مقدمة
تحاول هذه الدراسة البحث في مسألتَي الاستبداد السياسي والاستبداد الديني، في الفكر النهضوي، للوقوف على مدى اهتمام رواد النهضة بالمسألة، من خلال النظر في طبيعة العوائق الموجودة والممكنة بينهما، وانطلاقا من تمثلات الفاعلين السياسيين في التراث العربي الإسلامي لمسألة الدين والسلطة الدينية، وطبيعة الآثار السياسية والفكرية المترتبة على ذلك، محاولين معرفة مدى تأثير ذلك في حلم النهضة في الفكر العربي الحديث. تأخذ هذه المحاولة مرجعيةً فكريةً تتمثل بتجربة رائدين من رواد حركة النهضة العربية في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين؛ نعني بهما عبد الرحمن الكواكبي والشيخ علي عبد الرازق.
ونقصد بفرضية التطابق في نقد الاستبداد السياسي والاستبداد الديني أنّ صاحبينا يتقاطعان كثيرًا في نقدهما، سواء من ناحية الهمّ النهضوي المحرك لهما بوصفهما إصلاحيَين بارزين، أم من ناحية تجليات ذلك الهم في فكرهما وخطابهما على السواء. بيد أننا لا نقصد بالتطابق في هذا البحث التماهي بين الكواكبي وعبد الرازق في كلّ أقوالهما أو أفعالهما، بل المقصود أنّه بما أنهما ينطلقان من هم نهضوي وإصلاحي موحد من خلال وعيهما المتقد بفداحة الفارق بين واقعهما وواقع الأمم الأخرى المتقدمة في كل أمور الاجتماع والسياسة والدين، تولّد لديهما وتقاطع العديد من الإشكاليات على رأسها نقد الاستبداد السياسي والديني بوصفه مدخلًا لازمًا لكل نهضة منشودة.
* نشرت هذه الورقة في العدد 20 (ربيع 2017) من مجلة "تبين" (الصفحات 93-107) وهي مجلة فصلية محكّمة يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات وتُعنى بشؤون الفكر والفلسفة والنقد والدراسات الثقافية.
** تجدون في موقع دورية "تبيّن" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.