العنوان هنا
تقييم حالة 19 يناير ، 2020

اغتيال قاسم سليماني: قرار انفعالي أم استراتيجية أميركية جديدة تجاه إيران؟

أسامة أبو ارشيد

يعمل أسامة أبو ارشيد باحثًا غير مقيم مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وهو حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسيّة والفلسفة من جامعة لفبرة / بريطانيا، ويقيم حاليا في واشنطن في الولايات المتحدة. نشر العشرات من المقالات والدارسات باللغتين العربية والإنكليزية، كما شارك في تأليف كتابين باللغة العربية عن حركة حماس والمعاهدة الأردنية الإسرائيلية. شارك في العديد من المؤتمرات الأكاديمية، وله كتاب باللغة الإنجليزية في مرحلة الإعداد للطباعة عنوانه: "جدلية الديني والسياسي في فكر وممارسة حركة حماس" وسيصدر عن Cambridge Scholars Publishing.

مقدمة

وضعت عملية الاغتيال الأميركية لقائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، اللواء قاسم سليماني، منطقة الشرق الأوسط على شفير هاوية حرب يمكن أن تُعدّ الأخطر منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وقد أثار قرار الاغتيال الذي اتخذه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، شخصيًا، أسئلةً كثيرة حول إذا ما كان ذلك يندرج ضمن استراتيجية أميركية محددة المعالم، أو إذا ما كان عائدًا إلى الطبيعة الاندفاعية لترامب. وقد اعتبر ترامب، ضمنًا، أن قرار تصفية سليماني يرسم خطًا أحمر جديدًا لكل من يفكر في تهديد مصالح الأميركيين وحياتهم[1].

وكانت الولايات المتحدة الأميركية، بعد سلسلة من الهجمات المتبادلة بينها وبين فصائل شيعية عراقية محسوبة على إيران، استهدفت في 3 كانون الثاني/ يناير 2020 موكبًا قرب مطار بغداد يقلّ سليماني ونائب رئيس مليشيات هيئة الحشد الشعبي في العراق، جمال جعفر آل إبراهيم، المعروف باسم أبو مهدي المهندس، وثمانية آخرين؛ ما أدى إلى مقتلهم جميعًا. وفي حين زعمت الولايات المتحدة أن العملية جاءت لمنع هجمات وشيكة ضد أفراد ومصالح أميركية كان سليماني يخطط لها، توعدت إيران بانتقام عنيف لمقتله. وفي ساعات الصباح الباكر من يوم 8 كانون الثاني/ يناير 2020، شنّت إيران هجمات بنحو 25 صاروخًا باليستيًا متوسط المدى على قاعدتين عسكريتين عراقيتين تضمان جنودًا أميركيين، هما عين الأسد غرب العراق، وقاعدة أربيل في شماله، ولم يسفر الهجوم عن قتلى ولا جرحى أميركيين.

وبدا واضحًا من طبيعة الرد الإيراني وحجمه، بل بإعلام الأميركيين به مسبقًا على نحو غير مباشر، أن إيران لا تبحث عن تصعيد عسكري مع الولايات المتحدة سيكون كارثيًا، وفي الوقت ذاته، لا يعني ذلك أن الرد سيقف عند ذلك الحد، وإن كان انتهى رسميًا، على الأقل في هذه المرحلة. وقد تجاوبت إدارة ترامب إيجابيًا مع مستوى الرد العسكري الإيراني لناحية خفض التصعيد على أساس أن إيران "تتراجع"[2]، مفضلةً تشديد العقوبات الاقتصادية عليها لمنعها من تطوير برنامجها النووي. ويتوقع المسؤولون الأميركيون أن تعمد إيران إلى التصعيد غير المباشر ضد المصالح الأميركية في الأسابيع والأشهر المقبلة، سواء عبر استهداف قطاعات أميركية حيوية بهجمات إلكترونية، أم عبر هجمات يشنّها وكلاء لها في أماكن مختلفة في الشرق الأوسط والعالم.

الإطار العام لقرار تصفية سليماني

يتمحور السؤال المركزي المطروح في واشنطن بشأن عملية اغتيال سليماني حول الأسباب والدوافع التي جعلت ترامب يقدم على هذه الخطوة الخطيرة، على الرغم من أن إدارتَي سلفيه، جورج بوش الابن وباراك أوباما، أحجمتا عن ذلك من قبل. من المفيد القول، بدايةً، إن الولايات المتحدة صنفت سليماني على قوائم الإرهاب لديها منذ عام 2007[3]؛ إذ تتهمه بالمسؤولية عن مقتل أكثر من 608 أميركيين في العراق. فقد أتيحت للولايات المتحدة الفرصة أكثر من مرة خلال إدارتي بوش وأوباما لتصفيته، لكنهما لم تقدما على ذلك، مع أنهما كانتا تتهمانه بالوقوف وراء تزويد الفصائل العراقية المناهضة للاحتلال الأميركي للعراق خلال الفترة 2003-2011 بالعبوات الناسفة، التي كانت تزرع على جوانب الطرق وأوقعت قتلى وإصابات كثيرة في صفوف القوات الأميركية[4].

يمكن تلخيص إجابة التساؤل السابق في أن الولايات المتحدة قدّرت، على مدى عقد ونصف تقريبًا، أن استهداف سليماني سيعود بارتدادات استراتيجية أكبر، قد تدفع في اتجاه مواجهة عسكرية أميركية - إيرانية مفتوحة، أو على الأقل إطلاق حملة انتقام إيرانية، سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة، وتحديدًا عبر وكلائها في الإقليم وخارجه[5]. وفي حال كان الرد الإيراني غير مباشر، فإنه قد يستهدف القواعد العسكرية والقوات الأميركية في المنطقة، أو أنه سيكون عبر تنفيذ هجمات ضد المصالح والأفراد الأميركيين في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية[6]، بل حتى في العمق الأميركي نفسه، بما في ذلك القرصنة الإلكترونية وإلحاق أذى بقطاعات حيوية وبنى تحتية أميركية، كالماء والكهرباء. المفارقة هنا أن إدارة ترامب نفسها تبنّت حتى لحظة اغتيال سليماني المقاربة ذاتها؛ إذ أتيحت لها أكثر من مرة في الماضي فرصة استهدافه إن أرادت، إلا أنها أحجمت عن ذلك من منطلق الحسابات نفسها، فضلًا عن أن القوات الأميركية وإيران، عبر الفصائل التابعة للأخيرة في العراق، كانت تقاتل جنبًا إلى جنب ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". فما الذي تغير إذًا؟

تعلن الولايات المتحدة أن اغتيال سليماني جاء في سياق الدفاع عن النفس، ولمنع اندلاع حرب لا لإطلاق شرارتها؛ ذلك أن سليماني كان يعد لهجمات "وشيكة" على المصالح والمواطنين الأميركيين في العراق، وأن تحييده أجهض تلك المخططات[7]، أو أن ثمن تحييده أقل تكلفة من عدم التحرك ضده. ويرى المسؤولون الأميركيون أن سليماني يستحق الموت أصلًا؛ بسبب أن يديه ملطختان بدماء الأميركيين، وأن عملية تصفيته تمثل رسالة ردع لإيران فحواها أن الولايات المتحدة لن تسكت بعد اليوم على استفزازاتها بحقها[8]. بل إن جزءًا من حسابات البعض داخل إدارة ترامب تمثَّل في اعتقادٍ بأن اغتيال سليماني قد يحرك في الحصيلة، وبعد رد إيراني محدود تجنبًا لمواجهة شاملة مع واشنطن، المسارَ الدبلوماسي بين الطرفين حول الملف النووي الإيراني، وخصوصًا أن طهران تئنّ تحت وطأة العقوبات الأميركية القاسية[9]. وقد يكون هذا المنطق وجد بعض مؤشرات تعضده، إذا افترضنا أن الرد الصاروخي الإيراني على القواعد العسكرية الأميركية في العراق هو سقف الرد الرسمي، إلا أنه من المبكر جدًا الحكم على ذلك.

ويُذكر أن ترامب كان قد انسحب، في أيار/ مايو 2018، من الاتفاق النووي الدولي مع إيران الذي توصلت إليه إدارة أوباما عام 2015، وأعاد فرض العقوبات عليها، ثمّ عززها في أيار/ مايو 2019 عبر إلغاء الإعفاءات النفطية التي كانت ممنوحة لعدد من الدول المستوردة لنفطها من إيران ضمن سياسة "أقصى درجة من الضغوط" الاقتصادية عليها[10]. إلا أن تلك العقوبات قامت على فرضية مفادها خضوع إيران، ومن ثم قبولها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات من جديد مع الأميركيين لإصلاح العيوب التي يراها ترامب في الاتفاق النووي، وهو ما لم يحدث. بل على العكس، فقد اعتمدت إيران سياسة تصعيدية لموازنة الضغوط الأميركية عليها؛ ما جعل إمكانية وقوع حرب لا يريدها الطرفان قائمةً في حال حدوث خطأ في حسابات أي منهما. وقد أثبتت الأحداث اللاحقة أن إدارة ترامب لا تملك، عمليًا، حتى الآن، استراتيجية واضحة ومُعرَّفة على نحو جيد للتعامل مع إيران.

تبدّى المعطى السابق مع الفوضى التي أضافها ترامب إلى مقاربة أوباما المترددة مع إيران، وهو ما رأيناه في مواقف عدة، كإعلان الانسحاب من شمال سورية أواخر عام 2018، ثمّ العودة عنه، ثم كان انسحابًا جزئيًا في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وبعد ذلك عودة جزئية. ليس ذلك فحسب، فترامب الذي انسحب من الاتفاق النووي مع إيران، ورفع حدّة الضغوط الاقتصادية عليها، هو نفسه من وقف متردّدًا في الرد على اعتداءاتها على حرية الملاحة البحرية في الخليج العربي في حزيران/ يونيو 2019، ثمّ تراجعه المهين عن توجيه ضربةٍ انتقامية إلى إيران بعد إسقاطها طائرة أميركية مسيّرة كانت تحلق فوق مضيق هرمز في الشهر ذاته. بعد ذلك، كان الهجوم الإيراني على شركة النفط السعودية، "أرامكو"، في أيلول/ سبتمبر 2019، الذي وقفت أمامه إدارة ترامب عاجزة، وهو ما عزّز الشكوك السعودية والخليجية في أن الولايات المتحدة لم تعُد ذلك الحليف الموثوق به الذي يمكن الاطمئنان إليه.

دفع الهجوم الإيراني المفترض على أرامكو إدارةَ ترامب إلى محاولة تدارك فشل خطتها في إخضاع إيران، عبر فرض عقوبات اقتصادية صارمة عليها، بتعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة في مسعى لردع إيران وطمأنة حلفائها القلقين في المنطقة. وهكذا قررت إدارة ترامب، في أيلول/ سبتمبر 2019، إرسال المزيد من القوات الأميركية، فضلًا عن طائرات مقاتلة، إلى منطقة الخليج العربي، تكون مهمتها دفاعية لا هجومية[11]. وكانت إدارة ترامب قد بدأت في تعزيز قواتها البحرية والجوية والأرضية والصاروخية في المنطقة، منذ أيار/ مايو 2019[12]، وهو ما ألقى ستارًا جديدًا من الغموض حول تأكيدات ترامب أنه يريد الانسحاب من حروب الشرق الأوسط التي لا نهاية لها، وخصوصًا أنها وضعت بلاده وإيران على شفير هاوية الحرب.

المزاعم الأميركية المباشرة لتسويغ قرار تصفية سليماني

بحسب مصادر أمنية عراقية واستخباراتية أميركية، فإن سليماني وضع نفسه في دائرة الاستهداف الأميركي مباشرة، منذ منتصف تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وذلك بعد لقاء جمعه بميليشيات شيعية في بغداد بهدف تنسيق هجمات ضد أهداف أميركية بأسلحة متطورة وفّرها لها الحرس الثوري الإيراني. وبحسب تلك الرواية أيضًا، فإن سليماني كان يريد حرف الانتباه عن الاحتجاجات الحاشدة ضد النفوذ الإيراني المتنامي في العراق، عبر استثارة رد عسكري أميركي يحوّل الغضب الشعبي نحوها. وتمضي الرواية ذاتها إلى القول إن المهمة أنيطت بكتائب حزب الله العراقية، بقيادة أبو مهدي المهندس، التي تمَّ تدريبها في إيران وزُودت بطائرة استطلاع مسيّرة لالتقاط صور جوية لقواعد عسكرية تنتشر القوات الأميركية فيها[13].

وفي 27 كانون الأول/ ديسمبر 2019، أطلقت كتائب حزب الله أكثر من 30 صاروخًا على قاعدة عسكرية قرب مدينة كركوك شمال العراق؛ ما أدى إلى مقتل متعاقد مدني أميركي وإصابة أربعة أميركيين آخرين واثنين من العسكريين العراقيين. وفي 29 من الشهر ذاته، شنّت طائرات أميركية، من طراز F-15، غارات على خمسة معسكرات لكتائب حزب الله على جانبي الحدود العراقية - السورية؛ ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 25 عضوًا من تلك الميليشيات وجرح 55 آخرين[14]. وبعد يومين، حاصر آلاف من أنصار الميليشيات الشيعية السفارة الأميركية في العراق، واقتحموا بعض مبانيها وأشعلوا النيران فيها، وردّت الولايات المتحدة بتوجيه إنذار إلى الحكومة العراقية وتلك الميليشيات. كما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن إرسال 100 من مشاة البحرية إلى بغداد، و750 جنديًا آخرين إلى الكويت، ووضعتهم على أهبة الاستعداد لحماية السفارة الأميركية إن استدعى الأمر[15].

ورغم انسحاب المتظاهرين في اليوم التالي من حرم السفارة الأميركية، فإن صورهم داخلها أثارت غضب ترامب الذي لم يُرِد أن يظهر بمظهر الضعيف، وخصوصًا أنه انتقد من قبلُ تقاعس إدارة أوباما ووزيرة خارجيته ومنافسته الديمقراطية السابقة، هيلاري كلينتون، عن حماية السفارة الأميركية في بنغازي الليبية، في أيلول/ سبتمبر 2012، الحادثة التي أدت إلى مقتل السفير الأميركي ومرافقين له[16]. كما أن سببًا آخر دفع ترامب إلى حسم أمره بتصفية سليماني؛ فقد كان غاضبًا جدًا من التغطية الإعلامية التي رآها سلبية لقراره في حزيران/ يونيو 2019 بإلغاء هجمات على إيران بعد إسقاطها طائرة مسيّرة أميركية، فأظهرته على أنه رئيس متردد وضعيف[17]. وقد نصحه بعض المتشددين من مستشاريه بأنه إذا أراد ألّا يبدو ضعيفًا كأوباما، وخصوصًا بعد حوادث مهاجمة إيران لسفن نفط في الخليج العربي، واحتجاز ناقلة نفط بريطانية، وبعد ذلك مهاجمة أرامكو، وجميعها بقي من دون رد أميركي حاسم، فإن عليه اقتناص تلك الفرصة.

وهكذا تحوّل موقف ترامب جذريًا من هذه المسألة بسبب اقتحام السفارة الأميركية في بغداد، رغم أنه هو نفسه كان قد رفض فكرة استهداف سليماني قبل ذلك بأيام، بعد الهجوم على القاعدة العسكرية في كركوك[18]. وكان قرار ترامب بتصفية سليماني هذه المرة مفاجئًا لمسؤولي وزارة الدفاع. وبحسب المعلومات التي نشرتها الصحافة الأميركية، فإن وزارة الدفاع كانت قدّمت لترامب مجموعة من الخيارات للرد على إيران، بعضها متطرف كاغتيال سليماني، وذلك حتى يختار من الخيارات الأخرى الأكثر اعتدالًا وجعْلها تبدو معقولة له؛ كاستهداف سفن إيرانية أو منصات إطلاق صواريخ أو ميليشيات عراقية محسوبة عليها. ومع أن المسؤولين العسكريين الأميركيين أصيبوا بالذهول من قرار ترامب، فإنهم مضوا في تنفيذه[19].

ساهمت ثلاثة أسباب أخرى في حسم موقف ترامب لترجيح خيار تصفية سليماني رغم التداعيات المتوقعة، وهي: أولًا، ضغوط وزير خارجيته، مايك بومبيو، وبدرجة أقل نائبه، مايك بنس؛ إذ إن بومبيو يكنّ عداءً شديدًا لإيران منذ كان عضوًا في الكونغرس، ثم لما شغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وبعد ذلك وزيرًا للخارجية، وكان يمارس ضغوطًا منذ أشهر لتصفية سليماني. وتشير تقارير إلى أن بومبيو شعر بالامتعاض، لما لم يأخذ ترامب بتوصيته بتصفية سليماني، بعد إسقاط إيران الطائرة الأميركية المسيّرة في حزيران/ يونيو 2019[20]. ثانيًا، التجانس الأكبر بين أعضاء فريقه للأمن القومي، بعد أن تخلّص من معارضيه فيه؛ إذ إن علاقة قريبة تجمع بين وزير الخارجية، بومبيو، ووزير الدفاع، مارك إسبر، ومستشار الأمن القومي، روبرت أوبراين، وهم على توافق كبير سياسيًا وأيديولوجيًا. والثلاثة لا يجرؤون على معارضة قرارات ترامب، على عكس سابقيهم، وخصوصًا وزير الدفاع السابق، الجنرال جيم ماتيس. ويحظى هؤلاء بدعم نائب الرئيس، بنس. ولا يبدو رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجديد، الجنرال مارك ميلي، بعيدًا عن تفكير الآخرين حول الرئيس[21]. ثالثًا، ثمة من يشير إلى أن قرار ترامب بتصفية سليماني، الذي تمَّ من دون إخطار الكونغرس، قد يكون محاولة منه لتشتيت الانتباه جزئيًا عن محاكمته المقبلة في مجلس الشيوخ، بعد أن عزله مجلس النواب أواخر عام 2019، كما أنها قد تعزز حظوظه في الانتخابات الرئاسية أواخر عام 2020؛ إذ إنها ستقدمه بمظهر الرئيس القوي الذي استطاع أن يلجم إيران[22]، وخصوصًا بعد فشل استراتيجيته في الضغط عليها اقتصاديًا، واتضاح غياب استراتيجية واضحة ومحددة المعالم لاحتواء إيران.

هل نجحت مقامرة ترامب في تصفية سليماني؟

ضمن قراءة أولية، إذا أخذنا في الاعتبار حجم الرد العسكري الإيراني وطبيعته ونطاقه في العراق، فإنه يمكن القول إن مقامرة ترامب في اغتيال سليماني قد نجحت في المدى القريب، وإن الولايات المتحدة قد تمكنت من إرساء قواعد جديدة للعبة مع إيران تطوّر فيها مفهوم الردع الأميركي تطورًا جذريًا، فضلًا عن رسم خط أحمر واضح لا ينبغي لإيران تجاوزه. ويبدو أن إيران فهمت رسالة وزير الدفاع الأميركي، إسبر، لما قال إن الولايات المتحدة لا تريد أن تبدأ حربًا ولكنها تقف متأهبة لإنهائها لمصلحتها إذا اندلعت شرارتها[23]. أما في المديين المتوسط والبعيد، فإن الأمر سيعتمد على إذا ما كانت إيران ستصعّد ضد الولايات المتحدة في سياق ما يعرف بـ "الحرب غير المتكافئة" Asymmetrical Warfare، وهي الوضعية التي يكون فيها طرفان في حالة حرب، ولكنهما متفاوتان في مستوى القوتين العسكرية والاستراتيجية.

في مثل تلك الحالة، يلجأ الطرف الأضعف، سواء دولة أم حركة تمرد أم حركة مقاومة، إلى استخدام تكتيكات غير تقليدية في المعركة، في محاولةٍ لتجسير الهوة الكبيرة في ميزان القوى. وقد تشمل تلك التكتيكات حرب العصابات، أو الهجمات عبر وكلاء، أو العمليات السرية والاستخباراتية، أو حتى عبر هجمات إلكترونية. وإيران تملك كل تلك الإمكانات والقدرات، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل إن أذرعها قادرة على الضرب في قارات العالم المختلفة، كما في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية، بل حتى الولايات المتحدة نفسها. ومعلوم أن لإيران أذرعًا ضاربة في المنطقة تستطيع من خلالها أن تشنّ حروب عصاباتٍ استنزافية، أو هجمات بالوكالة، كما في العراق واليمن وسورية ولبنان. وهي بارعة في الحروب الاستخباراتية والسرية، كما جرى في هجماتها، عام 2019، على ناقلات النفط في الخليج العربي وأرامكو السعودية. وقد سبق لها أن شنّت هجمات خارج حدود الشرق الأوسط، كما في الهجوم الذي شنته عبر عملاء لها في الأرجنتين ضد الرابطة الأرجنتينية - الإسرائيلية، في 18 تموز/ يوليو 1994، وقُتل فيه 85 شخصًا وجُرح 300 آخرون. أما بشأن الهجمات والقرصنة الإلكترونية، فإن وكالة الأمن القومي الأميركي تؤكد أن إيران تملك مثل هذه القدرة، وحذرت من أن قراصنة محسوبين عليها قد يسعون لمهاجمة بنى تحتية حساسة في الولايات المتحدة، مثل الماء والكهرباء[24]. وفعلًا، مباشرةً بعد اغتيال سليماني، أقدم من يُعتقد أنهم قراصنة إيرانيون على قرصنة موقع حكومي تابع لمكتبة الإيداع الفدرالية الأميركية[25].

ما سبق يتعلق بـ "الحرب غير المتكافئة" التي، على الأغلب، ستنتهز إيران أي فرصة تتاح لها لشنّها في الأسابيع والأشهر المقبلة، وخصوصًا أن ترامب يخوض انتخابات رئاسية أواخر عام 2020، ومن ثمّ قد تحاول التأثير في حظوظه الانتخابية. إلا أن إيران بتوجهها إلى فعل ذلك قد تكون تغامر على نحو بعيد؛ ذلك أن ترامب رئيس يصعب التنبؤ بتصرفاته وردات أفعاله، وهو الدرس الذي تعلمته من خلال عملية اغتيال سليماني.

نعود هنا إلى قراءة الرد العسكري الإيراني في العراق، في 8 كانون الثاني/ يناير 2020، ضمن سياق المقامرة التي أقدم عليها ترامب بشأن اغتيال سليماني. كان لافتًا ومعبّرًا جدًا تصريحات وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، مباشرة بعد تنفيذ الهجمات ضد قاعدتي عين الأسد وأربيل، أن "ردَّ طهران على اغتيال الجنرال سليماني انتهى"، وأن بلاده "لا تسعى للتصعيد أو الحرب"، وإن كان شدّد على أنها "ستدافع عن نفسها ضد أي عدوان"[26]. يتمثل وجه المفارقة هنا في أن إيران كانت قد هددت بانتقام مؤلم ضد الولايات المتحدة، في حين أنه لم يسقط جندي أميركي واحد قتيلًا كان أو حتى جريحًا، بحسب التأكيدات الأميركية، بل حتى الأضرار المادية كانت طفيفة. المفاجأة الأكبر هنا أن ذلك لم يكن من جراء خلل تقني في الهجوم، ولا حتى لضعف في المنظومة الصاروخية الإيرانية ودقتها، بقدر ما كان نتيجة لما يبدو أنه حسابات إيرانية دقيقة.

وبحسب مصادر أميركية وعراقية، فإن طهران بادرت إلى إبلاغ رئيس الوزراء العراقي المستقيل، عادل عبد المهدي، بموعد الهجمات وهدفيها، قبل ساعتين من إطلاق الصواريخ[27]، وهي المعلومات التي تمَّ إيصالها إلى الأميركيين. ولا شك في أن الإيرانيين كانوا يعلمون أن العراقيين لن يخفوا مثل هذه المعلومات عن القوات الأميركية على أراضيهم. ولم تكتفِ إيران بهذه القناة وحدها للتواصل مع الأميركيين على نحو غير مباشر، إذ تشير معلومات أخرى إلى أن طهران فتحت قنوات اتصال مع واشنطن عبر ثلاث دول، قد يكون من بينها العراق، ثمَّ سويسرا التي تمثل المصالح الأميركية في طهران، لإيصال رسالة بأن إيران لا تنوي تصعيد ردها العسكري أبعد من تلك الصواريخ[28]. بل إن تقديرات المسؤولين العسكريين الأميركيين تشير إلى أن إيران تعمّدت أن تخطئ أهدافها، من باب الاحتياط أكثر، حتى لا تصيب أي جندي أميركي، رغم أنها تملك تكنولوجيا صاروخية دقيقة[29]، وهو ما أبانت عنه هجماتها على أرامكو السعودية في خريف عام 2019.

وأبعد من ذلك، ما صرح به نائب الرئيس الأميركي، بنس، من أن الولايات المتحدة تلقّت معلومات تفيد بأن إيران طلبت من ميليشيات شيعية حليفة لها ألّا تهاجم أهدافًا أميركية، وذلك بعد أن هددت واشنطن بأنها لن تقبل أي تذرع إيراني بأنها لا تملك سيطرة مطلقة على وكلائها وأذرعها في المنطقة. وبناء عليه، فإن طهران تعتبر مسؤولة عن أي هجمات تُشَنّ على أهداف ومواطنين ومصالح أميركية[30].

إذا أخذنا كل المعطيات السابقة في الحسبان، حينها نفهم سياق نجاح مقاربة ترامب، حتى لو كان ذلك في المدى القصير. وتلك المعطيات هي نفسها التي مكّنت ترامب من التراجع عن تهديداته بشن هجمات انتقامية ساحقة على إيران في حال هاجمت أي مصالح أو قواعد أو مواطنين أميركيين؛ إذ أكَّد أنه لم يُصَب أحد من الأميركيين بأذى، وأن إيران "تراجعت" ولا تريد التصعيد العسكري، ومن ثم، فإن الولايات المتحدة ليست مضطرة هي الأخرى إلى تصعيد عسكري، وإن كان ترامب أعلن تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران[31] ضمن مساعيه لإرغامها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات حول ملفها النووي، وسياساتها التي تصفها واشنطن بالعدائية في المنطقة، وبرنامجها للصواريخ الباليستية.

ويرى بعض المراقبين الأميركيين أن هجمات إيران الصاروخية المدروسة بعناية لم يكن الهدف منها الانتقام، بقدر ما حملته من رسائل في اتجاهات ثلاثة. الاتجاه الأول إلى الداخل الإيراني، من أن النظام قد قام بالانتقام، وهو ما حاول الإعلام الإيراني ترويجه عبر الزعم بمقتل 80 جنديًا أميركيًا، وهو ما تنفيه الولايات المتحدة والحكومة العراقية، ولا يوجد أي دليل يشير إلى ذلك. والاتجاه الثاني إلى الولايات المتحدة، من أن إيران لا تريد التصعيد، ولكنها مضطرة إلى نوع من الرد، ولذلك قامت برد محدود ومتحكم فيه بحيث لا يوقع إصابات بين الأميركيين تضطر الولايات المتحدة إلى الرد. أما الاتجاه الثالث فهو إلى الحكومة العراقية، بهدف الضغط عليها لإخراج القوات الأميركية من العراق، وذلك عبر جعل تكلفة وجودها عالية على الأمن القومي العراقي[32].

خاتمة

صحيح أن مقاربة ترامب قد تكون حققت بعض نجاحٍ في المدى القصير، كما سبق أن أشرنا هنا، إلا أنه في ظل غياب استراتيجية واضحة للتعامل مع إيران، فإن هذه المقامرة قد يترتب عليها تداعيات سلبية في المستقبل، على الطرفين الأميركي والإيراني، بما في ذلك الدخول في مواجهة عسكرية. ولم يحدد ترامب، في خطابه في 8 كانون الثاني/ يناير 2020 بعد الهجمات الصاروخية الإيرانية، معالم استراتيجية واضحة تجاه إيران، سوى إصراره على مزيد من الضغوط الاقتصادية الخانقة عليها، والتي كان قد بدأها في أيار/ مايو 2018 لما انسحب من الاتفاق النووي معها، وهي الضغوط ذاتها التي أوصلت البلدين إلى حافة المواجهة العسكرية. ويؤكد مؤشران غياب مقاربة أميركية منسجمة ومتماسكة نحو إيران: الأول، ذلك التضارب اللافت بين تهديدات ترامب باستهداف 52 "موقعًا ثقافيًا" إيرانيًا في حال ردت على اغتيال سليماني، ونفي مسؤولين آخرين الإقدام على مثل هذه الخطوة التي تعد جريمة حرب استنادًا إلى القانونين الدولي والأميركي[33]، أما الثاني، فيتمثل في ذلك الإرباك الذي طبع الموقف الأميركي من انسحاب محتمل من العراق، وهو ما أكدته رسالة لقائد القوات الأميركية هناك إلى الحكومة العراقية، وإن لم تكن موقّعة، ثمّ نفي وزارة الدفاع الأميركية ورئيس هيئة الأركان المشتركة ذلك، واعتباره خطأ[34].

وعلى الرغم من أن إيران تعاني كثيرًا من جراء العقوبات الاقتصادية الأميركية، وخصوصًا في ظل تذمر شعبي واسع، عبّرت عنه احتجاجاتٌ دموية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، فإن اغتيال سليماني قد يكون وحّد المكونات المختلفة للشعب الإيراني، ولو آنيًا، خلف حكومته، إذ يعد سليماني رمزًا وطنيًا. وينطبق الأمر ذاته على الاحتجاجات الشعبية الواسعة، منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ضد النفوذ الإيراني في العراق؛ إذ إن اغتيال سليماني في بغداد جعل هدف الغضب موجّهًا نحو الولايات المتحدة وليس نحو إيران، ولكن هذا قد يتغير أيضًا في المستقبل القريب جدًا. والتحدي الأبرز الذي تواجهه الولايات المتحدة في العراق هو أن ينجح سليماني في موته في تحقيق ما عجز عنه في حياته، ألا وهو إخراج القوات الأميركية من العراق؛ وهو الأمر الذي صوّت عليه البرلمان العراقي في 5 كانون الثاني/ يناير 2020، وإن كان تصويته ليس ملزمًا للحكومة. أما الأخطر من كل ما سبق، فهو استئناف إيران برنامجها النووي والانسحاب من كل التزاماتها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، بما في ذلك معدلات تخصيب اليورانيوم، وهو ما أعلنته رسميًا في 5 كانون الثاني/ يناير 2020؛ ما ينذر بتصعيد جديد، وخصوصًا أن ترامب يصرّ على أن إيران لن تصبح قوة نووية ما دام رئيسًا.

باختصار، تبقى السيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات، من بقاء الحال على ما هو عليه حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، مرورًا بمواجهات غير مباشرة، ووصولًا إلى مواجهة مباشرة، أو حتى انفراج سياسي قد يقود إلى اتفاق جديد يبحث عنه ترامب بجدّية لتعزيز حظوظه الانتخابية، وتريده إيران بشدة للانفكاك من طوق العقوبات الأميركية الخانق.


[1] “Remarks by President Trump on Iran,” The White House, 8/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/35LYreY

[2] Ibid.

[3] “Fact Sheet: Designation of Iranian Entities and Individuals for Proliferation Activities and Support for Terrorism,” U.S. Department of the Treasury, 25/10/2007, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/2FNkyXV

[4] Grace Panetta, “Here's Why neither George W. Bush nor Barack Obama Killed Iranian Commander Qassem Soleimani, Who the US just Took Out in An Airstrike,” The Business Insider, 4/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/382SlZe

[5] Kathy Gilsinan, “It Wasn’t the Law that Stopped Other Presidents from Killing Soleimani,” The Atlantic, 4/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/30tyxvH

[6] Panetta.

[7] “Remarks by President Trump on the Killing of Qasem Soleimani,” The White House, 3/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/36N9LsB

[8] “Statement by the Department of Defense,” U.S. Department of Defense, 2/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/35QA8wn

[9] Stephen Hadley, “The Soleimani Killing Heightens the Risk of War - But also Opens Doors to Diplomacy,” The Washington Post, 5/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: https://wapo.st/2tVHPnW

[10] “Remarks by President Trump and Prime Minister Morrison of Australia Before Bilateral Meeting,” The White House, 20/9/2019, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/35QSqxF

[11] Amanda Macias, “Pentagon will Deploy US Forces to the Middle East after Attack on Saudi Arabia Oil Facilities,” CNBC, 20/9/2019, accessed on 14/1/2020, at: https://cnb.cx/2Ti4ENf

[12] “Statement from the National Security Advisor Ambassador John Bolton,” The White House, 5/5/2019, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/2NlHZLV

[13] “Inside the Plot by Iran’s Soleimani to Attack U.S. Forces in Iraq,” Reuters, 3/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: https://reut.rs/2NoaVTK

[14] Missy Ryan et al., “How Trump Decided to Kill A Top Iranian General,” The Washington Post, 3/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: https://wapo.st/2TpGDUn

[15] Ibid.

[16] Ibid.

[17] Mike Allen, “Pivot to Confrontation with Iran,” AXIOS, 4/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/2slNxPl

[18] Daniel Politi, “Pentagon Officials Reportedly ‘Stunned’ by Trump’s Decision to Kill Soleimani,” Slate Magazine, 5/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/2FJX9qp

[19] Ibid.

[20] Nicole Gaouette & Jamie Gangel, “How Pompeo Convinced Trump to Kill Soleimani and Fulfilled A Decade-long Goal,” CNN, 9/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: https://cnn.it/2FLU4pw

[21] John Hudson et al., “Killing of Soleimani Follows Long Push from Pompeo for Aggressive Action Against Iran, but Airstrike Brings Serious Risks,” The Washington Post, 5/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: https://wapo.st/36Y58w4

[22] Michael D'Antonio, “Trump Threatens the Stability of the World,” CNN, 4/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: https://cnn.it/2tTkH9F

[23] Zachary Cohen, “Esper Says US isn't Looking ‘to Start A War with Iran, but we are Prepared to Finish One’,” CNN, 7/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: https://cnn.it/2uN40Nu

[24] Sue Halpern, “Should the U.S. Expect an Iranian Cyberattack?” The New Yorker, 6/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/388WhI1

[25] Keith Griffith, “‘Iranian Hackers’ Breach US Government Website Operated by the Federal Depository Library Program in Retaliation for Airstrike,” The Daily Mail, 5/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: https://dailym.ai/2tfQ8uH

[26] Spencer Neale, “‘We do not Seek Escalation or War’: Iranian Foreign Minister Defends Ballistic Missile Attack,” The Washington Examiner, 7/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: https://washex.am/30j8yqs

[27] John Bacon & Tom Vanden Brook, “U.S. Knew Iranian Missiles were Coming Ahead of Strike; Trump Announces New Sanctions,” The USA Today, 8/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/2NnZo6Y

[28] James Barrett, “Iran Sent Messages Through ‘Three Back Channels’ to U.S. after Attack to Say they were Done,” The Daily Wire, 9/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/2tXciSq

[29] “Iran Missile Attack: Did Tehran Intentionally Avoid US Casualties?” BBC, 8/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: https://bbc.in/2NoKoWp

[30] Justine Coleman, “Pence: Intelligence Shows Iran Directing Militias not to Attack U.S. Targets,” The Hill, 8/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/2u0YFS5

[31] “Remarks by President Trump on Iran.”

[32] Elijah J. Magnier, “Iranian Messages Behind Attacking US Bases in Iraq and the Consequences,”

Global Research, 9/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/2TmOHW7

[33] Peter Baker and & Maggie Haberman, “Pentagon Rules out Striking Iranian Cultural Sites, Contradicting Trump,” The New York Times, January 6, /1/2020, accessed on 14/1/2020, at: https://nyti.ms/2FRsOWE

[34] Brett Samuels, “Trump: It's not ‘the Right Point’ for US to Leave Iraq,” The Hill, 7/1/2020, accessed on 14/1/2020, at: http://bit.ly/30gZBy3