العنوان هنا
دراسات 30 مارس ، 2020

التدبير الطبي والأسري لوصم التوحد في مدينة القنيطرة المغربية: من الإنكار إلى الاعتراف

الكلمات المفتاحية

فؤاد أعراب

باحث دكتوراه في قسم علم الاجتماع، مختبر الفلسفة والمجتمع، في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة. حصلَ على الدكتوراه في الدراسات النسوية، من جامعة مولاي إسماعيل بمكناس عام 2012.

ملخص

تعتمد هذه الدراسة، التي تستلهم نموذج إرفنغ غوفمان للوصم الاجتماعي، بحثًا كيفيًا، يروم استكشاف تجربة الوصم في روايات عشرين أسرة شاركت في ورشات تكوين ولقاءات توعوية نظّمتها جمعية "نسمة للتوحد" في مدينة القنيطرة المغربية خلال الفترة حزيران/ يونيو 2018 - نيسان/ أبريل 2019 حول أبنائها المصابين بالتوحد الذين يخضعون لمتابعة طبية وسيكولوجية من مهنيي الصحة. وإذا كان المنظور الاختزالي للوصم الاجتماعي يُسنِد إلى الأشخاص الموصومين وضعية الضحايا المحكوم عليهم بالشعور الأبدي بالذنب، فإن تحليل المعطيات الميدانية يبرز أن البنى الطبية والجمعوية تمنح الأولياء فرصة اكتشاف الخطابات الطبية والسيكولوجية والحقوقية، وهو ما يتيح لهم الإفصاح العلني عن الهوية المختلفة لأبنائهم، وإعادة بناء السلوكات التوحدية على أساس التنوع العصبي الإنساني. هكذا تجتاز الأسر ثلاث مراحل في سياق بلورتها لاستراتيجيات تدبير الوصم الاجتماعي: الإنكار، والمقاومة، والاعتراف. 

مقدمة

يُعد اكتشاف علامات التوحد لدى الطفل منعطفًا حاسمًا في حياة الأسرة. وبالنظر إلى كون إعاقة التوحد، على المستوى السوسيوثقافي، وصمًا يُربط غالبًا بالهذيان، فإنها تسائل الأنماط المعتادة للتنشئة الاجتماعية، وتثير مخاوف لدى الأولياء حول اللايقين الذي يلقي بثقله على مستقبل الطفل. وتزداد مسألة رعاية شخص توحدي تعقيدًا، خاصة في المجال الحضري، حيث تتعرض بنى التضامن التقليدية (ولا سيما الأسر الممتدة) تدريجيًا للتراجع بتأثير التحولات السوسيو - اقتصادية والسوسيوثقافية العميقة التي تفرز أنواعًا جديدة من دوائر الدعم (جمعيات ومراكز إعادة التأهيل)؛ إذ تعد هذه الأخيرة مواقع بديلة لانبثاق روابط اجتماعية جديدة، تتيح لأولياء الأشخاص التوحديين اقتسام التجارب، والتعبئة الجماعية حول قضية التوحد.

تقارب الورقة سيرورة تدبير أسر الأطفال التوحديين للوصم الاجتماعي المقترن بالتوحد، بوصفه اضطرابًا عصبيًا - نمائيًا يصيب طفلًا واحدًا من بين 160 طفلًا في العالم. تسبب علامات التوحد، التي تظهر قبل الشهر الثلاثين من عمر الطفل، اختلالات كبيرة في العلاقات الاجتماعية؛ بسبب غياب، أو عدم ملاءمة اللغة المستعملة والاستجابات الغريبة والهوسية للبيئة المحيطة. في ظل هذه الوضعية، تواجه الأسر تحديات، سواء داخل الفضاء المنزلي تتعلق بنمط التنشئة الاجتماعية ونوع الرعاية الملائمة، أو في الفضاءات والمؤسسات العامة بسبب السلوكات الغريبة للطفل التوحدي غير المتلائمة مع المعايير الاجتماعية السائدة، هذا فضلًا عن نقص في معرفة عامة الناس بالتوحد وأعراضه، ولا سيما في ظل غياب علامة جسدية بارزة، وهو ما يعرّض الأسر في معظم الأحيان للوصم الاجتماعي Stigmatisation sociale.

* هذه الورقة منشورة في العدد 31 (شتاء 2020) من مجلة "عمران" (الصفحات 31-58)وهي مجلة فصلية محكمة متخصّصة في العلوم الاجتماعيّة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات.

** تجدون في موقع دورية "عمران"  جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.