يمثِّل حضور الدّين في المجال العام المصريّ أحد الملامح الرئيسة لمرحلة ما بعد ثورة 25 يناير، وهو حضور أصاب البعض بالقلق، ليس فقط بسبب ما أدّى إليه من استقطاب واحتقان بين القوى الإسلاميّة والقوى اللّيبرالية والعلمانيّة، وإنّما أيضا بسبب ما قد يراه البعض انتكاسةً وردّةً على مكتسبات الثّورة "المدنيّة" التي تفترض زيادة مساحة المدنيّ على حساب الدّينيّ في الفضاءيْن السّياسيّ والاجتماعيّ؛ وهو ما قد يعطّل عملية التحوّل الدّيمقراطي في مصر بحسب البعض. غير أنّ البعض الآخر يعتقد أنّ سقوط نظام مبارك وانتهاء هيمنة حزبه الحاكم (الحزب الوطني الدّيمقراطي)، قد أدّى إلى بروز تنوُّع شديدٍ في خريطة الحياة السّياسية المصريّة وأوزان الفاعلين. فمنذ تنحّي مبارك ظهرت العديد من الأحزاب والقوى السّياسية الجديدة التي تنتمي إلى مختلف التّيارات الفكرية والأيديولوجية. بيد أن التّحوُّل الأبرز تمثّل في حالة التّشظّي الّتي أصابت خريطة الحركات والأحزاب الإسلاميّة في مرحلة ما بعد الثّورة. فقد تجاوز عدد الأحزاب المستندة إلى مرجعيّة دينية أكثر من 15 حزبًا، ولا تزال إمكانية ازدياد هذا العدد واردةً إذا ما استمرت حالة الانفتاح السّياسي الرّاهنة.
تجادل هذه الدّراسة بأن الدّين سوف يكون له دورٌ مهم في تحديد شكل التّحول الدّيمقراطي وطبيعته في مصر خلال المرحلة المقبِلة. كما تؤكد أنّه لم تعد هناك قوّةٌ إسلاميّة مهيمنةٌ على المجال العام؛ وإنما حدث نوع من التشظِّي داخل الحركة الإسلاميّة. وتشير الدّراسة إلى أنه كلّما اتجهت مصر نحو الدّيمقراطية، حدث تحوُّل في خطاب الأحزاب والتيّارات الإسلامية القديمة والجديدة، وتنوّعت أيديولوجيّتِها وممارساتها.