العنوان هنا
مقالات 29 أبريل ، 2013

مؤشرات التصويت في الاستفتاء على الدستور والانتخابات المصرية

الكلمات المفتاحية

فراس أبو هلال

باحث متخصّص في شؤون الشرق الأوسط، ينشر دراسات وتقارير محكمَة في مراكز دراسات عربية. يعمل حاليا باحثا ومعدَّ برامج سياسية وأفلام وثائقية في مؤسسة " سيج ميديا " في لندن. عمل باحثا غير متفرّغ في مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت في العامين 2006 و2007، وأعدّ للمركز دراسة صدرت ضمن سلسلة " أو لست إنسانا " عنوانها " معاناة الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي "، صدرت سنة 2009. يكتب مقالات رأي في عدد من الصّحف العربية.

انتهى الاستفتاء على الدستور المصري الجديد، وأصبح أمرًا واقعًا بغض النظر عن الاختلاف بين القوى السياسية والثورية المصرية بشأنه. ولكنّ الأسئلة والخلافات المتعلقة بالدستور أو بالاستفتاء عليه لم تنته بعد، وربما تستمر إلى فترة طويلة. ومن أهم ما يتعين أن يأخذ حيزًا مهمًا في نقاش هذا الموضوع، دلالات مؤشرات التصويت سواء في الاستفتاء على الدستور أم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي سبقته، والرسائل التي تبعثها أرقام التصويت بالنسبة إلى الأطراف كافة من مؤيدين ومعارضين، وذلك من أجل الاستفادة منها في التحضير لخوض انتخابات مجلس الشعب القادمة.


نسبة المشاركة: بين القراءة الموضوعية والرغائبية

منذ انتهاء التصويت في الاستفتاء على الدستور المصري الجديد في كانون الأول/ ديسمبر 2012، استخدمت الأطراف المعارضة عدد المصوّتين ونسبتهم إلى العدد الكلي الذي يحق له التصويت للبرهنة على أنّ هذه النسبة تقلّ كثيرًا عن نسبة التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وكذلك عن نسبة التصويت في الاستفتاء على الإعلان الدستوري المكمّل في 19 آذار/ مارس 2011. ويعني ذلك بحسب هذه الأطراف، أنّ هناك حالة من عدم الرضى عن الدستور أولًا، وأنّ هناك عزوفًا شعبيًا عن المشاركة السياسية بسبب سوء إدارة شؤون الدولة من قبل الرئاسة والحكومة.

وعند المقارنة بين أرقام المصوّتين في الاستفتاء على الدستور والانتخابات الأخرى، نجد أنّ نسبة المشاركين في الاستفتاء تقلّ بالفعل عن كلٍ من انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية؛ إذ بلغت نسبة المصوّتين في الاستفتاء على الدستور 32.9%[1]، بينما وصلت هذه النسبة إلى نحو 55.7% في انتخابات مجلس الشعب السابقة[2]، و49.6% تقريبًا في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة التي أجريت في حزيران/ يونيو 2012 [3]، وهو فرق كبير نحاول قراءة أسبابه.

ولكنّ المقارنة بين الاستفتاء على الدستور الجديد والاستفتاء على الإعلان الدستوري المكمّل، تظهر أنّ الفرق بين أعداد المشاركين ونسبهم ليس كبيرًا كما كانت تروّج المعارضة؛ فقد بلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء على الإعلان الدستوري المكمّل نحو 35.7% (18.54 مليون حسب الموقع الرسمي للجنة العليا للانتخابات[4])، فيما انخفضت هذه النسبة إلى 32.9%؛ أي بمشاركة 17.06 مليون ناخب في الاستفتاء على الدستور[5]، وهو ما يظهر بالفعل حصول تراجع في نسبة المشاركة، لكنّه يعد تراجعًا قليلًا وليس كارثيًا كما كان يروِّج البعض.

إنّ القراءة الموضوعية البعيدة عن التفسير الرغائبي لأعداد المشاركين في التصويت، تشير إلى أنّ انخفاض نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور بأقل من 3% عن الاستفتاء على الإعلان الدستوري المكمّل، هو نتيجة طبيعية لتراجع الحماس الشعبي للمشاركة السياسية مع مضي الوقت؛ إذ إنّ الاستفتاء الأول جرى بعد نحو شهرين من تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، بينما جرى الاستفتاء الثاني بعد نحو سنتين، وهو وقت كفيل بتقليل الرغبة الشعبية في المشاركة في العملية السياسية. وبهذا، فلا يمكن المقارنة بين الفترة الأولى التي أعقبت الثورة بكل زخمها الثوري والشعبي وبين الوقت الحالي، كما لا يمكن أن نُغفل عامل الوقت ودوره في تناقص الشعور لدى الفئات غير المسيّسة من الشعب بقدرتها على التأثير في أوضاع البلاد من خلال المشاركة في الانتخابات. ولكنّ الحديث عن نسبة المشاركة باعتبارها مؤشرًا على " الكفر" الشعبي بالعملية السياسية وسوء إدارة البلاد لا يمكن أن يكون مبنيًا إلا على قراءة رغائبية للأحداث بعيدًا عن التحليل الرصين.


بين أولويات الشعب وأولويات النخبة

كما ذكرنا سابقًا، فإنّ نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور والإعلان الدستوري المكمّل هي أقل بكثير من نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فما هي الأسباب وراء هذا التفاوت الكبير؟ وما هي الرسالة التي لا بد للنخبة السياسية في الحكم والمعارضة أن تقرأها من هذه الأرقام؟

يرجع ارتفاع المشاركة الشعبية في الانتخابات البرلمانية مقارنة بالاستفتاءين إلى عدة عوامل أهمها: الدور الذي تؤديه العلاقات الاجتماعية والعائلية والطائفية أحيانًا بين المرشحين والناخبين، وهو ما يدفع الناخبين لتحمّل عناء المشاركة رغبةً في دعم مرشحين ينتمون إلى العائلة أو العشيرة أو الطائفة نفسها. كما لا يمكن إغفال القرب الزمني النسبي بين هذه الانتخابات والثورة. إضافة إلى ذلك، فإنّ العدد الكبير من الأحزاب المشاركة في هذه الانتخابات وما تبعه من حملات انتخابية واسعة الانتشار أدت إلى الارتفاع النسبي في أعداد المشاركين في التصويت.

أمّا على صعيد الانتخابات الرئاسية، فقد ساهم الاستقطاب الحاد فيها بين قوى الإسلام السياسي وبعض القوى والأحزاب الثورية من جهة وبين أنصار النظام القديم وخصوم الإسلاميين من جهة أخرى إلى ارتفاع نسبة المشاركة.

ولكنّ العامل الأهم الذي قد يشترك في رفع نسبة المشاركة في كل من انتخابات مجلس الشعب والرئاسة مقارنة بالاستفتاءين، هو ذلك المتعلق باقتناع الناخبين أنّ التغيير للأفضل قد يأتي من خلال مجلس الشعب والرئاسة، باعتبارهما يمثلان السلطات التشريعية والرقابية والتنفيذية، إضافة إلى الدور الخدماتي الذي يمكن أن يقوم به نواب مجلس الشعب، وهي سلطات تؤثر بشكل مباشر في الحياة اليومية للمواطنين، سواء كان ذلك من خلال سَنّ القوانين التي تخدم مختلف فئات الشعب، أو الرقابة التي يمثلها مجلس الشعب على أداء الحكومة، أو من خلال السلطات التنفيذية الواسعة لرئيس الجمهورية التي يمكن أن تغيّر من الواقع البائس الذي تعيشه فئات واسعة من الشعب المصري.

وتظهر هذه القراءة البون الشاسع بين أولويات النخبة بمختلف أطيافها وأولويات الشعب. فبينما كانت المعركة السياسية محتدمة على نطاق واسع وخطير بين النخب على كتابة الدستور والاستفتاء عليه، لم يُعر الشعب المصري الاهتمام نفسه للاستفتاء على الدستور (أو حتى على الإعلان الدستور المكمّل) مقارنة باهتمامه بانتخابات مجلس الشعب والرئاسة. ويرجع ذلك إلى عدم اقتناعه بجوهر التغيير الذي سيحمله هذا الدستور، في مقابل سعيه للنهوض بحياته من خلال العمل اليومي للسلطتين التنفيذية والتشريعية.

ولذلك فإنّ الرسالة المهمة التي تُفهم من نسبة المشاركة المنخفضة في الاستفتاء على الدستور هي أنّ المواطن يريد التغيير الحقيقي بعيدًا عن الصراعات الأيديولوجية، فما يهمه هو الخروج من براثن الفقر والجوع من خلال استقرار الدولة والبدء بالعمل الجاد للتغيير، بعيدًا عن الخلافات الأيديولوجية التي وضعت البلاد على صفيح ساخن، وهو ما يعني أنّ النخبة يجب أن تؤجل صراعاتها تلك في مقابل إعطاء الأولوية للتغيير على الأرض.

وليس المقصود من هذه القراءة التقليل من أهمية الدستور، فهو الأساس الذي ستبنى عليه القوانين التي تؤثر بدورها مباشرة في حياة المواطن، ولكنّ المقصود هو أنّ التركيز يجب أن ينصبَّ على تغيير القوانين والنهوض بالاقتصاد والقضاء على الفساد وإصلاح منظومة العمل في مؤسسات الدولة وفي القضاء، وغيرها من جوانب الحياة اليومية التي تمس المواطن، خصوصًا عندما نعلم أنّ معظم الدول العربية لديها دساتير متقدمة، ولكنّها مع ذلك لا تطبق من هذه الدساتير إلا ما يناسب مصالح السلطة والنخبة المتحالفة معها.


رسائل التصويت إلى الإسلاميين والحكم

إذا صح اعتبار التصويت بنعم على الدستور كمؤشرٍ على شعبية الإسلاميين والأحزاب المؤيدة لهم، فإنّ النتائج تشير إلى استمرار حصول الإسلاميين على أكبر تأييد شعبي في المناطق الريفية والصعيد، إذ صوتت هذه المناطق في المجمل بقوة لصالح الدستور الذي حشد الإسلاميون قواهم كافة لتأييده. ولكنّ الأمر كان مختلفًا في المدن الرئيسة، إذ صوتت الأغلبية لرفض الدستور في القاهرة والغربية والمنوفية على سبيل المثال، فيما كان التصويت في كل من الإسكندرية والدقهلية وبور سعيد لصالح الدستور ولكن بنسب متدنية مقارنة بالصعيد والأرياف، مع ملاحظة أن بعض عواصم هذه المحافظات (مثل المنصورة عاصمة الدقهلية) صوتت ضد الدستور[6].

إنّ المؤشر الرئيس لهذه النسب هو موجّه بالأساس إلى القوى الإسلامية، التي يبدو أنّها لم تستطع اختراق النخب المثقفة والأكثر تعلّمًا في المدن الحضرية الرئيسة، وهو ما يجعلها مضطرة للسعي لاتخاذ سياسات تحدث نوعًا من التوافق المجتمعي حولها من خلال الوصول إلى هذه النخب. وتكمن أهمية هذا المؤشر في أنّ عمود التغيير الرئيس عادة هو أبناء الطبقة الوسطى من الشعب، وهو ما يعني أنّ الإسلاميين - خصوصا إذا استمروا في الحكم عبر الانتخابات القادمة - سيكونون ملزمين بالبحث عن عوامل مشتركة بينهم والنخبة من أبناء الطبقة الوسطى.

وإضافة إلى ذلك، لا بد من الأخذ في الاعتبار أنّ نسبة معتبرة من هذه النخب هي ممن كانوا يستفيدون من النظام السابق بطرق مشروعة أو غير مشروعة، وهو ما يعني أنّ على النظام الجديد طمأنة الفئات كافة بأنّه سيعمل لصالح جميع الفئات الشعبية، وأنّه على الرغم من تركيزه على رعايته للفئات المهمّشة، فإنّ ذلك لن يكون على حساب الفئات الأخرى من الشعب.

وفي إطار الحديث عن ضرورة طمأنة فئات الشعب كافة، فإنّ بعض الأرقام التي تشير إلى ارتفاع التصويت ضد الدستور في الدوائر واللجان التي يوجد بها أقباط، يجب أنّ تدفع الإسلاميين إلى التفكير بسياسات خلّاقة لطمأنة هذه الفئة من الشعب، وتقديم إجابات بشأن مخاوفها، حتى لو كان الإسلاميون يعتبرونها مخاوف غير حقيقية أو مفتعلة.


رسائل التصويت إلى المعارضة

لا تقلّ أهمية الرسائل التي ترسلها أرقام التصويت للمعارضة عن تلك التي ترسلها للإسلاميين وللرئيس والحكومة. ولعل أهم هذه الرسائل هي أنّ النخبة المعارضة والأحزاب التي تطلق على نفسها اسم "المدنية" فشلت حتى الآن بالوصول إلى الفئات الفقيرة وغير المتعلمة والمهمّشة من الشعب، وذلك من خلال قراءة التصويت في المناطق الريفية والصعيد التي صوتت بنسب مرتفعة لصالح الدستور.

لقد فشلت هذه النخبة بتقديم خطاب سياسي مقنع لتلك الفئات، كما فشلت أيضًا - على عكس الحركات الإسلامية - بالتواصل المباشر من خلال كوادرها الحزبية وجمعياتها ومؤسساتها أو ما يُعرف في أدبيات نظرية الحركات الاجتماعية بـ "مؤسسات الحشد الجماهيري". ويعني ذلك أنّ "القوى المدنية" ستبقى خارج دائرة التأثير المنافس للقوى الإسلامية ما لم تكفّ عن الاستعلاء على الفئات الشعبية ووصفها بالجهل والأميّة وعدم القدرة على اتخاذ القرار، والانتقال بدلًا من ذلك إلى سياسة التواصل الجماهيري وتلمّس حاجات الفئات المهمّشة، والنظر إليها بندية ومن دون استعلاء، وتقديم خطاب سياسي مقنع لها.

أما المؤشر التصويتي الثاني الذي يجب على المعارضة الانتباه له، فهو ارتفاع نسبة التصويت لصالح الدستور مقارنة بنسبة التصويت لصالح الدكتور محمد مرسي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، حيث ارتفعت النسبة لصالح الدستور في المحافظات المصرية كافة باستثناء الإسكندرية والقاهرة ومصريي الخارج، وتجاوزت نسبة هذا الارتفاع في سبع محافظات 20 في المئة وهي الشرقية، المنوفية، سوهاج، قنا، أسوان، الوادي الجديد، والأقصر. وثمة ضرورة للأخذ في الاعتبار أنّ الكتلة التصويتية التي دعمت مرشح الرئاسة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح توجهت في الجولة الثانية - نظريًا - إلى الدكتور مرسي، بينما توجهت هذه الكتلة إلى رفض الدستور في الاستفتاء الأخير[7].

وتشير هذه الأرقام إما إلى ارتفاع نسبة القبول للنظام الجديد لدى المواطنين أو تراجع القبول للمعارضة أو كلا الأمرين معًا، وهو ما يجب أن يدفع المعارضة للتفكير بشكل عميق بأساليب عملها، وتغيير إستراتيجيتها لكسب المزيد من الشعبية والقبول لدى الجماهير.

 


[1]  الموقع الرسمي للجنة العليا للانتخابات، انظر:  

https://referendum2012.elections.eg/results/referendum-results

[2]  يوجد تضارب في نسبة المشاركة، ولكن يمكن احتسابها من عدد المشاركين وهو  27851070 ناخبًا بحسب بوابة الأهرام:

http://gate.ahram.org.eg/News/162896.aspx

وقمسة هذا العدد على من يحق لهم التصويت وهم نحو 50 مليونًا حسب اللجنة العليا للانتخابات، انظر: جريدة الشعب:

http://elshaab.org/thread.php?ID=4589

[3]  تجد نسب المشاركة حسب المحافظات على الموقع الرسمي للجنة العليا للانتخابات، ومنها يمكن حساب نسبة المشاركة العامة على مستوى الجمهورية:

http://presidential2012.elections.eg/index.php/round2-results

[4] الموقع الرسمي للجنة العليا للانتخابات:

http://referendum2011.elections.eg/84-slideshow/158-2011-03-20-19-09-58.html

[5]  الموقع الرسمي للجنة الانتخابات العليا:

 https://referendum2012.elections.eg/results/referendum-results

[6]  النتائج الكاملة للتصويت على الدستور حسب المحافظات من الموقع الرسمي للجنة العليا للانتخابات:

https://referendum2012.elections.eg/results/referendum-results

[7]  يمكن المقارنة بين النتائج الكاملة للانتخابات الرئاسية حسب المحافظات من الموقع الرسمي للجنة العليا للانتخابات:

 http://presidential2012.elections.eg/index.php/round2-results

والنتائج الكاملة للاستفتاء على الدستور عام 2012 حسب المحافظات من الموقع نفسه:

http://presidential2012.elections.eg/index.php/round2-results