العنوان هنا
مقالات 16 مايو ، 2011

انضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي: إعادة تموضع إقليمي إستراتيجي

الكلمات المفتاحية

لم يكن ترحيب بيان القمّة التشاورية الختامي لمجلس التعاون الخليجي بطلب الأردن الانضمام لمجلس التعاون مفاجئاً، إلاّ أنّ ذلك لا ينطبق على قرار المجلس بشأن دعوة المغرب إلى الانضمام له. وإذا كانت الجغرافيا والجغرافيا السياسية سببيْن كافييْن لتسويغ قبول طلب الأردن الانضمام للمجلس، فإنّ منظور الجغرافيا السياسية هو الذّريعة الوحيدة لدعوة المغرب إلى الانضمام للتكتّل الخليجي. غير أنّ الجغرافيا والجغرافيا السياسية ليستا وحدهما العامليْن المحدّدين، ولاسيّما بالنسبة إلى مجلس التعاون الخليجي.

ويبدو توجيه مجلس التعاون الخليجي دعوة للأردن لاستكمال الإجراءات الخاصّة بانضمامه للمجلس مناسباً للطّرفين اللّذيْن لهما مصالح  مشتركة راسخة في بناء تلك الشّراكة. فقد عمل الأردن خلال السّنوات الإحدى عشرة الماضية خلف السّتار ليُقنع دول الخليج ودولاً أخرى مؤثّرة في سعيه لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي. وتأرجحت هذه المساعي صعوداً وهبوطاً نتيجة الأحداث الإقليمية. ويعود تأخّر منح الضّوء الأخضر لانضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي في جانب منه إلى الصّدع الذي أصاب الصفّ العربي إبان اجتياح العراق للكويت، وما تلاه من "سياسات انتقاميّة". وبسبب تقارب مواقف الأردن السّياسية مع المواقف السّياسية السّعودية أثناء العقد الأخير، تحسّنت فرص ردم الهوّة التي تفصل الأردن عن الدول الخليجية الأخرى، إلاّ أنّ ذلك لم يكن كافياً لجعل مجلس التعاون الخليجي يقبل بعضوية الأردن. في المقابل، أتاحت الثورات في المنطقة العربية، فرصة مناسبة للترحيب بعضوية الأردن في مجلس التعاون.

ويمثّل انضمام الأردن إلى دول مجلس التعاون الخليجي فرصةً كبيرة لتحقيق أمن واستقرار دولة تواجه عجزًا قياسياً في ميزانيتها وارتفاعاً في الدّيْن الخارجي، وتشهد تضاعفا في معدّلات البطالة، كما تعاني من جيوب فقر مدْقع بين فئات من المجتمع، إضافة إلى كونها محاطةً بدول تعيش اضطرابات مثلما هي الحال في كلّ من فلسطين وسوريا والعراق. من ناحية أخرى، تشكّل إسرائيل تهديدًا خطيرًا غير مُعْلن، ولكن لا لبس بشأنه بالنسبة إلى الأردن، وأبرز عناصر هذا الخطر يكمن في "سياسة الترانسفير" (الترحيل) التي تسعى إلى دفع أكبر عدد ممكن من الفلسطينيّين إلى الفرار من الاحتلال وهروبهم إلى بلدان أخرى ولاسيّما باتجاه الأردن المجاور بسبب ضنك العيش الناتج عن سياسات الاحتلال. صحيح أنّ الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي لن يقضيَ على جميع هذه المشاكل، إلاّ أنّه قد يُساهم في حلّ بعضها.

أمّا بالنّسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، فقد أثبت الأردن أنّه شريك يُعوَّل عليه في تأمين حدود  المملكة العربية السعودية الشماليّة، وبالتالي، قدّم مساهمة في تحقيق الأهداف الأمنيّة للدّول الخليجية الأخرى، ولاسيّما في ما يتعلّق بمراقبته الفعّالة لتهريب المخدّرات نحو هذه الدول. ولكن، لا يبدو هذا العامل حاسما في قرار مجلس التعاون الخليجي؛ لأنه لو كان كافياً لانضمّ الأردن إلى المجلس منذ أمدٍ طويل.

لكن العامل الأهمّ هو شعور الممالك في المنطقة بوهج حرارة الثّورات العربيّة، فوجدت نفسها في موقع التّدخّل لإنقاذ الدول الأخرى ذات أنظمة الحكم الشبيهة والحفاظ عليها. ويفسّر هذا التوجّه سلوك المملكة السّعودية التي تحدَّتْ "نصيحة"   حلفائها الغربيّين، وقادت دول مجلس التّعاون الخليجي إلى إرسال قوّة "درع الجزيرة" لضمان الاستقرار في مملكة البحرين. وأتبعت ذلك بمنْح البحرين مساعدة قيمتُها 10 مليارات دولار أميركي، كما تعهّدت بمبلغ مماثل لسلطنة عُمان، العضو الآخر في مجلس التّعاون الخليجي، الذي تعرّض لهزّة سياسيّة تحت وطأة الاحتجاجات الشّعبية الدّاخلية. ونتيجة لعمليّة إعادة التّموضع الاستراتيجي التي جاءت أساساً رداًّ على التغيّرات الإقليميّة والمحليّة، وجد مجلس التّعاون الخليجي نفسه مضطراً لإعادة تشكيل نفسه كنادٍ يضيف إلى قائمة أعضائه المملكتَيْن المتبقيّتيْن في العالم العربي: الأردن والمغرب.وهما البلَدان اللّذان كانا قد باشرا رسمياً عمليّات الإصلاح السّياسي، إلاّ أنّ ذلك لم يُسفرْ عن تغيير جوهري في بُنى السّلطة القائمة. وعند مراجعة تاريخ "مشاريع إصلاحيّة" سابقة، يبدو نجاح مبادرات الإصلاح الحاليّة في تحقيق تغيير مهمّ في السلطة السياسيّة القائمة أمرًا غير متوقّع. ويبدو تخلّي العائلات الملكيّة عن السّلطة، أو عن بعض منها، لصالح حكومات منتخَبة كلياً أو جزئياً في المغرب والأردن، نتيجة لا تستطيع دول مجلس التّعاون الخليجي تقبّلها، ولاسيّما أنّ لهذه الإصلاحات أثرا قد يتحدّى أسس الحكم وبُناه التي طالما حرصت دول مجلس التّعاون على الحفاظ عليها.

ولم يستبعدْ المحلّلون احتمال أن يكون الإصلاح السّياسي هو ضحيّة ممكنة لتحقيق الازدهار الاقتصادي الموعود نتيجة انضمام المملكة إلى دول مجلس التعاون الخليجي. ومن السّابق لأوانه معرفة ما إذا كان هذا الاحتمال واقعا، ولكن، من السّابق لأوانه استبعاد ذلك أيضا. والأكيد أنّ الحركات الدّيمقراطية النّاشئة حديثاً والسّاعية إلى تحقيق الدّيمقراطية في أنحاء العالم العربي ستظلّ يَقِظةً، و قد تكون أكثر حدّةً في انتقادها أيّ تراجع عن مسار الإصلاحات قد تُقْدم عليه أيّ دولة، ملَكيّة كانت أم جمهوريّة. وقد يتحوّل هذا النّوع من "الرّقابة" إلى قوّة رئيسة في السّنوات المقبلة، ولاسيّما مع التّعزيز الحالي للرّوح الدّيمقراطية العروبيّة واكتسابها زخماً كافيًا يؤهّلها للتأثير في البنى السّياسيّة الدّاخليّة في جميع الدّول، بغضّ النّظر عن مواقف حكّامها.

على صعيد آخر، تتيح القواسم المشترَكة بين النّظاميْن الأردني والمغربي وأنظمة دول مجلس التّعاون الخليجي تشكيل تكتّل موسّع مؤلّف من ثماني دول، ما يمثّل قوّةً لا يُستهان بها، سواء داخل الجامعة العربيّة أو مقابل الدّول العربيّة الأخرى وهي جمهوريّات ما بعد الثّورات، والتي من المرجّح أن تحرز تقدّمًا كبيرًا في مسارها باتّجاه الدّيمقراطيّات الفاعلة. وفي هذه الحال، قد تنظر الملكيّات إلى تلك الجمهوريات على أنّها "تهديد" من خلال تقديمها نموذجاً بديلاً، وتصبح تحدّياً مشتركًا يفرض على أعضاء مجلس التّعاون الخليجي، القدامى والجدد، التّعامل معه في المستقبل المنظور. ولهذا السّبب، قد يبرز التّوتّر والصّراع بين الكتلتيْن؛ وهو أمر قد يؤدّي إلى حرب عربيّة باردة جديدة بين ممالكَ تتفاوت درجات اللّيبراليّة والاستبداد فيها،  وجمهوريّات تتفاوت فيها مستويات الأداء الدّيمقراطي.