العنوان هنا
دراسات 12 ديسمبر ، 2011

تنمية اللّغة ولغة التّنمية في الوطن العربيّ

الكلمات المفتاحية

عبد الرحمان يجيوي

باحث متخصّص في العلوم اللغوية واللسانيات، حاصل على دكتوراه الدولة في اللسانيات من كلية الآداب في جامعة "سيدي محمد بن عبد الله" (فاس – المغرب). ويعمل حاليا أستاذا للعلوم اللغوية واللّسانيات في كلية الشريعة في جامعة القرويين بفاس، ويرأس وحدة البحث في "التكامل المعرفي بين العلوم اللغوية والعلوم الشرعيّة" في جامعة القرويين في فاس. وهو كذلك مستشار في مختبر "التواصل وتقنيات التعبير" في كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة في فاس، ومستشار في فرع فاس لـ"جمعيّة حماية اللغة العربية بالغرب". وللباحث اهتمام بمجال تدريس اللغة العربية ومناهجه للناطقين بها ولغير الناطقين بها. كما نشر العديد من الدراسات في مجال القراءة اللغوية للقرآن وللنصوص الشرعيّة، وكتبا أخرى في "المعجميّة" و"الاصطلاح" والتصنيف اللغوي. ومن مؤلفاته في المجال اللغوي: المعجم المفصّل للأسماء المركّبة في اللغة العربية، وفصل المعاني عن المباني في بعض الدراسات اللغوية الحديثة لبنيات لغوية في القرآن الكريم: قراءة في المتن والهامش، والعلاقة بين العلوم اللغوية والعلوم الشرعية عند الشاطبي، والأسماء المركبة في اللغة العربية: تحديد وتصنيف.

تتهدد الوضع الرمزيّ الاعتباريّ والقانونيّ للّغة العربيّة محاولات للتقويض في بعض الدول العربية، وذلك راجع لسوء تدبير التعدّد اللغويّ، أو لتكريس الازدواجيّة اللغوية غير المتكافئة، أو لهيمنة غير العربيّة على بعض القطاعات الحيويّة والمنتجة التي لها تأثير كبير في الحياة العامّة، أو لعدم وجود سياسة لغويّة واضحة، وتخطيط لغويّ له أبعاده ومقاصده وغاياته، أو للارتجال المعتمد في معالجة القضايا والمعضلات اللغويّة في التعليم والإعلام والإدارة وغير ذلك من القطاعات الوازنة والمؤثّرة في الحياة العامّة في المجتمعات العربية. ممّا يجعل اللغة العربيّة تتخلّى عن وظائفها التي تخولها لها الدّساتير العربيّة، لتقوم بها لغة أجنبيّة، أو لغات أخرى، فتفعل فعلها في المجتمع والثقافة والهويّة؛ فتهجّن اللغة، وتدجّن المجتمع، وتمسخ الهويّة، وتكرّس التبعيّة. ومن ثمّ، يتعطّل دور اللغة في تنمية المجتمعات العربيّة بتعطيل دورها في إنتاج المعرفة الذي تتأسّس عليه التّنمية.

إنّ التنمية اللغوية تبدأ بتفعيل كلّ النصوص والقرارات الرّامية إلى تمكين اللغة في الحياة العامّة، والهادفة إلى القضاء على الفوضى اللغوية، والعمل على جعلها لغة فاعلة في جميع القطاعات، ومنفعلة مع كلّ التغيّرات، بغية تحقيق نموّ لغويّ تنبني عليه كل الأشكال التنمويّة الأخرى البشريّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة. وهو أمر يتطلّب سياسة لغويّة واضحة المعالم، وتخطيطا لغويّا متّزنا مبنيًّا على أساس المصلحة الوطنيّة لكلّ بلد عربيّ، وعلى أساس الثوابت الدينيّة والتاريخيّة والحضاريّة، والوطنيّة  والقوميّة، وذلك بتحويل التعدّد اللّغويّ إلى تعدّد فاعل يحفظ للّغة العربيّة مكانتها، ويؤهّلها للقيام بوظيفتها أحسن قيام، ويضمن للّغات المحليّة وجودها واستمرارها، ويكبح جماح التّنافس اللغويّ، والهيمنة اللغويّة، والاحتكـار اللغويّ الذي يتبعه احتكار الحقيقـة واحتكار السّلطة، واحتكار الموارد.

إنّ ما يطبع الوضع اللغويّ في الوقت الرّاهن لا يعدو أن يكون هدنة لغويّة، وهي ليست بالأمن اللغويّ المنشود المبنيّ على سياسات لغويّة متوازنة، تستثمر التعدّد اللغويّ لأجل الفعل الثقافيّ، وتستثمر اللغة في البعد التنمويّ؛ تنمية الإنسان العربيّ بلغته ودينه وثقافته وعلمه وحضارته ومجتمعه.

إنّ البحث في وضع اللغة العربيّة يجرّ حتمًا إلى الخوض في جدال لغويّ وفكريّ متعدّد الأبعاد يغلب عليه في نظرنا بعدان أساسان هما تنمية اللّغة ولغة التّنمية، إذ كيف تتحقّق التّنمية الشّاملة بغير تنمية لغويّة؟

وهذا العرض يحلّل  بعض مظاهر وضع اللّغة العربيّة في العصر الرّاهن. ويهدف إلى بيان مدى قدرتها على أن تكون لغةً مساهمة في التطوّر الحضاريّ، وفاعلة في التجربة الإنسانيّة، والمعرفة الكونيّة، ومواكبة للرقيّ المجتمعيّ سياسيّا واقتصاديّا وعلميّا وأدبيًّا وثقافيّا، وطريقا للتّنمية الاجتماعيّة والثقافية والاقتصادية والثقافية. فلا يمكن تصوّر تنمية بغير هويّة، ولا يمكن الحديث عن هويّة - أيّ هويّة - من دون هويّة لغوية. وذلك اعتمادًا على المحاور التالية:

 _ مقدّمة

1_ في نقد الوضع العامّ للّغة العربيّة   

2_ استثمار التّراكمات والمؤهّلات الذاتيّة والموضوعيّة للّغة العربيّة

3_ تنمية اللّغة باب التّنمية الشّاملة

 _ خاتمة