العنوان هنا
مقالات 27 أبريل ، 2011

في استقالة وزير الاستخبارات الإيراني: خامنئي والدور السّياسي

الكلمات المفتاحية

محجوب الزويري

أستاذ تاريخ إيران والشرق الأوسط المعاصر في جامعة قطر. عمل الدكتور الزويري خبيرًا متخصصًا في قضايا إيران والشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، كما عمل رئيسًا لوحدة الدراسات الإيرانية في نفس المركز .وقد حصل على درجة الدكتوراه في تاريخ إيران الحديث من جامعة طهران في أيار (مايو) 2002. ومنذ آذار (مارس) 2003، عمل زميلًا باحثًا ومن ثمّ مديرًا لمركز الدراسات الإيرانية في معهد الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في جامعة درم/ بريطانيا. توسّع الدكتور الزويري في الكتابة عن إيران وقضايا الشرق الأوسط باللغات العربية والإنجليزية والفارسية. كما ساهم بمقالات عديدة في المجلات الأكاديمية الدولية. يتقن الدكتور الزويري اللغتين الإنجليزية والفارسية بالإضافة إلى اللغة العربية.

أوقف المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي قرار استبعاد وزير الاستخبارات الإيراني  حيدر مصلحي، وهو  القرار الذي أعقب استقالة قدّمها الوزير إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ووافق عليها الرئيس. غير أنّ قبول الرّئيس بقرار المرشد الأعلى لا يزال معلَّقا، حيث  أشير إلى أنّ الرئيس لم يقم بدعوة الوزير لمرافقته في زيارة قام بها إلى كردستان، وهي المنطقة التي تُعتبر مِن المحاور الأمنية التي تعتني بها السلطات الإيرانية، لا سيّما وزارة الاستخبارات.

تدخّلُ المرشد لوقف قرارات يتّخذها رئيس الجمهورية الإسلامية ليس جديدا في الحياة السياسية الإيرانية، فبغضّ النظر عن طبيعة الرئيس الذي يحكم والقوّة السياسية التي ينتمي إليها محافظة كانت أو إصلاحية، فإنّ المرشد تدَخّل في السابق لوقْف تنفيذ قرارات أو خطوات اتّخذها الرئيس المنتخب. فعلى سبيل المثال أوقف المرشد الأعلى خامنئي توصيات الرّئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي حول تعديل صلاحيات رئيس الجمهورية في إيران وإعطائه مزيداً من الصلاحيات. كما أنّ الرئيس السابق خاتمي اقترح في العام 2002 تعديلاً يطال المؤسّسات غير المنتخبة، مثل مجلس صيانة القيادة والذي يمنع عادةً صلاحيات المترشحين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في إيران أو يؤيّدها، فتدخّل المرشد علي خامنئي في صباح اليوم الذي تقرّر فيه عرض التعديلات على مجلس الشورى السادس برئاسة مهدي كروبي من أجل مناقشتها ، حيث تحدّث كروبي إلى أعضاء المجلس وأوضح لهم أنه تلقّى توجيهات من المرشد الأعلى بعدم مناقشة هذا الأمر لأنه "ليس من المصلحة". ويستخدم هذا المصطلح عادةً للتعبير عن مصلحة النظام السياسي برمّته.

وتكرّر الموقف خلال فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد الأولى، عندما تحدّث عن السّماح للنساء بحضور المباريات في الملاعب الرياضية، الأمر الذي أثار حفيظة الكثير من العلماء في إيران، فتدخّل المرشد ليُنهيَ النقاش بوقوفه إلى جانب العلماء الذين رفضوا اقتراح الرئيس نجاد. وحدث الأمر مرّةً أخرى حين قرّر نجاد في فترته الرئاسيّة الثانية تعيين صهره رحيم مشائي نائباً لرئيس الجمهورية، حيث أثار الأمر غضب دوائر المحافظين، فتدخّل المرشد بشكل حاسم واعتبر أنّ تعيين مشائي "ليس من المصلحة". وخضع الرئيس لرأي المرشد، لكنه احتفظ بمشائي مستشاراً ومديراً لمكتبه وكذا ممثّلا له في ما يتعلّق بمنطقة الشّرق الأوسط.

موقف المرشد الأخير هو استمرار لتلك المواقف التي يتدخّل فيها خامنئي لينهيَ نقاشا أو يحسم قضيّة تأخذ مساحة كبيرة من الجدل السياسي في الداخل الإيراني. ومع ذلك، فإنه من المشروع التّساؤل: هل من خصوصية لتدخّل المرشد في موضوع استقالة وزير الاستخبارات ؟

إنّ المبدأ المتّبع في اختيار وزير الاستخبارات هو أن يستشار مكتب المرشد الأعلى في إيران، ويمكن القول إنّ ترشيحات وزراء هذا المنصب تركّز على أن يكون رجلَ دين (معمّماً)، ولم يستطع حتى الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي أن يخرج عن هذه القاعدة. ومن الواضح أنّ المنصب في عمله وأدائه ليس مرتبطا بعمل الحكومة أو رئيسها (رئيس الجمهورية)، بل يتجاوز الأمر إلى النّظام برمّته. بعبارة أخرى، فإنّ وزارة الاستخبارات تُعدّ إحدى قلاع الدّفاع الأصلية عن نظام الجمهورية الإسلامية. ويبدو أنّ المرشد -ووفق الصلاحيات الممنوحة له في دستور الجمهورية الإسلامية، خاصّة المادة 110 بالمحافظة على النظام السياسي - قد أخذ بعين الاعتبار الظروف الداخلية في إيران والتطورات الإقليمية، فلم ير أنّ من المصلحة تغيير الرجل، لا سيّما أنّ تغييره سيتسبّب في بلبلة شبيهة - وربّما أكبر - من تلك التي أثارتها إقالة وزير الخارجية منوجهر متكي قبل بضعة أشهر.

إنّ تدخّل المرشد الأعلى للثورة في إيران يلقي الضّوء مجدّدا على مسألة المرجعية الدينية للنظام السّياسي المتمثّلة في ولاية الفقيه والذي - بحسب النظام السياسي الإيراني - يشكّل مرجعية دينية وسياسيّة معًا للحكومة الإيرانية بكلّ أذرعها، وهي المسألة التي أخذت تطرح بشكل متزايد من قبل التيّار الإصلاحي لا سيّما بعد الانتخابات الرّئاسية العاشرة في حزيران/ يونيو 2009.