العنوان هنا
تقييم حالة 03 يونيو ، 2020

مسودة التعديل الدستوري في الجزائر: سياقاته وانعكاساته على المشهد السياسي

عبد الله هوادف

أستاذ محاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة المسيلة في الجزائر. مهتم بدراسات الديمقراطية والسياسة الخارجية والاقتصاد السياسي الدولي. 

مقدمة

تبنَّت الجزائر أول دستور لها في عهد الرئيس أحمد بن بلة عام 1963. ومنذ ذلك الحين، يتمُّ إقرار دستور جديد، أو إجراء تعديل دستوري كل عقد تقريبًا. ويقترن ذلك في كل مرة بالتغيير الحاصل في أعلى هرم السلطة في البلاد، بحيث يبدو أنّ كل رئيس يحرص على وضع لمسته الدستورية الخاصة به. فقد قدّم هواري بومدين دستوره للاستفتاء عام 1976 (عُدّل في الأعوام 1979، و1980، و1988)، ثم الشاذلي بن جديد عام 1989 بمناسبة الانفتاح الديمقراطي الذي أعقب انتفاضة أكتوبر 1988. وبعد وقف المسار الانتخابي وإلغاء نتائج تشريعيات كانون الأول/ ديسمبر 1991 ودخول البلاد في دوامة العنف المسلح، تمَّ إقرار دستور جديد في عهد الرئيس اليمين زروال عام 1996، ويمثِّل هذا الدستور أرضية كل التعديلات التي تمّت بعد ذلك؛ ثلاث مرات في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (خلال الأعوام 2002، 2008، ثم 2016)، وأخيرًا مشروع التعديل الذي قدَّمه الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، وهو مشروع مطروح حاليًّا للنقاش في الساحة السياسية الجزائرية.

بدأ الحديث عن تعديل دستوري جديد بمناسبة الحملة الانتخابية للرئاسيات السابقة، غير أنه لم يكن يظهر أن الدستور القائم سيمثّل عائقًا أمام التسويات التي كانت تتمُّ داخل السلطة في إطار التحضير لمرحلة ما بعد بوتفليقة. ولمَّا جاء حراك الشارع، بدءًا من شباط/ فبراير 2019، واكتسب بمرور الوقت شرعية على الأرض، وإن كانت تفتقر إلى شكل مؤثِّر من التمثيل والتنظيم، صار الحديث عن تعديل الدستور القائم، أو صياغة دستور جديد ضربًا من مجاراة التوجه الشعبي العام، وتجنيد الشارع خلف مشروع سياسي يكون تغيير الدستور بما يحقق مطالب الحراك عنوانه الأبرز.

إنّ حاجة نظام سياسي ما إلى تعديل الدستور، أو تغييره، تنبع نظريًّا من مجموعة من الاعتبارات؛ من بينها التغيرات الحاصلة في البيئة التي يعمل فيها النظام السياسي، والتغير في نظام القيم في المجتمع، ووجود تأثيرات مؤسسية غير متوقعة أو غير مرغوب فيها، إضافةً إلى الآثار التراكمية للقرارات التنفيذية والتشريعية والقضائية على المدى الطويل. وإذا أسقطنا هذه العوامل من السياق السياسي الجزائري الحالي، فمن الممكن أن نتبين وجود حاجة إلى تغيير الترتيبات المؤسسية القائمة، على أن يتمَّ ذلك في إطار توافقي، وعلى نحوٍ يضمن للتغيير الدستوري فاعليةً أكبر وديمومةً أطول.