العنوان هنا
مراجعات 16 ديسمبر ، 2013

خطط التوسع الإسرائيلي وتهجير الفلسطينين: مراجعة كتاب "الأمّة المسلّحة: صعود ظاهرة الاحتياط في إسرائيل وأفولها"

الكلمات المفتاحية

محمود محارب

باحث مشارك في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أستاذ جامعي فلسطيني له العديد من الكتب والأبحاث المتعلّقة بالصهيونية وإسرائيل، والقضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي. حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من "الجامعة العبرية" في القدس. وفي عام 1986 حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من قسم العلوم السياسية في جامعة ريدينغ في إنكلترا. ومنذ عام 1987 حتى عام 1990، عمل مديرًا لمركز الأبحاث التابع لجمعية الدراسات العربية في القدس المحتلة. 

العنوان: الأمّة المسلّحة: صعود ظاهرة الاحتياط في إسرائيل وأفولها

المؤلّف: دوف تماري

الناشر: وزارة الدفاع - تل أبيب

السنة: 2012

عدد الصفحات: 494 صفحة

 ينفرد الجيش الإسرائيليّ عن بقية الجيوش في العالم بأنَّ قوّاته الأساسيّة المقاتلة تتشكّل من قوّات الاحتياط التي ينبغي لها أن تبقى في حالة تأهّب دائمة، وعلى استعداد تامٍّ عند استدعائها للدخول في القتال خلال فترةٍ وجيزة لا تزيد عن عدّة أيام. وعلى إثر اتّفاقات السلام بين إسرائيل وكلٍّ من مصر والأردن وإخراج العراق من المواجهة مع إسرائيل وتخلّي الدول العربيّة عن خيار المواجهة العسكريّة وسيلةً لاسترداد الحقوق العربيّة، ظهر نقاشٌ في إسرائيل بين وجهتَي نظر في وسط الأكاديميّين والباحثين الإسرائيليّين، ولا سيّما في العقد الأخير، بشأن إذا ما كان من الأفضل الإبقاء على صيغة الجيش الإسرائيليّ كـ "جيش الشّعب" الذي يعتمد على الخدمة الإلزاميّة وقوّات الاحتياط، أو تحويله إلى جيشٍ مهنيٍّ قائم على المتطوّعين. وفي سياق هذا الجدل صدر في عام 2012 كتاب الأمّة المسلّحة: صعود ظاهرة الاحتياط وأفولها، لمؤلِّفه الدكتور دوف تماري - العميد المتقاعد - الذي شغل عدّة مناصب مهمّة في قيادة الجيش الإسرائيليّ. وجاء الكتاب في 494 صفحة شملت بين ثناياها ثلاثة أقسامٍ وخاتمة. واستند المؤلِّف إلى المصادر الأوليّة التي شملت الكثير من الوثائق والخطط والتصوّرات والمقترحات التي وضعتها هيئات أركان الجيش الإسرائيليّ ومؤسّساته المختلفة، الموجودة في الأرشيف الإسرائيليّ، ولا سيّما أرشيف الجيش الإسرائيليّ.

عالج القسم الأوّل من الكتاب قوّات الاحتياط في فترة الييشوف اليهوديّ (مجتمع المستوطنين والمهاجرين اليهود في فلسطين قبل قيام إسرائيل) منذ اندلاع ثورة 1936 الفلسطينيّة وحتّى حرب 1948. وبحث أيضًا في حالة قوّات الاحتياط في الجيش الإسرائيليّ ودورها في حرب 1948. أمّا القسم الثاني، فبحث في عمليّة تنظيم قوّات الاحتياط في الجيش الإسرائيليّ ومأسستها في العامين اللّذين أعقبا حرب 1948، ووقَف على دورها في الفترة الممتدّة من 1949 إلى 1967، ولا سيّما في حربَي 1956 و1967. وبحث القسم الثالث وضْع قوّات الاحتياط في الجيش الإسرائيليّ ودورها من أواخر 1967 إلى عام 1974. وفي الخاتمة وقف المؤلِّف على وضع قوّات الاحتياط في الجيش الإسرائيليّ في العقدين الأخيرين، وحلَّل العوامل التي ساهمت في تقلّص العدد الإجماليّ للاحتياط في الجيش الإسرائيليّ منذ الثمانينيّات وحتّى اليوم.

أشار المؤلّف في القسم الأوّل من الكتاب إلى أنَّ قادة المنظّمة العسكريّة الهاجاناه وقادة الييشوف اليهوديّ في فلسطين، قد بذلوا جهدًا جمًّا، خلال العقد الذي سبق تأسيس إسرائيل، في البحث عن الحلول لجملةٍ من القضايا الأمنيّة – العسكريّة المتعلِّقة بالصّراع مع الفلسطينيّين والعرب، وفي مقدّمها: كيفيّة الوصول إلى أكبر قوّةٍ عسكريّة ممكنة لليشوف استعدادًا للحرب مع الفلسطينيّين وبقيّة العرب، وماهيّة العلاقة والنسبة - من حيث العدد والنوعيّة - بين القوّة النّظامية للهاجاناه المكوَّنة من "البلماح" (كتائب الانقضاض) وقوّات الاحتياط التابعة للهاجاناه، وما هي الفترة الزمنيّة المطلوبة لاستدعاء قوّات الاحتياط التابعة للهاجاناه للحرب، وكيفيّة تدريب قوّات الاحتياط التابعة للهاجاناه ونوعيّته من أجل الحفاظ على الاستعداد الدائم للقتال. ووضعت قيادتا الييشوف والهاجاناه خططًا إستراتيجيّةً شاملة بشأن كيفيّة تفعيل القوّة العسكريّة لليشوف ضدّ الفلسطينيّين، كان من أبرزها "خطّة أ" في عام 1941 والتي طُوِّرت إلى "خطّة ب" في عام 1945 وإلى "خطّة ج"  في عام 1946 وإلى "خطّة د" في آذار / مارس 1948، والتي قامت قوّات الهاجاناه، ومن ثمّ الجيش الإسرائيليّ، بموجبها باحتلال القرى الفلسطينيّة وتدميرها وطرد سكّانها الفلسطينيّين منها. وأكَّد المؤلِّف أنَّ نجاح قيادة الييشوف في معالجة القضايا الأمنيّة المذكورة أعلاه في العقد الذي سبق تأسيس إسرائيل، كان له الدور الحاسم في تحديد نتائج حرب 1948. فقد تمكَّن الييشوف في فلسطين الذي لم يتجاوز عدد أفراده 700 ألف نسمة في منتصف عام 1948، من أن يجنِّد مقاتلين أكثر من جميع الجيوش والقوّات العربيّة التي شاركت في حرب 1948 طوال مراحلها؛ إذ كان عدد ميليشيا الهاجاناه 65 ألف مقاتل ومقاتلة. وكان قد تطوَّع أيضًا، بقرارٍ وتشجيع من قيادة الييشوف، للخدمة في الجيش البريطانيّ خلال الحرب العالميّة الثانية، أكثر من 30 ألفًا من الييشوف اليهوديّ في فلسطين، جاء ثلثاهما من بين صفوف منظّمة الهاجاناه. وعند تأسيس الجيش الإسرائيليّ في أيار / مايو 1948 من جوف منظّمة الهاجاناه، بلغ عدد أفراده 36500. وبعد ذلك بشهرٍ واحد، ارتفع عدد أفراده إلى 54 ألفًا. وقد ظَّل عدد أفراده يزداد أسبوعًا بعد آخر إلى أن بلغ في كانون الأوّل / ديسمبر 1948 نحو 104 آلاف، بعد استدعاء كامل قوّات الاحتياط وتخفيض سنّ الخدمة العسكريّة في صيف 1948 إلى 17 عامًا، وكذلك على إثر وصول ما يزيد عن 20 ألف متطوِّعٍ يهوديٍّ من العالم وانخراطهم في صفوف الجيش الإسرائيليّ، كما ذكر المؤلّف. وفي آذار / مارس 1949 وصل عدد أفراد الجيش الإسرائيليّ إلى 114500. أمّا عدد أفراد الجيوش والقوّات العربيّة التي شاركت في حرب 1948، فقد بلغ 30 ألفًا في أيار / مايو 1948. وارتفع هذا العدد في نهاية الحرب ووصل إلى 60 ألفًا، كان معظمهم من الجيش المصريّ.

في القسم الثاني من الكتاب، أشار المؤلّف إلى المداولات والنقاشات التي جرت في هيئة الأركان العامّة للجيش الإسرائيليّ وفي وزارة الدفاع، بشأن كيفيّة تنظيم الجيش الإسرائيليّ وإعداده للحرب المقبلة، وحجم كلٍّ من الجيش النّظامي وقوّات الاحتياط. ونوَّه المؤلِّف بأنَّ القيادة الإسرائيليّة كانت تدرك أنَّ إسرائيل لا تستطيع من الناحية الاقتصاديّة الاحتفاظ بجيشٍ نظاميٍّ كبير، لذلك اقترح دافيد بن غوريون تخفيض عدد أفراد الجيش النّظاميّ إلى 20 ألفًا وزيادة قوّات الاحتياط إلى أكبر عددٍ ممكن لكي يكون بمقدور الجيش الإسرائيليّ مواجهة جميع جيوش الدول العربيّة. وبعد مداولاتٍ بين هيئة الأركان ودافيد بن غوريون تقرَّر في بداية عام 1950 أن يكون عدد الجيش النّظاميّ في تلك الفترة 30 ألفًا، وتكون قوّات الاحتياط القوّة القتاليّة الأساسيّة في الجيش الإسرائيليّ. وأضاف المؤلّف أنَّه بناءً على ذلك جرى تنظيم قوّات الاحتياط على مرحلتين. استُدعي في المرحلة الأولى في بداية عام 1950 للخدمة في قوّات الاحتياط جميع المشاركين في حرب 1948 من ذوي الخبرة العسكريّة، وبلغ عددهم 80 ألفًا. وفي المرحلة الثانية استُدعي جميع المواطنين من المهاجرين الجدد الذين كانوا في سنّ الخدمة العسكريّة، والذين لم يشاركوا في حرب 1948 لسببٍ أو آخر. وبعد استكمال المرحلتين في نهاية 1950 بلغ عدد قوّات الاحتياط 210 آلاف جنديٍّ، فأصبح بذلك تعداد الجيش الإسرائيليّ 243 ألف جنديٍّ وضابط. ومع زيادة الهجرة إلى إسرائيل في عام 1953 بلغ عدد جيش الاحتياط 292 ألفًا والجيش النّظامي 46 ألفًا. وتخصّص الجيش النّظامي في مواجهة مشاكل الأمن الجاري والقيام بتدريب جيش الاحتياط واستيعاب عددٍ من أفراد الجيش في وحداته بعد انتهاء خدمتهم الإلزاميّة. أمّا دور قوّات الاحتياط، فكان القيام بالتدريب لمدّة شهرٍ في السنة على الأقلّ والاستعداد للحرب المقبلة، أو المشاركة في عمليّاتٍ عسكريّة نوعيّة إلى جانب الجيش النّظاميّ عندما تقتضي الضرورة.

جيش الاحتياط والتوسّع في المجال الحيويّ الإسرائيليّ

مستندًا إلى وثائق هيئات الأركان العامّة للجيش الإسرائيليّ وخططِها في الخمسينيّات والستينيّات، أشار المؤلّف إلى أنَّ المؤسّستين العسكريّة والسياسيّة الإسرائيليّتين رأتا أنَّ حرب 1948 لم تنتهِ، وأنَّها لم تكن سوى جولة واحدة من سلسلة جولاتٍ من الحروب التي على إسرائيل الاستعداد لها وتحيّن الفرص المواتية للقيام بها. والهدف هو استكمال "تحرير البلاد" وتوسيع حدود إسرائيل في جميع الاتّجاهات. إذ إنَّ مفهوم التوسّع الإقليميّ، كان متينًا ومجذِّرًا في جميع هيئات الأركان العامّة، كما أكَّد المؤلّف. فقد رافقت قضيّة التوسّع في أراضي الدول العربيّة المجاورة الجيشَ الإسرائيليّ منذ تأسيسه وحتّى اليوم (ص 214). وأشار المؤلّف إلى أنَّ تركيبة الجيش الإسرائيليّ واعتماده أساسًا على الاحتياط قد أثَّرت، إضافةً إلى عواملَ أخرى، في تبنّيه سياسة التوسّع الإقليميّ. وقد بلورت هيئة الأركان العامّة للجيش الإسرائيليّ منذ عام 1950 إستراتيجيّة التوسّع الإقليميّ، ووضعت الخطط العملياتيّة لتطبيق هذه الإستراتيجيّة، تحت سلسلة "حالات" التي ينبغي لإسرائيل شنّ حربٍ توسعيّة عند مواجهتها. ويتبيَّن من هذه الخطط التي وضعها الجيش الإسرائيليّ في عام 1950، وحملت أسماء "حالة الكلّ" و"حالة شمال - جنوب" و"حالة شرق"، أنَّ الهدف منها التوسّع الإقليميّ في "المجال الحيويّ الإستراتيجيّ لإسرائيل"، في جميع الاتّجاهات والوصول إلى حدودٍ طبيعيّة لإسرائيل (ص 216). وشملت هذه الخطط شنّ حربٍ على الأردن واحتلال الضفّة الغربيّة وشرق الأردن والتموضع في الخطّ الواقع شرقيّ عمان – المفرق – إربد.

وذكر المؤلّف أنَّ الجيش الإسرائيليّ وضع خططًا في حزيران / يونيو 1953 للتوسّع في جميع الجهات. وشمل ذلك احتلال الضفّة الغربيّة وسيناء والجولان وجنوب لبنان حتّى نهر الليطاني (ص 217). وفي ضوء ازدياد التوتّر بين بريطانيا ومصر في أعقاب ثورة 23 يوليو، وضع الجيش الإسرائيليّ في عام 1953 خطّة "غور- 1" التي هدفت إلى تهيئة الجيش الإسرائيليّ إلى استغلال الخلاف المصريّ - البريطاني لاحتلال سيناء من أجل تحصين حدود إسرائيل من الناحيتين الأمنيّة والاقتصاديّة، فيما إذا رأت إسرائيل أنَّ الظرف يسمح بذلك. وأشارت الخطّة إلى أنَّه "يصل إنتاج كميّة النفط في سيناء إلى 2.5 مليون طن في السنة. وتقترب حاجة إسرائيل إلى 1.5 مليون طن في السنة. وبناءً على ذلك سيكفي النفط في سيناء حاجة إسرائيل من النفط وما يزيد عن ذلك ستقوم إسرائيل بتصديره" (ص 218).

وفي تشرين الأوّل / أكتوبر 1953 وضع الجيش الإسرائيليّ خطّة "عكن" لاحتلال الضفّة الغربيّة وشرق الأردن من "أجل تعزيز مكانة إسرائيل الأمنيّة وتحقيق عمقٍ جغرافيٍّ متينٍ وحدودٍ طبيعيّة". ودعت الخطّة إلى طرد أغلبيّة العرب من هذه المناطق لأنَّهم سيشكّلون خطرًا على هُويّة إسرائيل. وأشارت خطّة "عكن" إلى فوائدها الاقتصاديّة، فهي تضمن السيطرة الكاملة على الثروة الطبيعيّة في البحر الميّت وتفتح "إمكانات التوسّع باتّجاه السعوديّة وحقول النفط، وكلُّ ذلك يشكّل باب أملٍ لازدهارٍ سريع لدولة إسرائيل" (ص 219).

في عام 1953 أجرى الجيش الإسرائيليّ بحثًا شاملًا عن إسرائيل والدول العربيّة من جميع النواحي السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والعسكريّة والديموغرافيّة. وقد قام بهذا البحث خيرة الباحثين المتخصّصين العسكريّين والمدنيّين الإسرائيليّين. وكان هدفه، كما يقول المؤلّف، التأسيس لفكرٍ عسكريٍّ إسرائيليٍّ تجري وفقه إعادة تشكيل حدود إسرائيل، وأُطلق على هذا المشروع مخطّط "نفو". وأشار المؤلّف إلى أنَّ مخطّط "نفو" شكَّل معلمًا مهمًّا في ذهنيّة الجيش الإسرائيليّ في مسألة التوسّع الإقليميّ. وقد استخلص مخطّط "نفو" أنَّ على إسرائيل توسيع حدودها في جميع الاتّجاهات. في الجنوب، ينبغي احتلال شبه جزيرة سيناء واستغلال ثرواتها الطبيعيّة ولا سيّما النفط والمنغنيز. وفي الشرق، ينبغي احتلال الضفّة الغربيّة وشرق الأردن وتصفية دولة الأردن وجعل حدود إسرائيل الشرقيّة تصل إلى الصحراء السوريّة الفاصلة بين الأردن والعراق، وكذلك احتلال جانبَي خليج العقبة، وهذا يُمكِّن إسرائيل من استغلال الثروات الطبيعيّة في هذه المناطق ولا سيّما ثروات البحر الميّت. وفي الشمال ينبغي لإسرائيل احتلال الباشان وحوران والجولان وقمّة جبل الشيخ وجنوب لبنان حتّى مصبّ نهر الليطانيّ، وضمّها إلى إسرائيل، وهذا يُمكِّن إسرائيل من استغلال الثروات الطبيعيّة في هذه المناطق، ولا سيّما المياه وحقول الحنطة (ص 222- 223). وبما أنَّ المناطق التي طالب مخطّط "نفو" إسرائيل باحتلالها وضمّها إليها مأهولةٌ بالعرب، شدَّد هذا المخطّط على ضرورة طرد الأغلبيّة العظمى من العرب من هذه المناطق للحفاظ على الطابع اليهوديّ لإسرائيل.

اشتراك بن غوريون في الخطط

كان رئيس الحكومة الإسرائيليّة دافيد بن غوريون على علمٍ تامٍّ بالخطط التوسعيّة التي وضعها الجيش الإسرائيليّ وشارك، كما يقول المؤلّف، في كثير من الأحيان في المداولات والنقاشات التي أجرتها هيئة الأركان بشأن هذه الخطط. وفي ربيع 1956 وضع الجيش الإسرائيليّ خططًا حربيّةً بهدف توسيع حدود إسرائيل. وأجرت هيئة الأركان العامّة سلسلةً من الاجتماعات لبحث هذه الخطط شارك فيها رئيس الحكومة ووزير الدفاع بن غوريون، ورئيس هيئة الأركان العامّة موشيه ديان، ورئيس قسم التدريب في الجيش الإسرائيليّ يتسحاق رابين. وساد اتّفاقٌ بين الحاضرين أنَّه على إسرائيل أن توسّع حدودها في الحرب المقبلة. واتّفق الحاضرون على أنَّ هذه الحرب لن تكون الأخيرة. وأشار المؤلّف إلى أنَّ خلافًا ظهر بين موشيه ديان ويتسحاق رابين بشأن أولويّة التوسّع الإسرائيليّ؛ فقد قال رابين إنَّه ينبغي التوسّع نحو الشرق في الحرب المقبلة واحتلال الضفّة الغربيّة وضمّها إلى إسرائيل. وفي إجابته عن سؤال بن غوريون عن مصير الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة عند احتلالها، قال رابين إنَّ الحلّ يكمن في طردهم. أمّا موشيه ديان، فتمسّك بأولويّة التوسّع نحو الجنوب واحتلال سيناء وضمّها إلى إسرائيل، ولا سيّما أنَّها قليلة السكّان. وكان رأي بن غوريون أنَّ خطّة الحرب ينبغي أن تولي الأهميّة إلى الاعتبارات السياسيّة – الدوليّة وإلى موقف الدول الكبرى، وأنَّ هدف الحرب ينبغي أن يكون هزيمة عبد الناصر إلى جانب التوسّع الإقليميّ، لأنَّه يحمل مشروعًا قوميًّا يسعى لتحقيقه من خلال ضرب إسرائيل (ص 224). وعندما توصَّلت إسرائيل وفرنسا وبريطانيا إلى اتّفاقٍ سرّي على الاعتداء على مصر، اعتقد بن غوريون أنَّ العوامل السياسيّة الدوليّة باتت ملائمةً لشنّ حربٍ من أجل إسقاط عبد الناصر وتوسيع حدود إسرائيل في كلّ الجهات، تمامًا كما كانت تقترح المؤسَّسة العسكريّة منذ سنوات. ويشير المؤلّف إلى أنَّ ما كتبه بن غوريون في مذكّراته في 22 تشرين الأوّل / أكتوبر 1956، وهو على متن الطائرة الفرنسيّة التي أقلَّته إلى باريس، للاجتماع في بلدة سيفر مع القيادتين الفرنسيّة والبريطانيّة، تمهيدًا لشنّ العدوان الثلاثيّ على مصر، لم يكن ناجمًا عن شطحةٍ خياليّةٍ لبن غوريون، وإنّما انسجم تمامًا مع ما كان فعلًا يفكِّر فيه بن غوريون ومع خطط الجيش الإسرائيليّ. فقد كتب بن غوريون: "الخطّة هي إسقاط ناصر وتصفية دولة الأردن وتقسيمها بين إسرائيل والعراق. تضمّ إسرائيل الضفّة الغربيّة، بينما يضمّ العراق شرق الأردن. وتضمّ إسرائيل أجزاء من سورية وجنوب لبنان حتّى الليطاني". وكتب بن غوريون في مذكّراته وهو في الطائرة عائدًا من باريس إلى تل أبيب: "كان يوم أمس يومًا عظيمًا، فقد جرى التوصّل إلى اتّفاقٍ بشنّ الحرب المشتركة على سيناء والسويس. قبل ذلك تحدَّثت مع جي موليه [رئيس وزراء فرنسا آنذاك] وأخبرته عن اكتشاف كمّياتٍ كبيرة من النفط في جنوب سيناء وغربها، وأنَّه من المجدي اقتطاع شبه جزيرة سيناء من مصر التي لم تكن تابعةً لها وإنّما سرقها الإنكليز من الأتراك عندما كانوا يظنّون أنَّ مصر في جيبهم. لقد اقترحت عليهم مدّ خطّ أنابيب من سيناء إلى حيفا لتكرير البترول، وأبدى موليه اهتمامه بالاقتراح" (ص 227). أشار المؤلّف إلى أنَّ بن غوريون كان يدرك أنَّ توسيع حدود إسرائيل وضمّ سيناء إلى إسرائيل لا يمكنه أن يصبح أمرًا واقعًا ودائمًا ما لم تدعمه الدول العظمى، وفي مقدّمها بريطانيا وفرنسا والولايات المتّحدة. وهذا هو السبب، كما ذكر المؤلّف، الذي دعا بن غوريون إلى إيصال خططه التوسعيّة للدول العظمى وإظهار مزاياها بالنسبة إلى مصالحها في الشرق الأوسط ولا سيّما لكلٍّ من فرنسا وبريطانيا.

أكَّد المؤلّف في الفصل الأخير من الكتاب أنَّ قوّات الاحتياط في الجيش الإسرائيليّ قامت بالدور الأساسي في جميع الحروب التي خاضتها إسرائيل منذ عام 1948 وحتّى اليوم. واستعرض المؤلّف وحلَّل العوامل الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة التي قادت إلى تقليص عدد قوّات الاحتياط في الجيش الإسرائيليّ في العقود الثلاثة الأخيرة، سواء كان ذلك ناجمًا عن زيادة ظاهرة التهرّب من الخدمة الإلزاميّة في الجيش الإسرائيليّ ولا سيّما من جانب اليهود المتديّنين "الحرديم"، أو بمبادرة من قيادة الجيش لأسبابٍ اقتصاديّة. أشار المؤلّف إلى أنَّ عدد اليهود الإسرائيليّين الذين كانوا في عام 2000 في سنّ الخدمة في قوّات الاحتياط (21 - 45 عامًا) قد بلغ 830 ألفًا. استُدعي منهم للخدمة في جيش الاحتياط 200 ألفٍ فقط. وبلغ معدّل خدمتهم في الجيش 16 يومًا فقط، وخدم نصفهم بين يومٍ واحد وثلاثة أيّام، أمضوها في أمور إداريّة وليس في التدرّب. وخدم 100 ألف منهم أربعة أيام أو أكثر. و32 ألفًا فقط خدموا 26 يومًا أو أكثر. في حين أنَّه كان من المفترض أن يخدم الفرد من قوّات الاحتياط شهرًا على الأقلّ من كلِّ عام. وأشار المؤلّف إلى أنَّ عدد الجيش الإسرائيليّ كلّه - قوّات الاحتياط والجيش النّظامي معًا – يبلغ حاليًّا 622 ألفًا (ص 482).

وهذا يعني أنَّ قوّات الاحتياط في الجيش الإسرائيليّ لم تزد على ما كانت عليه منذ ثلاثة عقود ونيف، وذلك على الرّغم من تضاعف عدد سكّان إسرائيل منذ تلك الفترة وحتّى اليوم. وقد دعا المؤلّف إلى معالجة هذا الوضع وزيادة عدد قوّات الاحتياط والتمسّك بالخدمة الإلزاميّة والتصدّي لظاهرة التهرّب من الخدمة في الجيش التي زادت كثيرًا في العقدين الأخيرين، وإلى تقديم الحوافز الماديّة للّذين يُستدعَون سنويًّا للخدمة في قوّات الاحتياط.


** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.