العنوان هنا
مقالات 23 يونيو ، 2011

الانتفاضة السورية.. هواجس ومسارات

الكلمات المفتاحية

حمزة المصطفى

باحث مساعد. حاصل على الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من معهد الدوحة للدراسات العليا. سكرتير تحرير مجلة "سياسات عربية". عمل باحثًا تنفيذيًا في مركز الشرق للدراسات. صدر له عن المركز العربي كتاب: "المجال العامّ الافتراضي في الثورة السورية: الخصائص، الاتجاهات، آليات صناعة الرأي العامّ". تتركز اهتماماته البحثية في قضايا التحول الديمقراطي، والحركات الإسلامية والجهادية.

انقضت ثلاثةُ أشهرٍ على انطلاق الحركة الاحتجاجيّة في سورية. ولا تزال الأزمة الحاصلة "الحادّة" تراوح في مكانها لجهة نتائجها المعلنة أو في كيفيّة معالجتها وطريقة التعاطي معها سياسياً.  واقع الأمر يدلّل على تفاصيلَ متسارعةٍ في المشهد الاحتجاجي.

ويترافق ذلك مع غياب دور القيادات المسؤولة من أقطاب المعارضة الوطنية وشخصياتها -باستثناءاتٍ نادرةٍ-  في ضبط الشارع، لجهة الشعارات والانحراف الذي قد يأخذ بعداً آخر يحمل في طيّاته مشاكلَ وشروخاتٍ اجتماعيةً وسياسيةً تترك تأثيرها في الحاضر وقد تمتدّ إلى المستقبل. على حين تظهر السلطة السياسية في موقع الافتراق أو " المبتعد "عن  الشارع المنتفض سياسياً. الأمر الذي تُبنى عليه هواجس ومخاوف داخلياً وخارجياً تفرضها مجموعة من المؤشّرات أبرزها:

هناك لغط في علم إدارة الأزمات بين الاعتراف بالأزمة أو تجاهلها كمدخل للتعامل معها وحلّها. بحيث يكون تجاهل الأزمة والتقليل من تداعياتها أحد أبرز مداخل معالجتها آنياً بهدف إدامة الواقع القائم على الاستقرار والنّفور من تغييره. بيْد أنّ هذه الطريقة قد تفيد "آنياً" في معالجة أزماتٍ عماليةٍ أو اقتصاديةٍ ريثما تتوفّر الرّغبة في التغيير. إلاّ أنّ التعاطي مع الأزمات السياسية - التي تندرج تحتها الحالة السورية-  وفق هذه الطريقة قد يكون مؤشّراً يحمل مخاطرَ عديدة، خاصّةً إذا ما ترافق تجاهل الأزمة ورفض الاعتراف بها مع غلبة أدوات الصّدام على أدوات الامتصاص في التّعامل معها.

وجدنا في الحالة السّورية اعترافاً رسمياً ضمنياً بوجود أزمةٍ في الواقع السّياسي والاجتماعي، لكن تمّ التعاطي معها على أساس وجود حالة طارئة  لم تتبلور كظاهرةٍ واضحةٍ يمكن أن تُبنى عليها نتائج. فالمراقب لتطوّر الأحداث في سورية يجد أنه وبعد الكلمة التوجيهيّة للرئيس السوري بشّار الأسد للحكومة الجديدة( 14نيسان 2011)، يلاحظ غياب أيّ تعاطٍ رسمي من قبل المسؤولين مع تطوّرات الشارع، باستثناءات معيّنة جاءت إعلانيةً من قبل وزير الإعلام عند إعلانه عن رغبة السلطات في فتح حوار وطني، أو كردّة فعلٍ على معطياتٍ خارجيةٍ أبرزها تصريحات وزير الخارجية وليد المعلم عشيّة إقرار الاتّحاد الأوروبي مجموعة من العقوبات السياسيّة والاقتصادية على القيادة السوريّة شملت رأس الهرم في الدولة.

وخلال هذه المرحلة، كان العديد من الأكاديميين والإعلاميين القريبين من الأدبيات السياسيّة للسلطة الوحيدين في الساحة الإعلامية. وقد استطاعوا ،بداية الأمر وفي الأيام الأولى من الانتفاضة الشعبية، إنتاج موقفٍ مقابلٍ للخطاب السّياسي المعارض. إلاّ أنّ حضورهم خَبا نتيجة تسارعِ الأحداث من جهة، والإصرار على عدم الاعتراف بالأزمة من خلال الارتكان إلى  مصطلحات سياسية مكرّرة تجمل الحركة الاحتجاجية في إطار " المؤامرة" إلى حدّ وقوع بعضهم في هفواتٍ كبيرةٍ كان لها أثر تأزيمي تصاعدي واستفزازي كوصف أحد "الأكاديميين" المتظاهرين بأنهم " حثالة المجتمع" والتحريض على قتلهم. في حين استخدم أكاديمي آخر  مصطلح " الضيوف" لتوصيف شخصيات المعارضة السورية الوطنيّة التي سيصار إلى إجراء الحوار معها. بعد ذلك تم التعاطي مع الحركة الاحتجاجية على أساس أنها تشكّل حالةً مسلّحةً تهدّد كيان الدولة ككلّ تفترض مواجهتها فرض حلولٍ أمنيّة قمعيّة لوأْدها . تطوّرت في ما بعد إلى  زجّ المؤسّسة العسكرية (الجيش) بفرقٍ معيّنةٍ خاصّة لاجتثاث الحركة من مكان انطلاقتها في درعا ثم انتقلت إلى حمص وسط سوريا، مرورًا بالرستن وتلبيسة إلى مدن ادلب و قراها شمال سورية.

خلال هذه الفترة غابت قيادات الدولة بمختلف أطيافها حكوميّة وبعثية ومنظماتية و جبهوية سياسياً، وظهرت ميدانياً عندما أعلنت ببيانات وزيريْ الإعلام والداخلية القصيرة أنّ ما تواجهه في سوريا  هو تمرّد مسلّح لن تتهاون في مواجهته.

جاءت المقاربة الأساسيّة لتطوّرات الوضع في سوريا خلال خطاب الرئيس بشار الأسد 20 حزيران/ يونيو 2011، ليقترب التعاطي الرسمي من الأدبيات التي حاولت السلطة نقْلها عبر الشخصيات الإعلامية المقرّبة، فقد ركّز الرئيس بشار الأسد على وجود " محنة" تمرّ بها سوريا مردّها أعمال التخريب التي نتجت  من جهات مرتبطة بمؤامرة خارجية استغلّت التظاهر الذي أجمل قسمه الأكبر بالمطلبي لتنفيذ المخطّط.

 وقد طرح وعودًا إصلاحيّة ذات بعد فضفاض يلامس أحيانًا القضايا الأساسية دون أن يدلّل على إجراءات عمليّة معتبرًا رغبة النظام في ذلك تأتي كاستمرار  لمسيرته " الإصلاحية" التي امتدّت خلال العقد الماضي. كما حمّل الحوار الوطني مسؤوليّة إزالة العقبات الدستورية والإجرائية التي تمنع تبلوره سواء فيما يتعلّق بمشروع قانون الانتخاب وقانون الأحزاب، فاتحًا الأفق الزمني إلى سنوات مقبلة لبلورة تعديل دستوري أو إنتاج دستورٍ جديد.

ابتعد الرئيس الأسد خلال خطابه عن الاعتراف بوجود أزمة في بنية نظامه السياسي، وأجمل الخلل الحاصل بشكل وصورة الواقع السياسي الثابت والذي امتدّ خمسة عقود.

لا تمرّ سورية في نظر  النظام بأزمة حقيقية إنّما حالة اختلطت فيها المطالب المعيشيّة والسياسية مع حالة تخريبية خارجية تستهدف الدولة ككيان. وهو ما يجعل الوضع في سوريا ينطوي على الكثير من المخاطر لجهة عدم الحسم في رجحان الحلّ السياسي على عداه من حلول، واستمرار التعاطي مع الحركة الاحتجاجية بأنها ظاهرة " خارجة عن القانون".