العنوان هنا
مقالات 08 يناير ، 2012

اليمن.. إلى أين؟

الكلمات المفتاحية

فؤاد الصلاحي

من مواليد عام 1962 في محافظة تعز / اليمن، حاصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع السياسي عام 1997 ، جامعة عين شمس/ القاهرة ، يشغل حاليا أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء و خبير استشاري في مجال المجتمع المدني وحقوق الانسان وعضو مشارك في عدد من منظمات المجتمع المدني والمراكز البحثية في اليمن. نشر العشرات من الدراسات والأبحاث في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وفي قضايا السكان والتنمية، والدولة والنظام السياسي، ولهد العديد من الدراسات والأبحاث عن المرأة ، والنوع الاجتماعي، وهو عضو في عدد من المنظمات المدنية في اليمن، وشارك في كثير من الندوات والمؤتمرات وورش العكل في اليمن وخارجه. * للباحث مقالات متعددة في مختلف الصحف اليمنية(باللغتين العربية والإنجليزية)حول قضايا: المجتمع المدني ،الديموقراطية، الدولة الحديثة، حقوق الانسان، العولمة. ومن مؤلفاته: سيسيولوجيا الظاهرة الحزبية في اليمن/ المركز العربي للدراسات الاستراتيجية/دمشق/أكتوبر 2009، قضايا المرأة الريفية من منظور النوع الاجتماعي/ملتقى المرأة للدراسات/ تعز/ مارس 2004 ، الدور السياسي للمرأة اليمنية من منظور النوع الاجتماعي / فريدريش ايبرت / يناير 2005.

تتعقّدُ ملامحُ المشهدِ السّياسيّ اليمنيّ في كُلّ خُطوةٍ يخطوها نحو ما يُقالُ إنّها تسوية بين الأطراف المتصارعة، وهذا التّعبيرُ -في ذاته- يعكس أهمّ مظاهر التّعقيد.. فالتّعبيرُ عن الأطراف، إنّما يُخِلُّ بحقيقةِ المشهد السّياسيّ؛ حيث الشّعبُ طرف، والنّظام طرف آخر! في حين يتّجه الوسطاء إلى اعتبار المعارضة الحزبيّة طرفًا مقابلًا للنّظام، وهنا تتمّ التّسوية بينهما.. في وقت ٍلا تمثّل فيه المعارضةُ الحزبيّةُ غير مكوِّن واحد من مكوّنات الثّورة الّتي لا يُراد الاعترافُ بها من الوُسطاءِ من دول الجوار (لأنّ تعبير الثّورة؛ يخلُقُ لديهم تحسُّسًا وقلقًا ومخاوفَ عديدةً ) وهنا لم تعد الأحزابُ قادرةً على التَّحكُّمِ في السّاحات ومكوِّنَاتها المُختلفة ولا تستطيع، إن هي حاولت ذلك.. فالمشهدُ العامُّ أظهرَ مجموعاتٍ ومكوِّنات حزبيّةً وحركيّةً، أصبحت مُقَرِّرَةً في الشّأنِ السّياسيّ، ولا يُمكِنُ استبعادُها من أيِّ تسويةٍ؛ ومن هؤلاء: الحُوثِيُّون، والحَراكُ الجنوبيّ، ومُعارَضَةُ الخارج، والمُستَقِلُّون. هذا؛ وتظلُّ السّاحاتُ تُفرِزُ كلَّ يومٍ فصيلًا سِياسيًّا جديدًا يُعلِنُ عن حضوره بأجندته السّياسيّة.

وهكذا تكون القراءةُ الخاطئةُ للمشهد السّياسيّ اليمنيّ مدخلًا لمعالجاتٍ خاطئةٍ تُوَلِّدُ مزيدًا من تعقيداتِ المشهدِ، وتدفعُ به للانزلاقِ نحوَ مخاطرِ الانهيار الكُلِّيّ للدّولة والمجتمع.. وهنا يُمكِنُ القولُ: إنّ طبيعةَ الصِّراعِ القائمة، لا مجالَ للانحرافِ بها عن مجراها الرئيس في التّغييرِ السّياسيّ الشّامل، وإعادة هيكلة النّظام وفق ترتيباتٍ سياسيّةٍ جديدةٍ تَعتَمِدُ تَغَيُّرًا في بنية النّظام وأدواتِه وخطابِه وسياساتِه. وهنا تَظهَرُ واحدةٌ من تلك التّعقيدات الخطيرة المُهَدِّدَة لوَحدة الجغرافيا والإنسان في اليمن؛ حيثُ الإصرارُ من بعض المُكَوِّنَات على مشرُوعِها في فكِّ الارتباطِ -وهو أمرٌ سياسيّ بامتياز- يقابلُه مشروعٌ آخر له واجِهَةٌ سياسيّةٌ، لكنّهُ ذو ارتباطٍ عصْبَوِيّ بمرجِعِيَّته المذهبيّة.. وبينهما تبرز مشاريعُ استمرارِ الوحدة في إطارِ نظامٍ سياسيٍّ جديدٍ يَعتَمِدُ الفيدراليّةَ خيارًا سياسيًّا يُعِيدُ ترسيمَ العَلاقَة بين المركزِ السّياسيّ وقاعدته في المجتمع المحليّ.. وهنا تَتَغَيّر طبيعةُ النّظام وإجراءاته السّياسيّة والدّستوريَّة.

وإذا كان الواقعُ يُظهِرُ تَحَرُّكًا نحوَ التّسوية بين طرفين اثنين في المشهد العامّ من خلال الإقرارِ بالمُبادرةِ الخليجيّة (السّعوديّة في الأساس) وما أعقبَ ذلك من تَهدِئةٍ مُصطَنَعَةٍ وتشكيل حكومة مُحاصصة بينهما، إلّا أنّ المشهدَ العامَّ لا يزالُ كما كان قبلَ إقرارِ التّسويَة.. فالسّاحاتُ لا تزالُ مُمتلِئةً بالمتظاهرين، ورفضهم مستمرّ لتلك المُبادرة خاصّةً وأنّها قد تضمّنت نقطةً تعدّ مدخلًا لفشلِها، وهي الّتي تتعلّقُ بمنح الحماية القانونيّة للرّئيس ومجموعاته.

وهنا يظهرُ الموروثُ الاجتماعيّ القَبَلِيّ في التّعامُلِ مع هذه النُّقطة؛ فليس من قِيم القبيلة السُّكوتُ عن القاتل، بل لابُدَّ من الثّأرِ، وهي عمليّةٌ لا يُمكِنُ التّحَكُّمُ فيها عبرَ مُفاوضاتٍ سياسيّةٍ بين أطرافٍ ليس من بينها أصحابُ الثّأر؛ وسيَتَحَوَّلُ العملُ الثّأرِيّ إلى اقتتالٍ قَبَلِيّ وأهليّ، إذا تمَّ تمويلُهُ خارِجِيًّا.

ومن جانبه لا يُمكِنُ القولُ بقناعاتٍ كاملة لدَى الرّئيس صالح، وفق توقيعِه المُبادرة، فهو لا يزالُ مُمسِكًا بأهمِّ مصادرِ القُوّةِ بسيطرتِه على الجُزءِ الأكبرِ من المُؤسّسةِ العسكريّةِ ومصادرِ التّمويل.. إضافةً إلى استمرار دعمِه إقليميًّا ودوليًّا، لعدم رغبةِ هؤلاء في التّغييرِ السِّياسيّ الشّامل، وإخراجِ النّظامِ من المشهد العامّ. إنَّ ما قدّمَهُ النّظامُ لهؤلاء من خدمات كبيرة، لا يُمكِنُ لأيِّ نُخبَةٍ سياسيّة قادمة أن تُقَدِّمَ مِثلَهُ أو تُجاريَه في تنفيذِهِ لسياساتِ محاورَ إقليميّةٍ ودوليّةٍ لا تخدمُ الشّأنَ اليمنيّ في الدّاخل.

إنّ التّهليلَ لمسارِ التّسوِيَة، والإقرار بدورِ النّائبِ كرئيسٍ بديلٍ لمرحلةٍ مؤقّتَةٍ، مع اقتسامِ الحقائبِ الوِزاريَّةِ بين النّظامِ والمُعارضَةِ الحِزبيّة؛ إنّما يحملُ في طيّاته عُنصرًا لتفجيرِ المَشهد، من خلال عدم إقرار الرّئيس عمليًّا ببنُودِ التّسوية. ووَفقًا لثقافةِ الرّئيس القَبَلِيَّة والعصبَوِيَّة، فإنّهُ لا يستسيغُ فكرةَ إجبارِهِ على التّنَحِّي عن السُّلطة، فذاك أمرٌ مَعِيبٌ في الثّقَافةِ القَبَلِيَّة (وإن كان مقبولًا في منطقِ الدّولة وثقافتِها المدنيّة). ولأنّ مجموعاتِه المُتحالف معها من كبارِ رجالِ النّظامِ من العسكريّين والأمنيّين والاقتصاديّين غير المُوافقين على التّسوية الّتي ستُخرجهم بلا شكٍّ من مواقعهم القياديّة. ولهذا؛ فإنّهم غيرُ مُطمَئِنِّين إلى ما سيحدُثُ لهم.. حيثُ السّاحاتُ لا تَفتَأُ ترفع سقفَ مطالبِها بمُحاسبةِ رُموز الفساد وناهِبي المالِ العامّ من أقرباءِ الرَّئيسِ وقيادات حِزبِهِ.. وتبعًا لذلك؛ يُمكنُنَا أن نتوقّعَ سيناريوهاتٍ كارثيّةً خلالَ فَترة التّسعينَ يومًا من رِئاسَةِ النّائب، لإحداثِ اضطرابات كبيرة تَشُلُّ مسارَ التّهدِئَة، وتُعِيدُ الأمرَ إلى مُرَبَّعِهِ الأوّل بالتّخطِيطِ لاغتيالِ النّائبِ أو رئيس الحكومة، وإحداثِ اضطراباتٍ أَمنِيَّة وعسكريّة عن طريق ِخلقِ بُؤَرٍ مُتَعَدِّدَةٍ للتّصادُمِ بين الحُوثِيّينَ وحزبِ الإصلاح، أو تنظيم القاعدَة وتفجيراتِه المُزعزِعَة للاستقرارِ، أو تخليقِ بُؤرِ اقتتالٍ قَبَلِيَّة فضلًا عن استمرارِ المعارِك بينَ أطرافٍ عسكريّةٍ وواجهاتٍ قَبَلِيَّة داعِمَة للتّغييرِ الثّورِيّ.

والجديدُ في هذا المسارِ أنّ عددًا من القُوى السّياسيّة ومُكَوِّنَات الثّورة، يطرحُ -علنًا- إخراجَ منصبِ الرّئيس من قاعدتِه القَبَلِيَّة ومرجِعِيَّتِها المذهَبِيَّة (حاشدِيَّته وإطارها المَذهَبِيّ) ومن صفتِه العسكريّة أيضًا؛ وهو الأمرُ الّذي يستخدِمُهُ الرّئيسُ في إثارَةِ نعْرَاتٍ قَبَلِيَّة من حاشد، حيثُ يُصَوّرُ الأمر وكأنّهُ موجَّهٌ نحو القبيلة، وهذا ما يلقى قَبُولًا لدَى قياداتِ القبيلة، حتّى تلك المؤيِّدة للثّورة، وهم؛ وإن كانوا لا يُعلِنونَ مُوافقتَهم للرّئيس، إلّا أنّهم لا يَرغَبُونَ -البتّة- في إخراج هذا المنصب عن حاشِدِيّتِه.

فبروزُ هذه القبيلةِ سياسيًّا واقتصاديًّا، جاء من خلال هذا المنصِب ومُقتضياتِه، في توسيعِ دائرةِ أهلِ الثّقَة من الحَلقَات الأقربِ عصبوِيًّا.. فكان ظهورُ عشراتِ القادةِ عسكريًّا وأمنيًّا وكبارِ رموزِ قطاعِ الأعمالِ بالاستنادِ إلى تسهيلاتِ النّظامِ وتعامُلاتِهِ معهم؛ بغضِّ النَّظرِ عن خطط توريثِ الأبناءِ لكلِّ رموزِ النُّخبَةِ، وهو الأمرُ الّذي سادَ بوُضوحٍ بعدَ حربِ صيف 1994.

إنّنا بصددِ نُخبةٍ ذاتِ مرجعيّةٍ قَبَلِيَّةٍ ومَذهَبِيَّة تتحالَفُ مع أفرادٍ من مَرجِعِيَّاتٍ قَبَلِيَّة ومَذهَبِيَّة أُخرى استطاعت استملاكَ السّلطة والثّروة وتغييب مرتكزاتِ الدّولةِ القانُونِيَّة والمُؤسّسِيَّة، وجعلت من نفسِها مراكزَ نُفوذٍ ومرجعيّاتِ ارتباطٍ للآخرينَ بدلًا عن المُؤسّسات. من هنا؛ نُدرِكُ حجمَ المُقاومة للثّورة، وللتّسوِيَةِ الّتي قد تُخرِجُ بعضَ هؤلاء من مواقعهم القياديّة.

إنّ تعقيداتِ المشهدِ السّياسيّ اليمنيّ، تَرتَبِطُ بتعقيدِ بنيته الاجتماعيّة وتداخلاتِها قبليًّا ومذهبيًّا ومناطقيًّا، مع حضورِ مكَوِّنَاتٍ سياسيَّةٍ وطنيَّةٍ ذاتِ ارتباطٍ حِزبيٍّ يُعلِي من أَجندَتِهِ التّحديثيَّةِ في إطارِ الوطن، بما هو فوقَ مصالحِ القبيلة ومرجعيّاتِها.

وهنا تبرُزُ علاقاتُ الدّاخلِ بالخارجِ الإقليميّ والدّوليّ؛ ليس من خلال عَلاقة الدّولة في اليمن بنظيراتِها إقليميًّا ودوليًّا، بل المقصودُ علاقاتُ رموزِ القبيلة مع دُول الجوار (الأُسر الحاكمة) ذات التّكوين الأُسَرِيّ والقبليّ، وامتيازات العائد النِّفطِيّ.

يُمكِنُنَا القولُ؛ إنّ المشهدَ السّياسيَّ اليمنيّ، ليس مُعطًى مَحلِّيًّا أو داخِلِيًّا فحسب، لكِنَّهُ مُعطى إقليميّ ودوليّ، وَفقَ أنماطٍ من العَلاقاتِ والتّفاعلات، تمّ صَكُّها مع فاعلينَ غير رسميّين، لكنّهم مقرِّرُون في المشهدِ السّياسيّ وصناعَةِ الاستقرَار.. وهذا الأمرُ محلُّ تَجَاذُباتٍ داخل المشهد السّياسيّ، حيثُ برزت مُكَوِّنَاتٌ سياسيّة ترفُضُ استمرارَ التّميُّزِ لرموز قَبَلِيَّةٍ تجعلُ من نفسها بديلًا للنّظام، لها ارتباطاتٌ بأحزابٍ ذات مرجعيّةٍ دينيّة، وتَستَنِدُ في تحالفاتِها مع جناحٍ عسكريّ مُنشَقٍّ عن النِّظام. ووفقًا لذلك؛ يرى الآخرون من مُكَوِّنَات الثّورة والعمل السّياسيّ، ضرورةَ إعادةِ الاعتبار للدّولة ككيانٍ سياسيّ قانونيّ مُمَثِّل لوحدة الوطن والإنسان، والعمل وَفقَ أُطُرٍ مُؤَسَّسِيَّةٍ مُشَرعنَة قانونًا، بعيدًا عن الكِياناتِ القَبَلِيَّةِ والمَذهَبِيَّةِ الّتي تضرُّ بمصالحِ الوطنِ ووحدَتِه.

ولأنّنا في اليمن لا نمتلكُ إرثَ خِبراتٍ مُترَاكِمَةٍ في البناءِ المُؤسّسيّ للدّولَةِ الحديثة وآليّاتِها القانُونِيَّة، حيثُ العقلُ السّياسيُّ اليمنيّ لا يستَنِدُ إلى مُحَدِّدَاتِ الدُّستورِ ونواظِمِ العملِ المُؤَسّسيّ.. لذا فالحاجةُ ماسّة إلى إعادةِ الاعتبارِ للدّولةِ ونظامِها السّياسيّ، وإلى العملِ عبرَ الآليّاتِ القانُونِيَّة والمُؤسّسيّة، وهو ما لا تُقِرُّهُ مجموعاتُ المصالح، ورموزُ الفسادِ الّتي تُسيطرُ -عمليًّا- على غالبيّةِ المُؤَسّساتِ العسكريّة والأمنيّة والاقتصاديّة.

ونجاحُ الثّورةِ يَتَحَقَّقُ؛ ليس بإطاحةِ الرّئيس (تغييره أو ترحيله)، بل بِهَيكَلَةِ مؤسّساتِ الدّولة، وما يرافِقُ ذلك من قياداتٍ جديدة لم تكُن من رموز النّظام، وهو الأمرُ الّذي يترتّبُ عليه تغييرٌ كبير في شكل النّظام وطبيعته، وفي قياداتِهِ ذاتِ الجُذور الاجتماعيّة المُغايرَة للنُّخبة السّابقَة. لكنّ هذا؛ قد لا يتحقّقُ بالكامل، فدونَهُ تعقيداتٌ قد تُفَجِّرُ المشهدَ بِرُمَّتِه؛ وذلك ليس من قُوَّةِ مُقاومَةِ رموزِ النّظامِ السّابق، بل من دعمِ الخارجِ الإقليميّ والدّوليّ لِذَاتِ النُّخَبِ، ورفضها إكمال مسارِ التّغيير بطبيعتِه الثّوريّة.

فالنّظامُ السعوديّ على وجه الخصوص، لا يُقِرُّ بتعبيرِ الثّورة ودلالاتِها في التّغيير، فهو حاربَ الثّورة عامَ 1962، ولم يستقرّ الوضعُ حينذاك إلّا بعد ثمانِي سنواتٍ من الحرب الأهليّة بين قوى الثّورة والقوى المضادّة لها، والمدعومة سعوديًّا وأميركيًّا. وذاتُ النّظام؛ ارتعدت فرائصُهُ من الثّورةِ في الجنوب، واعتماد نظامٍ اشتراكيّ التّوَجُّه، فكان له بالمرصاد، في إطار حروبٍ بالوكالة لصالح الولايات المتّحدة في حروبها المعلنة ضدَّ الاتّحادِ السّوفييتيّ.

رغم التّرحيبِ الشّكليِّ من السّعوديّة بوحدَةِ اليمن، إلّا أنّها كانت قلقةً من تحرّك المشهد اليمنيّ عام 1992، في إطار نظام سياسيّ قويٍّ له قاعدةٌ ديموغرافيّة كبيرة (عدد سكّان اليمن يفوقُ عدد سُكّانِ دول الخليج مجتمعة)، وهنا لا تقبلُ السعوديّة تغييرًا ثوريًّا على حدودِها الجنوبيّة، كما أنّها لم تقبل إصلاحاتٍ ديمقراطيّةً ودُستوريّةً على حدودِها الشّرقيّة (البحرين).

وإذا كان الخارجُ الإقليميُّ والدّوليُّ داعمًا للتّغييرِ السّياسيّ في ليبيا (ومصر وتونس إلى حدٍّ ما ) وفي سوريّة، إلّا أنّهُ يُعيقُ التّغييرَ في اليمن، ويسعى إلى تجميد المسار الثّوريّ وتحويله نحو مساومات، في إطار إصلاحٍ جُزئيّ ومحدود في بعض القيادات السّياسيّة والعسكريّة؛ وهنا يتمّ إعادةُ بناء النّظام السّابق وإخراجُه بملامحَ تبدُو و كأنّها جديدة.

صفوةُ القول.. إنّ مفتاحَ الاستقرارِ السّياسيّ والاجتماعيّ في اليمن، يَكمُن في إكمالِ مسارِ التّغييرِ السّياسيّ الشّامل، لتثبيت أُسُس الدّولة المَدنيّة ومُرتكزاتِها في المُواطنة وسيادةِ القانون، واعتماد سياساتٍ اقتصاديّة رشيدة، وهنا؛ لابُدَّ من التّوافُقِ المجتمعيّ على قواعدِ العملِ السّياسيّ الوطنيّ وآليّاتِه، بعيدًا عن المرجعيّاتِ القبليّةِ والمذهبيّة، تأسيسًا للوطنِ الجامع، ودعمًا وترسيخًا لِوحدَتِه، في إطار منظورٍ سياسيّ وإنمائيّ، يعتمدُ الفيدراليَّة في تَعَدُّدِ الأقاليمِ الّتي تعمل في إطار الدّولة الواحدة.