العنوان هنا
مراجعات 13 يونيو ، 2021

مراجعة كتاب: السلف المتخيَّل لرائد السمهوري

مقاربة تاريخية تحليليّة في سلف المحنة - أحمد بن حنبل وأحمد بن حنبل المتخيَّل

محمد صلاح سليم

​باحث وأكاديمي مصري مختص بالتراث.

عنوان الكتاب: السلف المتخيَّل: مقاربة تاريخية تحليليّة في سلف المحنة، أحمد بن حنبل وأحمد بن حنبل المتخيَّل.

المؤلف: رائد السمهوري.

الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

سنة النشر: 2019.

عدد الصفحات: 450 صفحة.

مقدمة

يؤدي التاريخ دورًا خطيرًا في صناعة الشخصيات وإعادة تمثلها مرارًا، حتى تغدو الشخصية، أحيانًا، مع مرور الوقت، شخصية أخرى، ربما لا تكاد تربطها بالواقع صلة، أو على الأقل لا يبقى من حقيقتها إلا القليل، وليس أدلّ على ذلك من تعدد المذاهب والتيارات التي تنتسب إلى شخصية تاريخية بعينها، غير أنّها تختلف فيما بينها، وكل منها يدّعي أنّه الممثل الحقيقي، والتابع القويم، ويسري هذا على كثير من الشخصيات التاريخية المؤثرة، من الأنبياء إلى الفلاسفة والأئمة والقادة. وفي السياق الإسلامي لم تغب هذه الظاهرة؛ أعني ظاهرة إعادة الإنتاج، وإعادة التمثل، وكان من أهم هذه الشخصيات الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (ت. 241ه/ 855م).

يُعَدُّ أحمد بن حنبل من أبرز الشخصيات في التاريخ الإسلامي، وأعمقها أثرًا؛ ليس لأنه أحد أئمة المذاهب الأربعة المشهورة المعتمدة، وأنّه قد علا ذكره في الآفاق بعد محنة خلق القرآن المعروفة - أي ليس فقط لمكانته التاريخية - فحسب، بل أيضًا لحضوره في واقعنا، عبر المنتسبين إليه من حركات مثل الوهابية وبعض التيارات السلفية الجهادية، ولا يخفى أثرهم الراهن.

فهل تنتمي هذه التيارات المعاصرة فعلًا إلى أحمد بن حنبل التاريخي؟ أم أنّها تعيد إنتاج هذه الشخصية كما تعيد إنتاجها وتخيّلها، بصورة تنأى قليلًا أو كثيرًا عن شخصية ابن حنبل التاريخية، عبر إعادة صياغته التي أخذت مجراها عبر عملية طويلة، وتنتمي إليه على أنّه ابن حنبل الحقيقي؟

يجيب عن هذا السؤال وغيره من الأسئلة، من خلال دراسة وافية مهمة، الباحث رائد السمهوري في كتابه السلف المتخيل: مقاربة تاريخية تحليلية في سلف المحنة، أحمد بن حنبل وأحمد بن حنبل المتخيل، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (2019)، حيث يتتبع بالنقد والتحليل مراحل سيرة أحمد بن حنبل في سياقه التاريخي، ويبحث في الكيفية التي أصبح من خلالها "إمام السنة" و"بطل المحنة"، وكيفية غُدوّه على الصورة التي هو عليها الآن في المُتخيَّل السلفي الإسلامي.

وكما يرى المؤلف، "ليس المتخيّل بالضرورة كذبًا ودجلًا، متعمدًا أو غير متعمد، بقدر ما يعني إعادة الإنتاج، وإعادة التمثّل والإسقاط والانتقاء، فالمنتسب إلى جماعة لم يتصل بها اتصالًا مباشرًا، ولا سيما إذا كانت هذه الجماعة مغرقة في القدم، هو في الحقيقة منتسب إلى جماعة متخيلة، أو صورة ذهنية، يعيد تمثلها وإنتاجها عصرًا فعصرًا، على حسب الحاجة والتوظيف، بقصد أو من دون قصد" (ص 13).

هكذا، إذًا، يكون قَدَر الجماعات أو الشخصيّات التي ينتمي إليها أتباع كُثر، خاصة إن كانت قديمة؛ أن يعمل فيها التاريخ عملَه، ويعاد إنتاجها وتمثلها، حتى يختلط الواقع بالخيال، والحقيقة بالأسطورة، وتتسع الفجوة بين التاريخي وبين المتخيّل.


* هذه المراجعة منشورة في العدد 36 من مجلة "تبيّن" (ربيع 2021، الصفحات 201-211)، وهي مجلة فصلية محكّمة يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات وتُعنى بشؤون الفكر والفلسفة والنقد والدراسات الثقافية.

** تجدون في موقع دورية "تبيّن" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.