العنوان هنا
دراسات 01 يناير ، 2012

سورية وتركيا: "نقطة تحوّل" أم "رهان تاريخيّ"؟

الكلمات المفتاحية

مقدّمة

تتناول هذه الدّراسة العلاقات السوريّة - التركيّة التي شهدت تحوّلات نوعيّة خلال السّنوات الأخيرة. وكانت قريبة من وضع نموذج للتحوّلات التي تطرأ على التّفاعلات السياسيّة في منطقة الشّرق الأوسط، بكلّ "تسارعها" و"التباسها" و"غموضها"، و"شخصنتها"، بتطوّراتها وتطوّراتها المعكوسة، وبما "سكتت عنه" أو "تنكّرت له" أو "حجرت عليه" من المفردات والقضايا؛ وبكلمة واحدة، بكلّ "رهاناتها"
. وهي محاولة للإجابة عن السّؤال التالي: هل تشهد العلاقات البينية "نقطة تحوّل" بنيويّة ومفاهيميّة حاسمة، أم أنّ ذلك هو جزء من "رهان تاريخيّ" مفتوح على أفق غير محدّد؟

وتخلص الدراسة إلى أنّ العلاقات السوريّة - التركيّة ليست فعلا عند "نقطة تحوّل" بمعنى القطيعة والتّغيير، وإنّما تحوّل نشط في نظام التّفاعلات البينيّة، "يطوي" صفحة ليبدأ أخرى، ولكن من دون تغيير جدّي في مداركها ونواظمها العميقة. وأنّ العلاقات شُحنت بقدرٍ كبير من "التّسارع" و"الغموض"، وهو ما يعدّ جزءًا من "رهاناتها" هي نفسها، وهو ما أصبح "غموضًا وظيفيّا" مفتوحًا على ديناميّات أو رهانات أخرى.

وتخلص الدّراسة أيضا إلى أنّ سورية وتركيا اللتين اجتهدتا في بناء "تحالفهما" خلال العقد الماضي، تتّجهان اليوم للعمل على تقويضه، انطلاقًا من قيام تركيا بمراجعة نشطة لأولويّاتها وسياساتها، بكلّ ما يقتضيه ذلك من استعدادات وقابليّات للتّراجع والالتفاف على ما جرى لصالح رهانات جديدة. ولا بد أن تقوم سورية، من باب ردّ الفعل أو كتحصيل حاصل، بعمل مماثل. وهذا يعني أنّ العلاقات السوريّة - التركيّة تقف أمام "نقطة تحوّل" حرجة و"رهانات تاريخيّة" نشطة، ربّما تتجاوز كثيرًا أزمة تشرين الأوّل / أكتوبر 1998.


العلاقات السوريّة - التركيّة

تُشَكِّلُ العلاقات السوريّة - التركيّة ظاهرة إقليميّة ودوليّة تستقطب اهتمامًا سياسيّا وإعلاميّا نشطًا نسبيّا، إلا أنّ التّناول العلميّ لديناميّاتها ورهاناتها، لايزال أقلّ من المطلوب تجاه تحوّلات بدت معاكسة للسّياق التاريخيّ الحديث (وربّما القديم أيضا) للعلاقات البينيّة.

وتبدو الظّاهرة السوريّة - التركيّة مثالا أو حيّزا نشطا لديناميّتين متعاكستين، الأولى هي سياسات وفواعل "التّقارب" و"التداخل" و"الاعتماد المتبادل"، والثّانية هي سياسات وفواعل "الانفصال" و"التّخارج" و"التّنافر". وإنّ استمرار تلك الديناميات المتعاكسة يُبقي العلاقات عند "نقطة التحوّل" فلا تطوي صفحتها لأنّها لم تحقّق شروطها كاملة، ويمكن تجاوز هذه النّقطة أو تتجاوز بعض شروطها عندما يتوافق الطّرفان موضوعيًّا وسياسيًّا على "تجاهل" فواعل التّنافر وعوامله، وهذا يدخل فيما ندعوه "رهانًا تاريخيًّا"؛ إلا أنّهما في حال اتّجها إلى تبنّي خيارات وسياسات المنافسة والصّراع، فإنّ ذلك يضع العلاقات أمام احتمال التّراجع عمّا كانت عليه حتّى قبل اتّفاق أضنة (تشرين الأوّل/ أكتوبر 1998)، وربّما تتطوّر الأمور إلى مجابهة مباشرة، وهذا ما ندعوه "نكوصًا تاريخيّا".

وتشكّل الأزمة السوريّة مدخلا آخرَ للتّدقيق في طبيعة التحوّلات والرّهانات التي شهدتها العلاقات السوريّة - التركيّة، وفي المحدّدات العامّة والتجلّيات، وفي المقولات التركيّة بشأن الأزمة، إلى جانب السّيناريوهات المحتملة (من منظور تركيا).

تتألّف الدّراسة من مقدّمة وإطار نظريّ، وسبعة محاور رئيسة. يتناول المحور الأوّل "نقطة التحوّل" في العلاقات السوريّة - التركيّة؟ وهل أنّ ما تشهده العلاقات هو "نقطة تحوّل"، أم "التباس جماعيّ" أم أنّه مقدّمة لـ"رهان تاريخيّ"؟ أمّا المحور الثّاني فيتناول "الرّهانات التاريخيّة" للعلاقات السوريّة - التركيّة. ويتناول المحور الثّالث المحدّدات العامّة للموقف التركيّ من الأزمة السوريّة، في حين يتناول المحور الرّابع التجلّيات العامّة للسّياسة التركيّة تجاه الأزمة. ويركّز المحور الخامس على المقولات التركيّة في تفسير الموقف من الأزمة، بينما يتناول المحور السّادس العلاقة بين تركيا والمعارضة السوريّة. ونستعرض في المحور السّابع السّيناريوهات الرّئيسة المحتملة للأزمة السوريّة (من منظور تركيا)، ونخصّص المحور الثّامن لعرض الاستنتاجات والاستخلاصات.