العنوان هنا
دراسات 06 فبراير ، 2012

مأزق الانتقال السّياسيّ في الجزائر

الكلمات المفتاحية

عبد الناصر جابي

أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الجزائر، تخصص منذ سنوات في دراسة الحركات العمالية والنقابية في الجزائر، وكذا تحليل الحركات الاحتجاجية السياسية والاجتماعية التي عرفتها الجزائر في فترة ما بعد سبعينيات القرن العشرين. لديه العديد من الإسهامات في تحليل وتأريخ الحراك السياسي والاجتماعي في الجزائر، ومن بين مؤلفاته المنشورة: "الجزائر تتحرك: دراسة سوسيو-سياسية للإضرابات العمالية في الجزائر"، (الجزائر: دار الحكمة،1995)، و"الانتخابات: الدولة و المجتمع "، (الجزائر: دار القصبة، 1997)، و"الجزائر من الحركة العمالية إلى الحركات الشعبية"، (الجزائر: المعهد الوطني للعمل، 2001). وكذا المشاركة بورقة تحت عنوان: "الحركات الاجتماعية في الجزائر بين أزمة الدولة الوطنية وشروخ المجتمع"، في المؤلف المشترك: "الحركات الاجتماعية في العالم العربي"، (القاهرة: مركز البحوث العربية والإفريقية ومكتبة مدبولي، 2006). كما نشر العديد من المقالات والبحوث التحليلية في دوريات متخصصة مثل: "الشباب والانتخابات الرئاسية في الجزائر"، و"الانتخابات التشريعية الجزائرية... انتخابات استقرار... أم ركود ؟"، و"الانتخابات الرئاسية الجزائرية :إشكالية الترشح والمشاركة"، و"مساهمة في سوسيولوجية النخبة النقابية الجزائرية: حالة قيادة الاتحاد العام للعمال الجزائريين" (مجلة نقد)،وكذا " Algeria: from social regimentation to new popular movements".
    • مقدّمة
    • أفرز الحَراك السّياسيّ النّوعي الّذي تعيشه المجتمعات العربيّة منذ بداية عام 2011؛ بدءًا من تونس، ومرورًا بمصر واليمن، ووصولًا إلى ليبيا وسورية وحتّى المغرب؛ تحوّلات سياسية ذات أبعاد ديموغرافيّة،  فقد عاد الحديث بقوّة عن جيل الشّباب ودوره السّياسيّ، بعد اندلاع هذه الأحداث الّتي أدّت إلى تهديد وإسقاط أنظمةٍ سياسيّةٍ هرِمة ومشاريعها لتوريث الحكم للجيل الثّاني من أبناء الحكّام. وهي أنظمة سياسيّة سيطرت فيها - في الغالب - "العائلة "على الفعل السّياسيّ الرّسميّ على نحوٍ واضح، فاحتكرت المال والسّلاح والسّياسة، كمثل الّذي حدث في مصر واليمن وليبيا، وسبقها النّظام السّوريّ إلى تدشين مشاريع التّوريث السّياسيّ للجيل الثّاني من الحكّام في المنطقة العربيّة.
    • ظهرت فئة الشّباب كمبادر بهذا الحَرَاك السّياسيّ النّوعيّ، وتمكّنت من كسب تجنيد شعبيّ قويّ من  فئاتٍ اجتماعيّةٍ أوسعَ وأكثرَ تنوّعًا. وتتميّز هذه الفئات الشّابّة بخصائص سوسيولوجيّة وثقافيّة، مثل انتمائها للفئات الوسطى الحضريّة - كما كان بارزًا في الحالة المصريّة - حيث استفادت تلك الفئاتُ من تعليمها العالي وإجادتها التّامّة للّغات الأجنبيّة، ممّا أهّلها للاستفادة القُصوى من تقنيات الميديا الجديدة، الّتي وظّفتها بقوّةٍ في إنجاح الحركات الاحتجاجيّة، والمبادرة بها في غفلةٍ من أجهزة الدّولة القمعيّة والمعارضة الرّسميّة، الّتي تحدثت عن التّغيير والإصلاح طويلًا دونما أدنى إنجازٍ على أرض الواقع.
    • وأضحى انتشار التّعليم كمتغيّر رئيس هو الآخرُ مُعطًى ديموغرافيًّا وسياسيًّا في هذا الحَراك العربيّ، حتّى في حالة اليمن، الّتي قيل الكثير عن محدوديّة انتشار التّعليم فيها، مقارنةً بالحالة العربيّة العامّة.
    •  نحن -باختصار- أمام إفرازاتٍ نوعيّةٍ لهذه التّحوّلات الدّيموغرافيّة الّتي عاشتها المجتمعات العربيّة في العقود الأخيرة، نتيجةَ انتشار التّعليم وتأثيراته المعروفة؛ كخروج المرأة إلى العمل، وتنظيم النّسل، والهجرة إلى المدن، وتفكّك قيم التّنشئة الاجتماعيّة التّقليديّة، وغلبة حالة العائلة النّوويّة بصورةٍ أوسع. لقد سمحت هذه التّداعياتُ مُجتمعةً ببروزٍ واضحٍ لقيم "الأنا " عند جيل الشّباب الّذي بادر بالحَراك السّياسيّ في أكثر من حالة عربيّة. وجرى هذا الحَراكُ خارج مؤسّسات "الأب" السّياسيّة الّتي يمثّلها النّظام السّياسيّ الرّسميّ والحزبُ السّياسيّ العربيّ أحسنَ تمثيلٍ، بقيمه الأبويّة، وممارساته التّسلطيّة؛ كما استشْرت هذه الخصائص لدى الحزب المعارض المنادي بالتّغيير.


  • 1 . الانتقال على الطريقة الجزائريّة

  • سنحاول دراسة حالة الانتقال السّياسيّ في الجزائر انطلاقًا من هذه الإشكاليّة الدّيموغرافيّة، بكلّ ما يميّزها في الحالة الجزائريّة من خصائصَ ونتائج على المستوى السّياسيّ. وسننحاز في دراسة هذه الإشكاليّة الدّيموغرافيّة إلى مُؤلَّف كارل منهايم عن إشكاليّة الأجيال السّياسيّة[1]، ومُؤلّفات إيمانويل تود[2] عن إشكاليّة تأثير انتشار التّعليم ومحو أميّة البنات -تحديدًا- مع كلّ ما يتبعها من تقليصٍ في معدّلات الإنجاب، وما يرتبط به من اضطراب قيم التّنشئة العائليّة، وما يترتّب عليها من سُلوكٍ سياسيّ جديد لدى الأجيال الشّابّة. ويعترف إيمانويل تود، في الفصل الّذي خصّصه لدراسة التّحوّلات الّتي عاشها العالم العربيّ على المستويات الدّيموغرافيّة وتداعياتها السّياسيّة، بأنّ التّحوّلات في الجزائر -مقارنةً بالحالة العربيّة- لم تكن سهلةً دائمًا[3].
  •  ويرى كلٌّ من إمانويل تود ويوسف كرباج "أنّ التّقدّم الثّقافيّ يُربك النّاس، وأنّه لا بُدّ من تصوّرِ مُجتمعٍ ينتشرُ فيه التّعليمُ انتشارًا كبيرًا، ليتحوّلَ إلى قاعدةٍ سائدة. وعليه؛ فإنّ أيّ مجتمع ينتشر فيه التّعليم، سرعان ما تضطربُ فيه علاقاتُ السّلطة داخل العائلة الواحدة، حيث يُصبِحُ الابنُ متحكّمًا في القراءة، ويبقى الأبُ أمِّيًّا. كذلك؛ فإنّ أساليب تنظيم الولادات الّتي تظهر بعد انتشار التّعليم، عادةً ما تُعيد النّظر في العلاقات التّقليديّة بين الرّجل والمرأة، ولاسيّما في سلطة الرّجل على زوجته. لتؤدّي هذه القطيعةُ المتعدّدةُ المستويات في العلاقات السُّلطويّة آخر الأمر إلى إرباكٍ عامٍّ للمُجتمع؛ بل إلى انهيارٍ مؤقّتٍ للسُّلطة السّياسيّة في الغالب.. وقد يكون هذا الانهيارُ عنيفًا. بصيغة أخرى؛ فإنّ عصر محو أميّة المجتمعات، وانتشار التّعليم، وتحديد النّسل، هو عصر الثّورات"[4]. ويعود المؤلِّفان ليقرّرا في نهاية الأمر - بحسب قراءتِهما واستنتاجِهما- أنّ الثّورات الإنكليزيّة والرّوسيّة والصّينيّة، ما هي إلّا أمثلةٌ ساطعةٌ منطبقةٌ تمامًا على اتّجاهات ما يجري في العالم العربيّ.
  •  يركّز كارل منهايم في طرحه لإشكاليّة الجيل على الفروق بين الأجيال من الجوانب البيولوجيّة والتّاريخيّة والسيسيولوجيّة، ليتحدّث عمّا سمّاه "اللّحظة الجيليّة" الّتي تُميِّزُ كلَّ جيلٍ عن الآخرِ قائلًا: "إنّها لحظةُ تكوُّنِ تجرِبةٍ جماعيّةٍ لجيلٍ مُعيّنٍ، تدفعُ به ليسلك سُلُوكًا معيّنًا، وليتميّز كذلك بثقافةٍ سياسيّةٍ معيّنة. فهي إذًا؛ تجرِبةٌ تجعلُه يختلف عن الأجيال الأخرى، خاصّةً إذا ربطنا ذلك بتَشَكُّلِ الحركات الاجتماعيّة. وهكذا تبقى إشكاليّةُ الجيل إشكاليّةً مُهمّةً لابدّ من تناولها بجدِّيّةٍ، باعتبارها أحدَ المحاور الضّروريّة لفهمِ تَشَكُّلِ الحركات الاجتماعيّة والفكريّة. أمّا جانبُها العمَلِيّ؛ فيصبح أمرًا مفروغًا منه حالَ فَهِمنَا التّحولاتِ المتسارِعةَ للحدثيّة الرّاهنة فهمًا دقيقًا"[5].
  • ويتساءلُ كارل منهايم عمّا يؤسّس لوَحدة جيلٍ ما، وعن الكثافة الكبيرة في العلاقات الّتي تظهر بين أبناء ذلك الجيل، لكنّه يعود ليقول: "إنّ أوّل ما يبدو؛ عند تصوّرنا لوَحدة جيلٍ بعينه، هو ذلك التّقاربُ العميقُ للمُكوِّنات الّتي تكوِّن وعيَ كلِّ فرد. ولهذه المُكوِّناتِ -من وُجهةِ نظرٍ سيسيولوجيّة- أهميّتُها؛ لا بسببِ معانيها ودلالاتها فحسب، بل لكونها تُشكِّل مجموعةً من أفرادٍ معزولينَ يملكون قوَّةَ تنشِئةٍ اجتماعيّة"[6].
  • بهذا المعنى؛ فإنّنا نكونُ -افتراضًا- أمامَ ثلاثةِ أجيالٍ سياسيّةٍ أساسيّةٍ في الجزائر، ارتبط بها إنجازُ عمليّة الانتقال السّياسيّ الّتي لن تكون سياسيّةً فقط؛ بل ديموغرافيّة كذلك، ممّا يزيدها -قطعًا- صعوبةً. فالانتقال السّلس في الجزائر، يعني انتقال السُّلطة السّياسيّة من الجيل الّذي قاد ثورة التّحرير وأنجز الاستقلالَ الوطنيّ إلى الأجيال الّتي تلته.
  • لقد استمرّ جيل التّحرير على رأس الدّولة الوطنيّة بعد الاستقلال إلى الآن. فالجيل المولود بين العقدين الثّاني والثّالث من القرن الماضي، هو ما نُسمّيه في هذه الدّراسة بالجيل الأوّل. وعليه، سيكون الانتقال السّياسيّ لصالح الجيل الثّاني الّذي وُلد في السّنوات الأخيرة من حرب التّحرير (1954-1962) وبدايات الاستقلال. إلّا أنّ هذا الجيل يبقى مختلفًا عن الجيل الأوّل على أكثر من صعيد، فهو جيلٌ أحسنُ تعليمًا وأكثرُ مدنيّةً من الجيل الأوّل.
  • هذا ما سمّيناه سيناريو الانتقال الهادئ والسَّلِس للسُّلطة من الجيل الأوّل إلى الجيل الثّاني، فالجيلان يعرفان بعضهما البعض، ويملكان نظرةً إيجابيّةً عن بعضهما البعض كذلك، وهو ما يُسهِّلُ عمليّة الانتقال ويجعلُها إيجابيّةً لتدفع بالأوضاع في الجزائر نحو الأمام. إنّ عمليّة الانتقال السّياسيّ بين جيلين، ستُبقي الجزائر في حدود الوطنيّة؛ حيث الوطنيّة هي: فكرةٌ سياسيّةٌ سائدةٌ ومهيمنةٌ، حتّى ولو اعتراها بعضُ التّغيير جرّاءَ هذا الانتقال الّذي لن يكون إلّا في اتّجاهٍ أكثرَ انفتاحًا على العصر وقَبولًا من المجتمع.
  • على العكس من هذا السّيناريو الإيجابيّ، يمكننا تَصَوُّرُ سيناريو آخرَ أكثر اضطرابًا وأحدّ قطيعةً، مُقارنةً بالسيناريو الأوّل. إنّه سيناريو انتقال السُّلطة من الجيل الأوّل إلى الجيل الثّالث الأصغر سِنًّا، والمختلف من حيثُ تنشئته وخصائص لحظتِه السّياسيّة، كما يقول كارل منهايم. فهو جيل الفعل المباشر، الّذي وُلِدَ وعاش وتربّى في فترة ما بعد الاستقلال، وهي فترةٌ بدأت فيها مشاريعُ الدّولة الوطنيّة تشهد الكثيرَ من الشُّروخ والإعياء. إنّه الجيلُ الّذي قاد الحركاتِ الاحتجاجيّةَ وعبّر من خلالها عن رفضه لأوضاعه، وعن معارضته للفئات الحاكمة، وسلطتها السّياسيّة، ومؤسّساتها، وخطابها السّياسيّ. هذا؛ مع افتراضنا في هذه الدّراسة، أنّ الجيل الأوّل قد وصل إلى نهاية مشواره في الحياة، لأنّه أصبح هرمًا بيولوجيًّا، فضلًا عن الاعتبارات السّياسيّة الأخرى المرتبطة بتسييره للشّأن العامّ، ممّا يحتِّم ضرورةَ انتقال السُّلطة السياسيّة إلى جيلٍ أصغرَ سِنًّا.
  • مهْما كانت نوعيّةُ الانتقال وتداعياتُها، سواءً تعلّق الأمرُ بالسّيناريو الأوّل أو الثّاني؛ فالجزائر -من هذا المنظار- تعيش في وضعيّةٍ تُشبه كثيرًا المرحلةَ الأخيرةَ من الحقبةِ السّوفييتيّة الّتي شاخت فيها القيادة السّياسيّة كلُّها في وقتٍ واحد، باعتبارها وليدة الجيل نفسه تقريبًا. إنّها مرحلةُ انقراضٍ بيولوجيٍّ لجيلٍ كاملٍ -في الفترة نفسها تقريبًا- بكلِّ ما حمله معه من تداعياتٍ سياسيّةٍ ومؤسّساتيّةٍ معروفةٍ، أثّرت بحدّةٍ - في آخر أيّام التّجرِبة السّوفييتيّة - في مشاريع الانتقال السّياسيّ.
  • يخبرنا تاريخ الجزائر السّياسيّ، أنّ هذا النّوع من الإشكالات الدّيموغرافيّة السّياسيّة المرتبطة بالأجيال السياسيّة ودورها المحدّد في عمليّات الانتقال السّياسيّ من محطّةٍ سياسيّةٍ إلى أخرى، قد عاشته الجزائر بصفة جليّة عند اندلاع ثورة التّحرير في بداية الخمسينيّاتِ من القرن الماضي. لقد قام جيل الفعل الثّوريّ المباشر[7] والحسم العسكريّ للمسألة الوطنيّة بقيادة الشّباب، وتحديدًا مجموعة الـ22[8]، الّتي كانت وراء تأسيس جبهة التّحرير- وانطلاق العمل المُسلّح في عام 1954. لقد كان ذلك الحَرَاكُ انقلابًا فعليًّا على الجيل الأب، الذي كان يمثّله زعيم الحركة الوطنيّة مصالي الحاج، وجيله من أبناء الحركة الّذين ناضلوا من أجل الاستقلال الوطنيّ بدءًا من عشرينيّات القرن الماضي، عن طريق الحزب السّياسيّ وأدوات اللُّعبة السّياسيّة، كالانتخابات الّتي جرت بُعيد الحرب العالميّة الثّانية على وجه التّحديد[9].
  • إنّ أوّلَ صراع أجيال شهِدتهُ الجزائرُ هو الّذي وقع بين جيل الآباء المؤسّسين للحركة الوطنيّة، وجيل الفعل الثّوري المباشر الأصغر منه سنًّا، حيث اتّهم هذا الجيل الأوّل بمهادنةِ الحالة الاستعماريّة، وعدم قيامه بالقطيعة الّتي يفرضها الكفاح المسلّح الّذي بادر به الأخيرُ (أي جيل الفعل الثّوري) في أوّل تشرين الثاني / نوفمبر من عام 1954 ضدّ الاستعمار الفرنسيّ[10]. أثّر هذا الصّراع بين الجيلين بصورة واضحة في محتوى الفكرة السّياسيّة الوطنيّة، إذ أُدمج فيها كثير من المقولات الّتي أفرزها هذا الصّراع، لتتحوّل أثناء الثّورة وبعد الاستقلال إلى "ثقافة سياسيّة وطنيّة". من تلك المقولات: رفضُ زعامة الفرد، وتفضيلُ القيادة السياسيّة الجماعيّة، وأولويّةُ الشّعب على النُّخبة. وللتّذكير؛ فقد وصلت معاداةُ النُّخبة إلى حدودها القُصوى في أثناء ثورة التّحرير في بعض الولايات. ومن تجلّيات الصّراع كذلك؛ سيطرةُ العسكريّ على السّياسيّ، وتحوُّلُ المثقّف إلى ما يشبه الكاتب التّابع، ونبذُ النِّقاش السّياسيّ والفكريّ العَلنيّ لصالح التّسويات الشّخصيّة والشّلليّة المبنيّة على موازين القُوى المؤقّتة. هذه وتلك؛ جميعُها كانت من إفرازات هذه المرحلة المؤسِّسَة في تاريخ الوطنيّة الجزائريّة ومحتواها الفكريّ.
  • بالعودة إلى موضوع الانتقال السّياسيّ وعلاقاته بالأجيال السياسيّة في الحالة الجزائريّة الرّاهنة، يمكننا القول إنّ تحليلًا أعمقَ لخصائصِ كُلِّ جيل، ولشُروطِ عمليّة الانتقال المرتبطة بكُلّ سيناريو، سيُفيدنا أكثر في فهم هذا الانتقال على الطّريقة الجزائريّة الّذي كثُر الحديثُ عنه بدءًا من كانون الثّاني / يناير 2011، وما تزامن مع أحداثٍ عاشتها الجزائر وشهدها العالم العربيّ بتجلّياتٍ مُختلفَة خلال هذه الفترة[11].

 

[1] Karl Mannheim , Le Problème des générations (1928), trad. Gérard Mauger, (Paris : Nathan, 1990).

[2] Emmanuel Todd ,Youssef Courbage, Le rendez -vous des civilisations , (Paris : éd. seuil  et la république des Idées , 2007).
 Emmanuel Todd , La diversité du monde : famille et modernité , (Paris : éd. seuil , 1999).

[3] Emmanuel Todd, Youssef Courbage Le rendez -vous des civilisations, (Paris, éd. Seuil et la république des Idées , 2007), p. 73.

[4] المصدر السابق، ص 32.

[5]  Karl Mannheim , Le Problème des générationsOp. Cit., P. 7.

[6] Ibid., p19.

[7] تمثّله الوجوه الّتي نظّمت اجتماع مجموعة الـ 22 الّذي أُعلن فيه عن ثورة التّحرير في تشرين الثاني / نوفمبر 1954 . من أعضاء تلك المجموعة؛ محمد بوضياف، كريم بلقاسم، ديدوش مراد، العربيّ بن المهيدي. وهناك شخصيات لم تحضر الاجتماع بسبب وجودها في الخارج، مثل: حسين آيت أحمد وأحمد بن بلة.

[8] نشبت أزمة في "حركة انتصار الحريات الديمقراطية" (حزب الشعب سابقا)، وعرفت أوجها خلال مؤتمر الحزب الثاني في نيسان / أبريل 1953، وبرز الصراع بين اللجنة المركزية للحزب ورئيسه مصالي الحاج وأتباعه فسمّي صراع المركزيين والمصاليين. ووقفت مجموعة من المناضلين الذين كانوا يؤمنون بالحلّ العسكري لتحقيق الاستقلال على الحياد في هذا الصّراع، وقرّروا تجاوز الجمود الذي سبّبه هذا الصّراع وعقدوا اجتماعا ضمّ 22 منهم، قرّروا فيه التحضير لتفجير الثورة.

[9] يمكن العودة إلى الكثير من المؤرّخين الجزائريّين الّذين تحدّثوا عن هذه المرحلة من تاريخ الحركة الوطنيّة كمحمد حربي أو محفوظ قداش.

[10] لم يبق هذا الصّراع سياسيًّا فحسب، فقد تحوّل بعد الإعلان عن الثّورة إلى مواجهات مسلّحة بين الطّرفين على الأرض الفرنسيّة خصوصًا، والّتي كان أنصار مصالي حاضرين فيها بقوّة . لمزيد من التّفاصيل انظر:
Benjamin stora , Messali Hadj : Pionnier du nationalisme algérien, (Paris, éd. Hachette, 2004).

[11] في الحقيقة؛ ليس هناك إجماع  في الجزائر - حتّى بعد أحداث كانون الثاني / يناير 2011- على ضرورة الانتقال إلى نظامٍ سياسيّ آخر. فبعض القُوى السّياسيّة الرّسميّة، كقيادة التّجمّعِ الوطنيّ الدّيمقراطيّ، ترى أنّ الجزائر أنجزت انتقالها من الأُحاديّة إلى التّعَدُّديَّة في عام 1988، وبالتالي؛ فهي ليست في حاجةٍ إلى انتقالٍ ثانٍ، فالجزائر فيها أحزابٌ وانتخاباتٌ دوريّةٌ وفيها إعلامٌ مستقلّ.. لذا فهي ليست مُطالبةً بإنجاز عمليّةِ انتقال.