العنوان هنا
تقدير موقف 29 مارس ، 2013

حكومة المعارضة ومعركة الشرعية على تمثيل الشعب السوريّ

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

نجح "الائتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة السوريّة" في اجتماعٍ عقده في إسطنبول يومي 18 و19 آذار / مارس 2013 في اختيار غسّان هيتو عضو المجلس الوطني - أحد المكونات الأساسيّة للائتلاف - رئيسًا للحكومة المؤقّتة. وعلى الرغم من أنّ أحدَ أهمّ أهداف إنشاء الائتلاف في الدوحة في شهر تشرين الثاني / نوفمبر من عام 2012 كان تشكيل حكومةٍ تُدير المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام وتمنع حدوث فراغِ سلطةٍ يؤدي إلى فوضى، إلا أنّ تحقيق ذلك لم يكن بالأمر الهيّن، إذ حالت الخلافات داخل الائتلاف وتضارب مواقف الدول الدّاعمة للثورة السوريّة دون تحقيق هذا الهدف منذ تشكيل الائتلاف.


خلافات المعارضة

جاء اجتماع إسطنبول بعد تأجيل اجتماعاتٍ عديدة سابقة لاختيار رئيس الحكومة المؤقّتة، كان آخرها مقررًا في 12 آذار / مارس 2013، بسبب فشل المعارضة في الاتفاق على فكرة الحكومة المؤقّتة، إذ ساد في الائتلاف تيّاران:

التّيار الأول: يقوده رئيس الائتلاف معاذ الخطيب وتدعمه شخصياتٌ ليبراليّة ومستقلة. وكان هذا التيار يتحفّظ على فكرة الحكومة المؤقّتة، ويدعو في المقابل إلى إنشاء "هيئةٍ تنفيذيّةٍ" تحت إشراف القيادة السياسيّة للائتلاف، تتولى إدارة المناطقِ "المحرّرة"؛ على أن يكون ذلك بعد توسيع الائتلاف وزيادة تمثيل بعض الفئات (المرأة، والشباب، والحراك الثوري، والأقليات)، وكذلك منح تمثيلٍ أكبرَ لقادة الكتائب العسكريّة، بما في ذلك هيئة أركان الجيش الحر التي يرأسُها اللواء سليم إدريس. وفضَّل هذا التيار التريّث في تشكيل الحكومة المؤقّتة، وانتظار ما سوف تُفضي إليه المفاوضات الروسيّة الأميركيّة بشأن التطبيق الفعليّ لاتفاق جنيف. وقد وجَّه معاذ الخطيب رسالةً بهذا المعنى إلى قيادة الائتلاف يوم 10 آذار/مارس 2013، دعاها فيها إلى التّريث في تشكيل الحكومة المؤقّتة، مشدّدًا على أنّ أيّ "سلطةٍ تنفيذيّةٍ أو وطنيّة" يجب أن يكون هدفها منع الفوضى في "المناطق المحرّرة" والابتعاد عن "المحظورات، وأخطرها تقسيم سورية". ورأى الخطيب أنّ الدفع باتجاه تشكيل الحكومة من أجل نيل مقعد سورية في الجامعة العربيّة هو مكسب سياسيّ لكنه ليس هدفًا، وبالإمكان تأجيله. ويبدو واضحًا أنّ هذا التيار لم يكن يرفض - من حيث المبدأ - وجود جسمٍ تنفيذيٍّ لإدارة المناطق المحرّرة، إلّا أنّه يتحفّظ على شكل هذا الجسم، ومسمّاه، وطريقة انتخابه، وتوقيت إنشائه.

التّيار الثاني: تدعمه كتلة المجلس الوطنيّ، وخصوصًا مكوّن "الإخوان المسلمين" فيها، بالتحالف مع مصطفى الصّباغ ممثّل نادي رجال الأعمال الذي يتولّى منصب الأمين العامّ للائتلاف. ويدعو هذا التّيار إلى الإسراع في تشكيل الحكومة المؤقّتة تنفيذًا لقرار مجلس وزراء الخارجيّة العرب (6 آذار/مارس 2013)، من أجل نيلِ مقعد سوريّة في الجامعة العربيّة، وتمثيل سوريّة في قمّة الدوحة التي عُقدت في 26 آذار/مارس 2013، بما يُسهم في نزع شرعية النّظام على الصعيد العربيّ، الأمر الذي يمكن أن يساعد في الحصول على اعترافٍ دوليٍّ بالحكومة المؤقّتة كحكومةٍ شرعيّة تمثّل الشعب السوريّ. كما أنّ هذا التيار لا يرى ضرورةً لانتظار نتائجِ المفاوضات الروسيّة والأميركيّة بشأن سوريّة، خاصّةً وأنّ هذه المفاوضات بدأت منذ 30 حزيران/يونيو 2012، ولم تفضِ حتى الآن إلى نتائجَ جديّة تضع اتفاق جنيف - لا سيّما الفقرة التاسعة منه والمتعلّقة بنقل السلطة وتشكيل حكومة انتقاليّة - موضع التنفيذ العمليّ.

فضلًا عن ذلك، كان للخلافات بين مكوّنات الائتلاف بشأن تسمية رئيس الحكومة المؤقّتة دورٌ مهمّ في تأخّر تشكيلها. فقد جرى في البداية طرح اسم رئيس الوزراء المنشقّ رياض حجاب لتولّي رئاستها، لكن اعتراض مكوّناتٍ رئيسة في الائتلاف، لا سيّما المجلس الوطنيّ، حال دون اختياره. وقد برّر المجلس الوطنيّ رفضه ترؤّس حجاب للحكومة المؤقّتة بأنّه لا يجوز أن يشكّل رئيسُ حكومةٍ سابق في نظام بشّار الأسد أوّل حكومةٍ للمعارضة. وهو ما يعكس - بصورةٍ أو بأخرى - ضيق الرؤية السياسيّة لدى شخصيّاتٍ وتكتّلاتٍ من المعارضة السوريّة في طريقة تعاطيها مع المنشقّين عن النظام، وتجاهلهم، والتضييق عليهم؛ إمّا لمخاوف من دور مستقبليّ لهم، أو لمصالحَ شخصيّة وحزبيّة. والمفارقة هنا أنّ هذه الرؤية تسود بين تكتّلات المعارضة في وقتٍ لا ينّفك خطابها يدعو ضبّاط الجيش، ومسؤولي الدولة إلى الانشقاق عن النظام، والانضمام إلى المعارضة، ويحثّهم على ذلك. كما يفتقر هذا الموقف إلى رؤيةٍ سياسيّةٍ براغماتيّة متعلّقة بعزل النظام السوريّ شعبيًّا، ومخاطبةِ فئات الشعب كافّة، كما ينشغل بمسألة الصراع على القيادة في هذه المرحلة المبكرة، بدلًا من البحث عن أفضل الطرق لإسقاط النظام.

وكنتيجةٍ لهذا الرفض، اعتذر رياض حجاب - ممثّل المنشقّين عن النظام في الائتلاف - في رسالةٍ خطيّة وجّهها إلى رئيس الائتلاف في 28 شباط / فبراير 2013، عن عدم الترشّح لرئاسة الحكومة. بعد ذلك، جرى تداولُ أسماء أخرى، مثل وزير الزراعة الأسبق أسعد مصطفى، وعضو المجلس الوطنيّ أسامة القاضي. ووصل عدد المرشّحين لرئاسة الحكومة المؤقّتة عشيّة اختيار رئيسها إلى 12 شخصيّةً.

لم يؤدِّ انتخاب غسّان هيتو إلى انحسار الخلافات بين أقطاب المعارضة، فقد قرّر 12 من أعضاء الائتلاف تعليق عضويّتهم احتجاجًا على انتخابه، وكان من بينهم نائب رئيس الائتلاف سهير الأتاسي (تراجعت عن هذا القرار لاحقًا). ويرجّح بعض المحلّلين أنّ الأجواء المحيطة بعملية الانتخاب (وليس انتخاب هيتو شخصيًّا) كانت أحد الأسباب التي دفعت معاذ الخطيب إلى الاستقالة المفاجئة من رئاسة الائتلاف الوطنيّ، قبل أيّامٍ قليلة من القمّة العربيّة في الدوحة.

وكانت اعتراضات المتذمّرين من اختيار هيتو تقوم على أساس أنّ رئيس الحكومة المُنتخب فرضته بعض قوى الائتلاف، في إشارةٍ إلى قربه من جماعة الإخوان المسلمين وكتلة المجالس المحليّة التي تصرّفت كتيّارٍ سياسيٍّ، وليس كمجالس تمثّل مناطق. وأخذ آخرون على هذا الخيار كون هيتو غير معروفٍ بنشاطه السياسيّ، وأنّه غير مطّلع على الواقع السوريّ لأنّه يقيم في الولايات المتّحدة منذ عام 1985، وأنّه كان من الأفضل اختيارُ مرشّحٍ من الداخل أو من وجوه المعارضة السياسيّة المعروفة، أو من المنشقّين ذوي الخبرة في إدارة مؤسّسات الدولة السوريّة. في حين رأى البعض أنّ انتخاب هيتو بأغلبية 35 صوتًا من أصل 53 عضوًا شاركوا في عملية التصويت بعد انسحاب 9 أعضاء من الاجتماع قبل بدء التصويت، يعبّر عن مدى الانقسام في صفوف المعارضة، علمًا أنّ العدد الكلّي لأعضاء الائتلاف هو 64 عضوًا. كما أثار انتخاب هيتو مواقفَ حذرة في الداخل السوريّ، وتحفُّظ بعض قيادات الجيش الحرّ وكتائبه، على الرغم من أنّ رئيس هيئة الأركان اللواء سليم إدريس - الذي شارك في الاجتماع - أعلن أنّه يدعم "تشكيل حكومةٍ تحظى بإجماع الائتلاف الوطنيّ وقوى المعارضة السياسيّة السوريّة"، وأنّه سيعمل تحت مظلّة هذه الحكومة.


تعارض مواقف القوى الإقليميّة والدوليّة

كان لمواقف بعض القوى الدوليّة دورٌ مؤثّر في تأخير تشكيل الحكومة المؤقّتة وتسمية رئيسها. وكانت الولاياتُ المتّحدة أكثر المتحفّظين على تشكيل الحكومة، وحالت ضغوطها - أكثر من مرّة - دون عقد اجتماعٍ للائتلاف للاتّفاق على موضوع الحكومة. وقد ظلّ الأميركيّون غير متحمّسين للخطوة حتّى اجتماع إسطنبول.

بعد انتخاب غسّان هيتو، سارع الأميركيّون إلى محاولة إفراغ هذه الخطوة من مضمونها. ففي شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجيّة في الكونغرس، رأى السفير الأميركيّ السابق في سورية روبرت فورد أنّ تشكيل حكومةٍ سوريّةٍ مؤقّتة بقيادة المعارضة لن يؤثّر في الجهد الأميركيّ الروسيّ الرّامي إلى تشكيل حكومةٍ انتقاليّة تكون منبثقةً من حوارٍ بين النظام السوريّ والمعارضة. وقال فورد إنّ هذه الحكومة المؤقّتة "مرحليّة" حتى تشكيل حكومة انتقاليّة، وإنّ مسؤولية الحكومة المؤقّتة التي تشكّلها المعارضة ستكون "محصورة في الإشراف الإداريّ على المناطق المحرّرة".

في المقابل، رحّبت دولٌ أوروبيّة، لا سيّما فرنسا وبريطانيا، بتشكيل المعارضة حكومة مؤقّتة وانتخاب غسّان هيتو رئيسًا لها، لكن نظرتهم إلى هذه الخطوة لا تعدو وصفها أداة ضغطٍ أخرى على نظام الأسد لدفعه إلى القبول بمبدأ التفاوض وصولًا إلى تطبيق اتّفاق جنيف. ويمكن عدّ المسعى الفرنسيّ البريطانيّ الرامي إلى رفع الحظر الأوروبيّ عن تسليح المعارضة جزءًا من هذه الإستراتيجية التي تهدف إلى ممارسة مزيدٍ من الضغوط على النظام للقبول بالحلّ السياسيّ عن طريق تعديل موازين القوى العسكريّة على الأرض.


مفاجأة الجامعة العربيّة

على الرغم من الاعتراض الأميركيّ على تشكيل حكومةٍ مؤقّتة تقودها المعارضة، قرّرت الجامعة العربيّة - ونتيجةَ انسداد الأفق أمام أيّ تسوية مع استمرار سقوط عشرات القتلى في سورية يوميًّا - رفع مستوى الضغوط على النظام السوريّ من خلال تجريده من شرعيّته، ولكن شرط الأـمين العامّ للجامعة لمنح المعارضة مقعد سورية كان أن تشكّل حكومةً، لأنّ مقاعد الدول تحتلّها الحكومات وليس الائتلافات. لذلك، دعت القمّة العربيّة في الدوحة (الدورة 24) الائتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة السوريّة إلى شغل مقعد سوريّة في الجامعة العربيّة بعد أن نفّذ الائتلاف القرار المشروط لوزراء الخارجيّة العرب الصادر في يوم 6 آذار / مارس 2013، وشكّل سلطة تنفيذيّة. ويمكن القول إنّ ضغوط الجامعة العربيّة كانت العاملَ الحاسم في دفع المعارضة السوريّة إلى تجاوز الخلاف بشأن تشكيل حكومةٍ مؤقّتة واختيار رئيسٍ لها. ولولا هذه الضغوط، لربما ظلّ النقاش بشأن هذا الموضوع مستمرًّا لفترة طويلة.

شكّلت خطوة الجامعة العربيّة بمنح مقعد سورية للائتلاف الوطنيّ مفاجأةً للكثيرين، وبلورت نمطًا جديدًا من العمل العربيّ المشترك، فهذه هي المرة الأولى التي تقرّ فيها الجامعة مثل هذه الخطوة منذ تأسيسها في عام 1945. حتّى إبّان ثورة 17 فبراير في ليبيا، رفضت الجامعة العربيّة تسليم المجلس الوطنيّ الليبيّ مقعد ليبيا رسميًّا حتّى تحرير العاصمة طرابلس، وسقوط نظام القذافي.

وقد وضعت خطوة الجامعة العربيّة المعارضة السوريّة أمام مسؤوليات كبيرة بعد أن لبّت مطلبها الرئيس بنزع الشرعيّة عربيًّا عن النظام السوريّ، ومهّدت الطريق أمامها لاستكمال هذه العملية دوليًّا، وفتح معركة أحقّية تمثيل الشعب السوري في الأمم المتّحدة. وقد تضمّن البيان الختاميّ لقمّة الدوحة بندًا يحثّ المنظمات الدوليّة والإقليميّة على الاعتراف بالائتلاف الوطني ممثّلًا شرعيًّا ووحيدًا للشعب السوريّ، ومنحه شرعيّةَ وأحقّية تمثيل سورية فيها.


تحدّيات أمام الحكومة المؤقّتة

يعدّ نجاح الائتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة السوريّة في اختيار رئيس حكومةٍ مؤقّتة خطوةً مهمّةً على صعيد تنظيم المعارضة واكتسابها مزيدًا من الشرعيّة. لكن التحدّيات التي تواجهها الحكومة المزمع تشكيلها ستكون كبيرةً، ويترتّب على طريقة تعاملها معها تداعيات مهمّة ستؤثّر في مستقبل سورية. ويتطلّب التحدّي الأوّل تجاوز عقدة تشكيل الحكومة بعد أن تجاوزت المعارضة عقدة رئاستها، والانتقال إلى العمل من داخل الأراضي السوريّة حتى تكون الحكومة المؤقّتة قريبةً من الواقع ومتطلّبات المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وهي دون ذلك لن تكتسب أيّ شرعيّة داخليّة، فالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام تحتاج إلى إدارةٍ حكوميّة  لملء الفراغ الإداريّ الناجم عن غياب سلطة الدولة. وهذا يتطلب تعاونًا وثيقًا مع قيادةِ أركان الجيش الحرّ وكتائب المعارضة المسلّحة على الأرض. وسيكون عليها بعد ذلك تحقيق نتائج جدّية فيما يتعلق بإرساء الأمن وسلطة القانون ومكافحة الجريمة والحدّ من فوضى السلاح، وحماية المنشآت الإستراتيجيّة والمرافق العامّة والخاصّة وتفعيل القضاء والمؤسّسات الإداريّة والخدميّة الواقعة تحت سيطرة الثّوار والتحكّم في المعابر الحدوديّة "المحرّرة".

وسيكون على الحكومة المؤقّتة أيضًا متابعة أوضاع اللّاجئين والنازحين داخل سورية وخارجها، ووضع المخطّطات اللّازمة لتأمين احتياجاتهم الإغاثية، وإعادة من يستطيع - أو يرغب في ذلك- إلى منطقته. وسيكون عليها تأمين الدعم العسكريّ والماليّ للجيش الحرّ وهيئة الأركان والثّوّار وفي ذلك تأكيد قدرتها على السيطرة على مختلف مجموعات المعارضة المسلّحة. إنّ نجاح هذه الحكومة في أن تكون ممثّلة للسوريّين مرتهن بتطوير خطابٍ مقنعٍ بأنّها تمثّل جميع أطياف المجتمع السوريّ، لا فئةً محدّدة منه. وإذا لم يحصل ذلك، سوف تقع الثورة السوريّة - حتّى قبل إسقاط النظام - فيما وقعت فيه الثورة المصريّة بعد انتصارها.

وسيتعيّن عليها الاستمرار في إدارة معركة نزع الشرعيّة عن النظام، أكان ذلك من خلال تطوير خطابٍ إعلاميٍّ يؤثّر في الرأي العامّ العالميّ لمصلحة الثورة السوريّة، أو من خلال الاستفادة من قرارات القمة العربيّة الأخيرة للعمل على انتزاع مقعد سورية في الأمم المتحدة وهيئاتها التابعة والمنظمات الإقليميّة والدولية، الأمر الذي سيمكِّن الحكومة الجديدة من استلام السفارات وتسييرها، والاعتراف بها ممثّلة شرعيّة للدولة السوريّة على نحوٍ يمَكِّنها من الحصول على أموال الشعب السوريّ المجمّدة واستخدامها في تسيير شؤون الحكومة وخدماتها.

يترتّب على الحكومة المؤقّتة أن تواجه جملة هذه التحدّيات إذا كانت ترى نفسها بديلًا للنظام، أمّا إذا كانت ترى نفسها جزءًا من ضغوطٍ تُمارس لدفع النظام للقبول بتسويةٍ سياسيّة كما تراها بعض الأطراف الدوليّة وأطرافٌ داخل الائتلاف، فإنّ ذلك يرتِّب عليها أن تكون مستعدّةً لمواجهة استحقاقات تنفيذ اتّفاق جنيف وتشكيل حكومةٍ انتقاليّة تؤدّي - كما ترى بعض كتل المعارضة - إلى تمهيد الطريق لرحيل النظام.

في الحالات كافّة، ليس لقيادات الثورة السوريّة السياسيّة والعسكريّة مفرٌّ من مواجهة مهامّ مصيريّة لتحقيق إسقاط نظام الاستبداد في سورية، وهي:

  1. وضع إستراتيجيةٍ عسكريّة موحّدة، وتوفير مقوّماتها، بما في ذلك الضغط على الدول الداعمة لتنسّق دعمها على نحوٍ كامل، والضغط على الكتائب في الداخل للقبول بتراتبيّة عسكريّة تمكّن من تنفيذ خططٍ مشتركة. وهذا هو الأمر الأساسيّ.
  2. بناء المؤسسات ووضع الخطط لإدارة حياة المجتمع السوريّ في المناطق المحرّرة وفي المنافي. وذلك من دون حصر العمل في قنواتٍ فئويّة، ومن دون استغلال ذلك لتحقيق مكاسبَ فئويّة سياسيّة.
  3. تطوير خطابٍ سياسيٍّ للثورة موجّه للشعب السوريّ كلّه، واستيعاب المهنيّين من المنشقّين في المؤسّسات العسكريّة والمدنيّة للثورة، إذ لا يمكن الاستغناء عنهم.
  4. تطوير خطابٍ دبلوماسيٍّ وإعلاميٍّ موجّه للغرب لمواجهة الخطاب الذي يقبل رواية النظام التي تركّز على الإرهاب الإسلاميّ وتضع مسألة السلاح الكيماويّ وأمن إسرائيل في المقدّمة.