العنوان هنا
تقدير موقف 28 نوفمبر ، 2013

لبنان: لا حكومة في الأفق والخوف من فراغ رئاسي قريبًا

الكلمات المفتاحية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

مع بدء الحديث عن ملامح تقارب أميركي - إيراني - روسي حول الملف النووي، وتزايد احتمالات انعقاد مؤتمر "جنيف 2" بشأن سورية، ارتفعت حدة التوتر السياسي والأمني في لبنان. من جهة أخرى، انعكس قمع جماعة الشيخ أحمد الأسير في صيدا، بالطريقة التي نُفِّذ بها، وتصاعد حدة المعارك العسكرية في منطقة القلمون السورية المتاخمة للحدود اللبنانية، على الوضع الأمني اللبناني عبر استهداف السفارة الإيرانية في بيروت في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 بواسطة هجوم انتحاري سقط فيه العشرات بين قتيل وجريح. ويشير كشف هوية الانتحاريين اللذين نفذا الهجوم - وهما لبناني من صيدا وفلسطيني من البيسارية - إلى دخول مرحلة جديدة من ردود الأفعال على تعاظم شعور سُنة لبنان بالظلم والتهميش والإذلال، وذلك منذ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط/ فبراير 2005، مرورًا باحتلال بيروت في 7 أيار/ مايو 2008، وأخيرًا اجتياح منطقة "عبرا" والقضاء على جماعة الأسير.

 وتزامن ذلك كله مع إعلان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سورية بأنه لن يوافق على مشاركة إيران في مؤتمر جنيف 2 المرتقب "إلا إذا قامت بسحب جميع قواتها وميليشياتها من سورية، مثل حزب الله وأبو الفضل العباس، وأعلنت قبولها بمبادئ جنيف 1 الستة كاملة، وكذلك وثيقة لندن". وكانت وزارة الخارجية الإيرانية صرحت في وقت سابق أنّ طهران مستعدة للمساعدة في حل الأزمة السورية، لكنها ترفض أي شروط مسبقة للمشاركة في مؤتمر جنيف 2، معتبرة أنّ محاولات استبعادها من المؤتمر ترمي إلى إفشال التفاوض. ومع أنه من غير الواضح مدى التزام الائتلاف بموقفه هذا، فمن المؤكد أنّ الاصطفاف في سورية قد اتخذ شكل صراع إقليمي؛ المحور الوحيد المنظم فيه هو ذاك الذي تقوده إيران، ويشمل جيش النظام السوري، وقوات من فيلق القدس وحزب الله وكتائب طائفية مسلّحة شيعية عراقية. أما المحور المقابل، فيشمل قوى الثورة السورية وتدخلات خارجية من أنماط مختلفة، ولكنها غير منظمة على الإطلاق ويصعب أن نسميها محورًا.


لبنان في لجة التجاذبات الإقليمية والدولية

يرى حزب الله أنّ التقارب الإيراني - الأميركي يعكس تخليًا أميركيًا عن حلفائهم في لبنان وعموم المنطقة، ويشكل انتصارًا له ولحلفائه، ما يبرر رفع وتيرة مطالبه وتهديداته لخصومه. وبالمقابل، فإنّ تيار المستقبل وقوى "14 آذار" تعتبر أنّ الصفقة إن تمت، فستكون متكاملة بحيث تضطر فيها طهران إلى دفع ثمن ما في لبنان عبر "أداتها"؛ أي حزب الله.

خارج هذين الفريقين، يتخوّف اللبنانيون من أن تكون بلادهم قد وقعت مجددًا ضحية التجاذب الإيراني - السعودي، ما يترجم على الأرض في تزايد التوتر الأمني (وبخاصة في طرابلس وعرسال) والسياسي (تصاعد لهجة التهديد والوعيد بين الأطراف المتصارعة)، واستمرار أزمة تشكيل الحكومة الجديدة إلى الحد الذي ينذر بالفراغ الرئاسي، والذي بات الحديث عنه أمرًا واقعًا في كلام المرجعيات اللبنانية كافة.

لقد كسر الرئيس تمام سلام الرقم القياسي في تاريخ لبنان لجهة فترة التكليف الأطول في تشكيل حكومة؛ إذ أنهى في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 الشهر السابع من هذه الفترة. وبالمثل، سجل الرئيس نجيب ميقاتي رقمًا قياسيًا لجهة فترة تصريف الأعمال الأطول في تاريخ لبنان؛ فقد استقال من منصبه في 22 آذار/ مارس الماضي، ليتمّم في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 شهره الثامن في تصريف الأعمال، علمًا بأنّ الرقم القياسي السابق سجله رئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامي عام 1969، على صعيدي التكليف وتصريف الأعمال في آنٍ معًا[1].

يتكرر اليوم السيناريو نفسه مع الرئيسين المستقيل نجيب ميقاتي والمكلّف تمام سلام، من دون بروز ما يسمح بتوقع حدوث انفراج في الأزمة الحكومية وذلك بالتزامن مع تصاعد الحديث عن ضرورة التوصل إلى اتفاق جديد شبيه باتفاق الدوحة[2]، ما يطرح الاستحقاق الرئاسي على طاولة البحث جديًا[3].


الجمود السياسي والاستقطاب الحدي

لقد وصلت الأمور إلى جمود سياسي كرّسته معادلة الاستقطاب الثنائي بين تيار المستقبل وقوى "14 آذار" من جهة، والتي تؤكد أنها "لن تشارك في الحكومة إلا على قاعدة التزام إعلان بعبدا وانسحاب مقاتلي حزب الله من سورية"، وبين حزب الله، من جهة أخرى، والذي يرى أن "لا حكومة من دون مشاركته وحلفائه". إذًا، يتفق الطرفان - مع ما يمثلان على الصعيد الطائفي الداخلي (السنة والشيعة) والخارجي (إيران والسعودية) - على أن لا حكومة للبنان في المدى المنظور. وما يعزز هذا الاعتقاد أنّ حصيلة زيارة الرئيس ميشال سليمان للمملكة العربية السعودية مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 قد باعدت أكثر بين أطراف الأزمة السياسية الداخلية. ففي الوقت الذي أفادت مصادر قصر بعبدا أنّ الرئيس "لمس من المسؤولين السعوديين استعدادًا للوقوف إلى جانب لبنان، وللمساعدة في ملف اللاجئين السوريين، من دون البحث في استحقاقي رئاسة الجمهورية وتأليف الحكومة"، أملت كتلة المستقبل وقوى "14 آذار" أن تكون "الزيارة بوقائعها ونتائجها ودلالاتها، محطة أساسية على طريق تعزيز بناء الدولة وتطبيق القانون ودعم المؤسسات الرسمية الأمنية والسياسية". أما إعلام قوى "8 آذار"، فقد ركّز على ما اعتبره "الجانب السلبي" من الزيارة؛ إذ رأى تلفزيون المنار - مثلًا - أنّ "حضور الرئيس سعد الحريري اللقاء مع العاهل السعودي هو انتقاص من مكانة الرئيس ميشال سليمان"، وأنّ الرسالة السعودية إلى اللبنانيين مضمونها أنّ "هذا الرجل - أي سعد الحريري - هو من نعترف به حكوميًا". وبالمقابل، رأت قوى "14 آذار" أنّ ذلك يعد دليلًا على أنّ الحريري "استعاد المبادرة من خلال الدعم السعودي الواضح للخط السياسي السيادي الذي يعتمده فريق كبير من اللبنانيين". ويبدو أنّ الرسالة السعودية تعني لحزب الله وحلفائه بأنّ تخطي الحريري سيغدو أصعب بعد هذه المشاركة، كما يعني أيضًًا أنّ إمكان ولادة حكومة من لون واحد (سواء أكانت من "8 آذار" أم من "14 آذار") على غرار الحكومة القائمة والمستقيلة بات أمرًا شبه مستحيل. ويؤكد هذا الاحتمال مسارعة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى التصريح في الرياض أنه "اتفق مع المسؤولين السعوديين على ضرورة ألا يتمكن حزب الله من تقرير شكل الحكومة والحكم في لبنان".

قابل ظهور الرئيس الحريري في مجلس العاهل السعودي الظهور العلني اللافت للسيد حسن نصر الله في احتفاليات عاشوراء يومي الثالث عشر والرابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر، في إشارة أراد منها القول لجمهوره، ولخصومه أيضًا، أنّ دخول حزب الله إلى سورية قد أراح وضعه، وخفف الخطر عليه في لبنان أكثر مما زاده. كما أراد من وجوده المباشر أمام الناس لمرتين متتاليتين أن يظهر ارتياحًا تجاه سير المعارك في سورية منذ الصيف، وأن يقدِّم دعمًا نفسيًا لبيئته وحاضنته في وقت يتصاعد فيه الحديث عن عزلة الحزب داخليًا وعربيًا ودوليًا، وعن احتمال أن يدفع ثمن التقارب الإيراني - الأميركي. هذه المخاوف رد عليها نصر الله في خطبتيه، في المناسبتين، اللتين تجاوزتا الإطار الداخلي والأزمة الحكومية. فقد جاءت مواقفه منهما بمنزلة تكرار للاشتراطات التي درج الحزب على التمسك بها، وإعلانه عن موقفه من المفاوضات الغربية – الإيرانية؛ إذ دافع بقوة عن التفاهم الغربي – الإيراني إلى حد تحذيره من أنّ البديل منه هو الحرب. كما أنه قام بالتبشير بالاتفاق المحتمل في المفاوضات النووية، وذهب الى صوغ معادلة مفادها أنّ الحزب والمحور الذي يرتبط به سيكون أقل الخاسرين من الحرب (إن وقعت)، كما أنه سيتمكن في حال تحقيق التفاهم من تعزيز موقعه وعدم خسارة أي مكاسب، فقد قال: "سنكون أقوى بعد الاتفاق".


الحياد أم النأي بالنفس؟

أمام هذا الاستقطاب الثنائي الحاد واصل الرئيس اللبناني ميشال سليمان التأكيد على سياسة الوسط القائلة بـ "النأي بالنفس" ومحاولة تجنيب لبنان ثمن الصراع المحتدم في سورية أو "الصفقة" المحتملة بشأنه. وأفادت تسريبات الصحف اللبنانية والسعودية بشأن تفاصيل زيارة الرئيس ميشال سليمان للسعودية أنّ الملك عبد الله بن عبد العزيز سأل الرئيس اللبناني عن تورط "حزب الله" في الصراع، وتساءل كيف يسمح للحزب الذهاب إلى سورية، داعيًا إلى إعادته إلى لبنان لأنّ هذا التورط يضّر بلبنان، وشدد على وجوب اتباع سياسة النأي بالنفس. وقد أبرز الرئيس سليمان في كلامه أهمية إعلان بعبدا الذي اعتمده لبنان بالإجماع على طاولة الحوار وينص حرفيًا على النأي بالنفس، وأكد على سعيه الدؤوب من أجل معاودة الحوار. وقد أعاد الرئيس سليمان تأكيد موقفه هذا في كلمة له في ندوة بشأن "اتفاق بعبدا والاستقلال" قارن فيها بين إعلان بعبدا والميثاق الوطني المؤسس لاستقلال لبنان عام 1943. ويبدو أنّ الرئيس سليمان (ومن معه في ما يسمى بالوسط) ليس بصدد التراجع إطلاقًا عن التزام الأطراف الداخلية التي وافقت على "إعلان بعبدا"، على الرغم من استمرار بعض قيادات حزب الله بالتنصل من موافقتهم على الإعلان وتبعاته، وبخاصة أنّ تركيز الرئيس سليمان الضوء على الإعلان الآن يبدو في جانب منه دعوة مباشرة للحزب كي يتراجع عن المشاركة في معركة القلمون والتي تُنذر بامتداد شراراتها إلى الداخل اللبناني الهش أصلًا.


مخاطر عرسال وعنف طرابلس

عادت الهواجس الأمنية بقوة إلى واجهة المشهد اللبناني لتطغى عليه بالكامل، وتوزعت هذه الهواجس بين الوضع الذي يشهده البقاع الأوسط والبقاع الشمالي في ظل تدفق أفواج جديدة من اللاجئين السوريين، وبين وضع مدينة طرابلس التي تقف على مشارف تجربة أمنية جديدة محفوفة بالشكوك حول إمكان تنفيذها بنجاح لا سيما بعد المواجهات التي وقعت في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 بين قوى الأمن الداخلي ومسلحين في الأسواق الداخلية للمدينة ولم تتوقف إلا بعد تدخلات من فاعليات المدينة. وكان هذا التوتر قد حصل بعد اغتيال عضو "جبهة العمل الإسلامي" الشيخ سعد الدين غية القريب من "حزب الله"، وقد نعاه السيد حسن نصر الله شخصيًا واصفًا المغدور بـ "المجاهد المقاوم"، وندد بصمت تيار المستقبل على هذا الاغتيال.

من ناحية أخرى، تمدّد الصراع الميداني السوري إلى داخل المناطق الحدودية اللبنانية والمناطق المتاخمة ولا سيما عرسال وبعلبك. فالتصعيد العسكري المفاجئ الذي وصل مناطق في البقاع الأوسط والبقاع الشمالي في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر تناغم مع التصعيد الداخلي. وقد سقط أكثر من أحد عشر صاروخًا أطلقت من السلسلة الشرقية للحدود السورية في خراج النبي شيت وسرعين. وبعد وقت قليل، شنت مروحيات عسكرية سورية غارتين؛ الأولى على حي في عرسال والثانية على خربة يونين في جرود عرسال. وفي 18 تشرين الثاني/ نوفمبر أغارت مروحية سورية على جرود عرسال ما أدى إلى مقتل يوسف الحجيري وخالد الحجيري، وهما من أولاد عم رئيس بلدية عرسال علي الحجيري الذي يتهمه حزب الله والنظام السوري بايواء جماعات من المعارضة السورية. كما أغارت الطائرات الحربية السورية مساء اليوم التالي على منطقة عقبة المبيضة في عرسال وهي منطقة مأهولة بالسكان. وفي هذا الإطار، طالب رئيس البلدية الجيش اللبناني ورئيس الجمهورية بـ "وضع حد للانتهاكات السورية على المدينة لا سيما بعد الغارات الأخيرة، وتقديم شكوى إلى مجلس الأمن أو حض النظام السوري على وقف تعدياته".

وأوضح علي الحجيري أنّ عدد اللاجئين السوريين الذين نزحوا إلى عرسال خلال يومين فقط يتراوح بين 10 و12 ألف لاجئ. في حين أكد مختار بلدة عرسال عبد الحميد عز الدين أنّ عدد اللاجئين السوريين الذين نزحوا خلال الأيام الماضية من منطقة القلمون السورية (ومن بلدتي القارة والنبك تحديدًا) بلغ نحو 22 ألفًا ليصل إجمالي اللاجئين في القرية إلى نحو 80 ألفًا، بينما عدد سكان البلدة لا يتعدى 35 ألف نسمة، وفقًا لتقديراته.

هذا التصعيد الميداني يكتسب خطورة فائقة في ضوء المواجهات التي تجري في القلمون وتتصاعد استنادًا إلى مؤشرات ترسمها حركة اللاجئين السوريين من تلك الأنحاء وكذلك حركة القتال والاشتباكات العنيفة على السلسلة الشرقية لجبال لبنان مقابل القلمون.

وإذا كانت المؤشرات الميدانية في القلمون توحي بأنّ المعركة الكبيرة المنتظرة ربما تكون قد بدأت فعلًا على وقع تزايد التحضيرات لمؤتمر جنيف 2، فإنّ المخاوف اللبنانية تتنامى من التداعيات الخطيرة المحتملة لتمدُّد هذه المعركة إلى داخل لبنان، مع أنّ كل الدلائل تشير إلى أنه لا توجد أطراف متكافئة لحرب أهلية، وأنّ الطرف القوي الوحيد القادر على خوضها عسكريًا لا يستطيع خوضها سياسيًا في هذه المرحلة.


أين تتجه الأمور؟

عند وضع المشهد الداخلي اللبناني في سياقه الإقليمي المشتعل، ترتسم أمامنا مجموعة من الاحتمالات التي يمكن أن تتطور في ضوئها الأزمة السياسية والأمنية اللبنانية، وهي:

  1.  احتمال حصول احتكاكات، وربما صدامات، بين أعداد من اللاجئين السوريين الذين تبدو بلدة عرسال وجهتهم الحصرية حتى الآن، وبين عناصر من حزب الله الذي بات من المعروف أنه منخرط بقوة وكثافة في معركة القلمون بدرجة لا تقلّ عن انخراطه سابقًا في معركة القصير، وبخاصة أنّ الحزب يحشد قوات كبيرة في المنطقة، وقد نجح اليوم في استقطاب معظم طائفته ومناصريه وإقناعهم بأنه يخوض معركة مصيرية ضد السلفية والإرهاب التكفيري.

  2. احتمال حدوث صدامات لبنانية – لبنانية؛ أي بين أهالي عرسال وأطراف يؤازرونهم من جهة، وبين حزب الله وأنصاره، في حال تمدُّد القتال إلى تخوم المناطق الحدودية التي ينتشر فيها مقاتلو الحزب، في حين تُعد عرسال خط الاتصال الرئيس بالمعارضين السوريين. ويبدو من تطور الأوضاع في منطقة القلمون وتزايد الغارات السورية على عرسال أنّ التمدد حاصل بالضرورة.

  3. احتمال تفجّر الوضع العسكري في طرابلس مع تفجّر معركة القلمون وحصول تحول ميداني كبير فيها لمصلحة أحد الفريقين. ولعل هذه المخاوف هي التي حدت بتنفيذ خطة انتشار معززة لقوى الأمن الداخلي داخل الأحياء الطرابلسية وفي المناطق المحيطة بمحاور القتال التقليدية. وكانت طرابلس قد شهدت جولات عدة من الاشتباكات العنيفة بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة منذ بدء النزاع في سورية منتصف آذار/ مارس 2011، ما أوقع عشرات القتلى والجرحى. كما شهدت المدينة في 23 آب/ أغسطس 2013 تفجيرين دمويين بسيارتين مفخختين أوقعا 45 قتيلًا. وادّعى القضاء اللبناني على 11 شخصًا في العملية من بينهم مسؤول أمني سوري وزعماء من العلويين من جبل محسن.

  4. احتمال إعادة حزب الله وتيار المستقبل حساباتهما بتخفيف لهجة التصعيد والتوتر أخذًا في الاعتبار تقدم مسارات التفاوض الإيراني - الغربي والإيراني - السعودي وتزايد احتمالات عقد مؤتمر جنيف 2. وفي هذا السياق، يبدو لافتًا التصريح المنسوب إلى مصادر قيادية بارزة في حزب الله التي أكدت لوكالة الأنباء المركزية في 18/11/2013 أنّ حزب الله "مستعد للحوار مع أي طرف لبناني من أجل تحصين لبنان واستقراره وتأمين إجراء الاستحقاقات في وقتها"، وأنه "جاهز للتلاقي مع تيار المستقبل من أجل وقف المراهنات على أي تغييرات في المسار السوري وفصل لبنان عن تداعياته"، وكذلك تصريح معاون وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لجريدة السفير اللبنانية في 22/11/2013؛ إذ قال: "نحن نعرف أنّ الملك عبد الله بن عبد العزيز لديه نظرة إيجابية وعادلة ومتوازنة إزاء إيران والمنطقة بأسرها ... ونحن نعتقد أنّ هناك آفاقًا رحبة للتعاون بين بلدينا في مجالات كثيرة". هذا الكلام جاء عشية التفجير الانتحاري الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت، وتصاعد وتيرة القصف السوري على عرسال، وازدياد حدة الاشتباكات في القلمون ومحيطها، ونجاح قوى المعارضة السورية في تحقيق اختراقات مهمة خصوصًا في ريف دمشق ومنطقة القلمون. وهذا يعني أنّ الوضع اللبناني مفتوح على كل الاحتمالات؛ من استمرار الجمود والتعطيل، إلى تفاقم التوتر الأمني، إلى حصول استنفار وطني عام لدعم مساعي الرئيسين ميشال سليمان ونبيه بري والنائب وليد جنبلاط في الدعوة إلى انعقاد طاولة الحوار ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

 


[1] استقالت حكومة رشيد كرامي في 23 نيسان/ أبريل 1969، في عهد الرئيس شارل حلو، وذلك بسبب الصدامات المسلحة على خلفية الانقسام الداخلي حول شرعية وجود العمل الفدائي الفلسطيني المسلح وانطلاقه من جنوب لبنان. وقاد ذلك يومها إلى أزمة حكم كبيرة انتهت بتوقيع "اتفاق القاهرة" الشهير في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 1969 لغرض تنظيم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، وذلك بعد حوالي سبعة أشهر من بقاء لبنان من دون حكومة بسبب الخلاف حول الوجود الفلسطيني. أرسل الرئيس شارل حلو وفدًا برئاسة قائد الجيش إميل بستاني إلى القاهرة للتحادث والتفاوض مع ياسر عرفات، وتحت إشراف وزير الدفاع المصري محمد فوزي. أعطى اتفاق القاهرة الشرعية لوجود المقاومة الفلسطينية وعملها في لبنان. وقد اعتبر بعضهم هذا الاتفاق متعارضًا مع مبادئ سيادة الدولة اللبنانية. وأيدت الاتفاق عند إعلانه أكثرية القيادات السياسية اللبنانية، ولكن بعد غزو لبنان عام 1982 باتت هذه الأكثرية نفسها مؤيدة لإلغائه أو اعتباره باطلًا. في 21 أيار/ مايو 1987 جرت الموافقة على قانون إلغاء الاتفاق من قبل البرلمان اللبناني، وتم توقيعه في وقت لاحق من قبل رئيس الوزراء سليم الحص ورئيس الجمهورية أمين الجميّل.

[2] اتفاق الدوحة هو الاتفاق الذي توصلت إليه القوى اللبنانية في 21 أيار/ مايو 2008 في الدوحة. وقد وضع نهاية لثمانية عشر شهرًا من الأزمة السياسية في لبنان شهدت بعض الفترات منها أحداثًا دامية مثل احتلال حزب الله لبيروت يومي 7 و8 أيار/ مايو. قام برعاية الاتفاق أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وتم بجهد من اللجنة الوزارية العربية والأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك عمرو موسى. وقد أدى الاتفاق إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية (قائد الجيش ميشال سليمان)، وإلى إجراء الانتخابات البرلمانية بحسب قانون عام 1960 الذي يجعل القضاء دائرة انتخابية واحدة وتقسيم العاصمة بيروت إلى ثلاث دوائر. كما أدى الاتفاق إلى تأليف حكومة وحدة وطنية.

[3] يخشى اللبنانيون من حدوث فراغ في سدة رئاسة الجمهورية لأن موعد الانتخاب هو أيار/ مايو 2014. وهناك سابقة حصلت في الدقائق الأخيرة من عهد الرئيس أمين الجميّل حين أعلن بتاريخ 22 أيلول/ سبتمبر 1988 عن تشكيل حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون، وتضم الضباط السته الأعضاء في المجلس العسكري، وذلك منعًا للفراغ في مركز الرئاسة بعد عجز البرلمان عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية في المهل المحددة دستوريًا. ولم يعترف أنصار سورية بحكومة عون التي صارت تمارس صلاحيات رئاسة الجمهورية؛ وهي صلاحيات كبيرة بحسب الدستور السابق على اتفاق الطائف. وبعد الطائف، ووفقًا للدستور الجديد، صارت صلاحيات رئاسة الحكومة هي الكبرى.