تتناول هذه الورقة المكاسب الممكنة، والتحدّيات التي تواجه مشروع العملة الخليجيّة الموحّدة. وتحاول إبراز المكاسب الإستراتيجيّة من إحداث تغيّرات هيكليّة في إستراتيجيات السّياسات النقديّة في دول المجلس، وإدخالها في حساب المكاسب والتّكاليف. كما تبيّن التحدّيات الموجودة في ظلّ التحوّلات الهيكليّة المقبلة على الاقتصاد العالمي (وتبعاتها خصوصًا على الاقتصاد الأميركي، ووضع العملة الأميركيّة)، ومن ثمّ على المسرح السّياسي العالميّ المقبل. ونجْمِل تلك التحدّيات في ثلاثة محاورَ رئيسة هي:
(أ) الإرادة والالتزام السياسيّان: وهو تحدٍّ تكويني أساسيّ، يقع الرّبط بينه وبين المكاسب الإستراتيجية بعيدة المدى. فإذا أرادت دول المجلس أن يكون لها موضع في هذا الاقتصاد الكونيّ الدّيناميكي؛ فيجب أن تنجح في تكوين منطقة عملة موحّدة بسياسةٍ نقديّة مستقلّة. وأن تنطلق العملة قويّة، وبأدنى معدّل تضخّم ممكن. وأن تكتسب قوّة متنامية خلال فترةٍ وجيزة نسبيًّا؛ بحيث تحتلّ مكانتها كعملة احتياطي رئيسة.
(ب) السياديّة المؤسّسية (سياسات اقتصاديّة): وهي ذات صلة باستقرار العملة الموحّدة واستمرارها. وهنا سيقع التطرّق إلى أزمة ديون أوروبا؛ لاستخلاص العبر والدّروس.
(ج) متطلّبات فنّية تأسيسيّة: تتمثّل في توافر البنى التّحتية البحثيّة والإحصائيّة، والكفاءات البشريّة، والتي يمثّل عدم توافرها بالقدر والجودة المطلوبين تحدّيًا آخرَ. ونخصّ بالذّكر منها منظومة الأبحاث العلميّة اللّازمة التي تُبنى عليها إستراتيجيّة السّياسة النقديّة الموحّدة وإدارتها، وتستنتجان كذلك منها؛ هذا مع صون الاستقرار النّقدي والماليّ، واستقرار الأسعار في منطقة العملة الموحّدة. وتخرج الورقة بتوصيات: منها تشكيل مجلس اقتصاديّ أعلى لمنطقة العملة الموحّدة؛ يتولّى وضع الخطط الماليّة وخطط الدّين العامّ والتّمويل للميزانيّات، وتكوين جهاز للتدخّل بالتمويل في أوقات الأزمات، وإنشاء جهاز مركزيّ إحصائيّ لمنظومة الاتّحاد النّقدي مع قائمةٍ بالخطوات والمتطلّبات الفنّية الواجب الاستجابة لها.
* هذه الورقة مبنيّة على محاضرة أُلقيت في ندوة "تقييم مسيرة مجلس التعاون في قمّة الكويت" في الأمانة العامّة لمجلس التّعاون الخليجي، في الرياض بتاريخ 6/3/2010.
أتقدّم بالشكر الجزيل إلى د. سيد السماديسي على اقتراحاته وأفكاره القيّمة، كما أشكر د. أليكس انتونيادس على أفكاره المفيدة.
إنّ الآراء المطروحة في هذه الورقة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها وليس بالضرورة عن وجهة نظر مصرف قطر المركزي.