها هذه الاحتجاج من جديد. إلا أنَّ النسق العامّ للاحتجاج ما زال عاجزًا عن إنتاج خطابٍ يجمع كلَّ المصريين، بخاصّة مع تركّز أغلب التظاهرات في الريف أو في الأحزمة الريفيّة للمدن المصريّة[8]، على الرغم من أنّها عادت مؤخرًا إلى وسائل الإعلام الاجتماعي، إذ انتشرت في الأيام السابقة دعواتٌ لرفض دفع الضرائب وفواتير المياه والكهرباء، وسحب الأموال من البنوك المصريّة، وهو أسلوب كان قد أثبت محدوديته سابقًا. كما حصلت محاولات، وإن لم تنجح، لشلّ حركة المترو الذي ينقل الملايين من المواطنين يوميًّا؛ لأنّها وضعت المحتجّين في مواجهة عموم المواطنين الأكثر تضرّرًا من هذه الخطوة.

ثالثًا: أن يسارع النظام الجديد إلى إقرار الدستور الجديد، ثمّ الاستفتاء عليه مستغلًّا بذلك الدعم الشعبي لانتزاع الشرعية الديمقراطية من الهيئات المنتخبة سابقًا، ويوفّر ذلك للنظام الجديد فرصة نزع "الشرعية الانتخابية" من جماعة الإخوان المسلمين ومناصريها. وفي ضوء نتائج الاستفتاء، سوف تتبيّن معالم الفاعلين السياسيين في الخريطة الانتقالية التي سيقوم فيها الجيش بدورٍ مركزي على مستوى تفضيلات مرشّحي الرئاسة.

جميع هذه الاحتمالات ترسم طريقًا غير مستقرّ لمستقبل مصر وحياتِها السياسية، إذ إنّه من دون تسوية مقبولة لجميع الأطراف، ومع محاولة تكريس معادلة غالبٍ ومغلوب بين أبناء الوطن الواحد، ومن دون مصالحة تاريخية بين المعسكر الإسلامي والمعسكر العلماني، من المستبعد أن يتمكّن المصريون من تحقيق الاستقرار السياسي المطلوب لانطلاق عملية التنمية وبلوغ النتائج التي ينشدها أبناء البلد الواحد.


[1] وقد استنكر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعيّة في بيانٍ له، أن تكون البنود الواردة في الإعلان متراجعةً من ناحية ضمانات حماية حقوق الأفراد وحرياتهم عن تلك التي وردت في دستور عام 2012، ومنها عدم النصّ على حريّة الفكر، وتقييد حريّة الإعلام، وتقييد إنشاء الأحزاب والجمعيّات والمؤسسات، وقدرة النظام على حلّ الجمعيات والمؤسسات والاتحادات والنقابات دون العودة إلى القضاء، وإلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات، والبند الأخير قد يشكّك في نزاهة الانتخابات القادمة. لمراجعة بيان المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، انظر:

http://goo.gl/3i3pJ

[2] بعد أن جرى تشريع فصلها على الصعيد الاقتصادي في دستور عام 2012 بتحصين ميزانيتها من الرقابة، وكان ذلك في إطار تسوية بين الرئاسة المصريّة آنذاك والمؤسسة العسكرية مقابل انسحاب الجيش من السياسة، وكما يتّضح الآن فإنّ الجيش فاز بكلتا الحسنيين: امتيازات دستور 2012، وامتيازات تشريعات 2013.

[3] بعد أكثر من شهرين مرّا على عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، شهدت البلاد موجةً غير مسبوقة من عمليّات القتل خارج إطار القانون تراوحت بين الاغتيال والإعدام الجماعي والكمائن المسلّحة؛ فقد وثّق موقع "ويكي ثورة" بالتفصيل مقتل أكثر من 1800 مواطن في 24 محافظة، سقط أكثر من ثلثيهم في 14 آب / أغسطس، وهو اليوم الذي شهد فضّ اعتصامَي رابعة العدوية وميدان النهضة، لتشمل قائمة الضحايا أطبّاء ومسعفين وصحفيين وطلبة، ولتتسرّب إلى وسائل الإعلام مقاطع مرئيّة يقتل فيها رجال الأمن المتظاهرين السلميين بدمٍ بارد، وأحيانًا وهم تحت الأسر.

[4] ومن المعلوم أنّ إلغاء المحاكم العسكريّة كان من أبرز مطالب ثورة 25 يناير.

[5] صحيفة الشروق [المصريّة]، العسكري مُهدّدًا (إحدى القوى السياسية): نطالب الجميع أن يعوا دروس التاريخ، (25 آذار/ مارس 2012)،

http://shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=25032012&id=4c513ba8-8c82-450d-9dfe-5ac41b3c841d

[6] وقد أثبت سلوك الأمن في الأسابيع الماضية أنّه كان بمقدوره حفظ الأمن وحماية الممتلكات العامّة والخاصّة لو رغب في ذلك سابقًا، أو بالأحرى لو توافق مع رأس المؤسّسة السياسية. ولكن، ما يحدث اليوم يثبت بما لا يدعو مجالًا للشكّ أنّ حالة الفوضى التي انزلقت إليها البلاد كانت على الأقلّ بتواطؤٍ مع المؤسسة الأمنيّة.

[7] للمزيد بخصوص هذه النقطة راجع: عزمي بشارة، "الثورة ضدّ الثورة والشارع ضدّ الشعب، والثورة المضادّة"، سياسات عربية (الدوحة، بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)، العدد الرابع، أيلول / سبتمبر 2013. على الرابط التالي:

http://www.dohainstitute.org/home/GoToPage/5d045bf3-2df9-46cf-90a0-

[8] وينطبق هذا أيضًا على مدينة الإسكندريّة التي تعود أصول المتظاهرين فيها إلى الوجه القبلي لا البحري.