باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومدير تحرير دورية عمران. عمل سابقًا مساعدًا أكاديميًّا في جامعة بيرزيت، التي نال منها شهادة الماجستير في الدراسات العربيّة المعاصرة. حاصل على شهادة الدكتوراه في التنمية الدولية من جامعة أكسفورد في بريطانيا. تتركز اهتماماته البحثية على الحركات الاحتجاجية، والسوسيولوجيا التاريخية، وسوسيولوجيا المكان، وسياسات الريف، والسوسيولوجيا الحضرية والنظرية السياسية. صدر له كتاب عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر بعنوان "تحولات مفهوم القومية العربية: من المادي إلى المتخيل".
مقدمة
لم يكن لقرار الفضّ الدمويّ لاعتصاميّ رابعة العدويّة وميدان النهضة في 14 آب/ أغسطس 2013 نتائج وخيمة على العمليّة السياسيّة في مصر فحسب، بل دلّت شواهد عديدة أيضًا على أنّ استخدام القبضة الأمنية المفرطة فتح إمكانيّة دخول البلاد في حالةٍ من الاضطرابات الأهليّة التي قد تأخذ طابعًا قبليًا أو جهويًا أو دينيًا متشددًا. فقد حصر موقع "ويكي ثورة" خلال شهرٍ واحدٍ من أحداث فضّ الاعتصامين وتوابعهما أكثر من 295 واقعة اشتباك؛ تنوعت ما بين اشتباكات بين الأهالي، وأخرى مع الأمن والجيش، وهجمات مسلحة على المنشآت، وفض اعتصام بالقوة، واشتباكات طائفية، وعمليات اغتيال وقتل خارج إطار القانون.
وقد برزت في ذلك الوقت مذبحة قسم شرطة في بلدة كرداسة الواقعة جنوب محافظة الجيزة؛ إذ هاجم مجموعة من المسلحين الملثمين بالرصاص الحيّ والقذائف الصاروخية "الآر بي جي" ذلك القسم، وقتلوا ثلاثة عشر عنصرًا من ضُبّاط الشرطة، انتقامًا على ما يبدو من فضّ اعتصاميّ رابعة العدوية والنهضة اللذين كان عددٌ من سُكّان البلدة ونواحيها من بين ضحاياهما. لم تكن هذه الحادثة هي الوحيدة في مصر؛ فقد حصر موقع "ويكي ثورة" 68 حادثًا مشابهًا في مختلف المحافظات انتقم فيها الأهالي من مؤسسات الدولة بسبب سقوط ضحايا لهم برصاص الأمن. ولكنّ دموية هذه الواقعة والتوظيف الإعلامي الذي تبعها هو ميّزها، مما أدى إلى فرض شكلٍ من العقاب الجماعي على أهل القرية.
تحاول هذه الورقة دراسة الأسباب التي ميّزت كرداسة عن غيرها من البلدات والمدن الصغيرة المصريّة التي كانت حتى فترة قريبة – نسبيًا - عبارة عن قرى؛ محاولة قراءة الخلفية الاجتماعيّة والتاريخيّة للتضامن الأهلي فيها ومظاهره وتجلياته قبل الانقلاب العسكري في 3 تموز/ يوليو 2013 وبعده، ثمّ اتخاذها نموذجًا لدراسة سياسة القوى الأمنية المصريّة في التعامل مع الريف المصري.
