العنوان هنا
دراسات 29 يونيو ، 2011

محددات الموقف التركي من الأزمة السورية: الأبعاد الآنية والانعكاسات المستقبلية

الكلمات المفتاحية

علي حسين باكير

باحث في العلاقات الدولية ومهتم بالشؤون الاستراتيجية في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية (USAK). يعمل على إعداد الدكتوراه في العلاقات الدولية حول موضوع "القوّة". حاصل على تمهيدي دكتوراه بدرجة ممتاز وهو الأول على الدفعة، ماجستير في العلوم السياسية بدرجة "ممتاز" مع توصية بنشر الرسالة وتداولها، ودبلوم في العلاقات الدولية والدبلوماسية من جامعة بيروت العربية، وإجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية (الأول على الدفعة في مختلف الفروع). عمل باحثا ومحررًا في مجموعة الاقتصاد والأعمال (AIWA)، وهو باحث متعاون مع مركز الجزيرة للدراسات، وباحث مشارك في المجموعة الجيواستراتيجية للدراسات وله منشورات في عدد آخر من المراكز البحثيّة العربية المرموقة كمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ومركز الخليج للأبحاث، ومركز دراسات الشرق الأوسط، ومركز سبأ للدراسات الاستراتيجية، ومركز المسبار للدراسات والبحوث، والمركز العربي للدراسات الإنسانية. شارك في تأليف عددٍ من الكتب، كما صدرت له عدّة مؤلفات منذ العام 2007 حول تركيا، إيران، الخليج العربي، والصين. له أكثر من 400 مقال وتقرير وبحث ودراسة منشورة في عدد من المراكز البحثية المرموقة في العالم العربي، و في نحو 40 صحيفة (أبرزها الحياة والنهار) و (مجلة الملك خالد العسكرية، آراء حول الخليج، مدارات استراتيجية، آفاق المستقبل، دراسات شرق أوسطية ) ودورية محكمة (أبرزها فصلية الدفاع الوطني التابعة لوزارة الدفاع اللبنانية، وتقرير البيان الاستراتيجي السنوي، السياسة الدولية). تمّ ترجمة عدد من تقاريره إلى اللغات اليابانية والتركية والفارسية والإنجليزية والفرنسية والأردو ونشرها في بلدانها. كما استضافته عدة فضائيات كقناة anb الفضائية وقناة الجزيرة وقناة العالم وقناة المجد الفضائية وأوريانت والبي بي سي العربية والـ سي ا ن بي سي العربية، وشارك في عدد من الندوات وورش العمل والمؤتمرات. يمكن متابعة بعض منشوراته على : www.alibakeer.maktoobblog.com

تعتقد تركيا أنّ علاقاتها مع سورية ورصيدها لدى الأسد قد يخوّلانها إقناعه بالاستجابة لمطالب شعبه المشروعة، سواء عن طريق النصيحة أو عبْر الضّغط بما ينهي الأزمة الداخلية ويجنّب الدولة السوريّة وتركيا مأزقًا كبيرًا وانزلاق الأحداث إلى ما هو أسوأ سيّما وأنّها مستعدّة لتأمين الدعم اللازم لإجراء الإصلاحات الجذريّة.

الموقف التركي من الأزمة السورية يتحرّك ببطء ولكن بشكل تصاعدي في الضّغط على الأسد، فلدى أنقرة مخاوف مشروعة وتعتمد في الوقت نفسه على عددٍ من المعطيات الموضوعيّة في رسم مسار موقفها من الأزمة السوريّة، فحساباتها دقيقة جدا ومعقّدة، وهي تحاول أن توازن بين اعتبارات حسّاسة متعدّدة في آنٍ واحد أثناء اتّخاذها لموقفها.

هي تعرف أنّ التغيير سيطال المنطقة برمّتها، لكنّها تخاف من سيناريو الفوضى الكارثي نظرًا لارتباط النظام السوري بملفات متفجّرة، وتأمل أن تدير هذا الموضوع من سورية بشكلٍ يحفظ الحقوق والمطالب الشعبية التي تساندها، ويؤدّي في الوقت نفسه إلى تجنيبها الخسائر الكارثية فيما لو انزلقت الأمور إلى الفوضى.

الوقت سيكون العنصر الأساس في المعادلة، فإنْ استطاع الأسد سحْق الاحتجاجات معتمدًا الخيار الإيراني في التعامل معها، فارضًا سياسة الأمر الواقع على الجميع، فإنّ هذا قد يضع تركيا في موقفٍ حرجٍ جدا مع سورية حالها في ذلك حال المجتمع الدولي. أمّا إذا رفض الأسد الأخذ بالنصيحة التركيّة وفشل في الوقت نفسه في قمع الاحتجاجات، فإنّ ذلك سيعرّضه لضغوط أشدّ وسيكون الموقف التركي منسجمًا مع هذه الضّغوط.

تعتبر العلاقة المميّزة التركية - السورية مِنْ أبرز إنجازات حزب العدالة والتنمية الخارجيّة منذ مجيئه إلى السلطة في العام 2002، فبعد أن كان البلدان على شفير الحرب في العام 1998، تطوّرت العلاقات بينهما بعد اتّفاق أضنة الموقّع في 20 تشرين الأوّل/ أكتوبر1998 الذي أنهى ملفّ احتضان سورية لحزب العمّال الكردستاني. وقد هيّأ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا في العام 2002 لمزيدٍ من التقارب مع سورية، فزار الرئيس الأسد تركيا في العام 2004، وردّ الرئيس أحمد نجدت سيزر بزيارة في العام 2005[1]، رغم الاعتراض الأمريكي الشديد من إدارة بوش الابن التي كانت تشدّد الحصار والعزل السياسي والدبلوماسي على سورية.

وشهدت السياسة الخارجية التركّية تحولاً كبيراً وسريعاً عندما مهّد كلٌّ من عبدالله غول[2] ورجب طيب أردوغان[3] لاعتماد رؤية أحمد داوود أوغلو [4]( كان مستشارًا لأردوغان في ذلك الوقت) التي تهدف إلى إعادة تعريف دور تركيا في المنطقة التي صاغها في مفهوم "العمق الاستراتيجي"[5].

ومع وضع سياسة "تصفير النزاعات" المنبثقة من هذه الرؤية موضع التنفيذ، حصل انقلابٌ في عددٍ من السياسات التقليدية للجمهورية التركية، وخاصّةً فيما يتعلّق بالسياسة الخارجية للبلاد[6]، فتحوّلت العلاقة بين تركيا و سورية إلى علاقة استراتيجية، وتمّ حلّ العديد من المشاكل العالقة بين البلدين، ثم ما لبثت هذه العلاقة أنْ شهدت تطوّراتٍ حاسمة خاصّةً مع وصول أوغلو إلى وزارة الخارجيّة في العام 2009.


[1] انظر:
Turkey´s Political Relations with Syria, Ministry of Foreign Affairs, Republic of Turkey:
www.mfa.gov.tr/turkey_s-political-relations-with-syria.en.mfa

[2] عبدالله غول: شغل منصب رئيس الوزراء من عام 2002 إلى عام 2003، ومنصب وزير الخارجية من عام 2003 حتى عام 2007، ومنصب رئيس الجمهورية منذ العام 2007 حتى اليوم.

[3] رجب طيب أردوغان: يشغل منصب رئيس الوزراء منذ عام 2003 وحتى اليوم.

[4] أحمد داوود أوغلو: وزير الخارجية منذ العام 2009 وحتى اليوم.

[5] للمزيد من التفاصيل حول التحول والمشروع التركي في المنطقة، انظر مقال علي حسين باكير، نشرته المديرية العامة للصحافة والمعلومات بمكتب رئيس الوزراء التركي بتاريخ 7/4/2010، تحت: "عنوان الاستثمار العربي في المشروع الإقليمي التركي"، متوفر باللغتين التركية والعربية على هذا الرابط:http://alibakeer.maktoobblog.com/1599534

[6] للمزيد من التفاصيل حول الموضع، انظر: علي حسين باكير، "تركيا الجديدة- الصعود الإقليمي وصراع الأجندات"، مجلة مدارات استراتيجية، مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية (اليمن)، السنة الأولى، العدد الأول، نوفمبر-ديسمبر 2009، ص110-114. متوفر على الرابط التالي:http://alibakeer.maktoobblog.com/1599445