العنوان هنا
مراجعات 27 ديسمبر ، 2022

مراجعة كتاب هشام جعيط: مسار باحث ومفكر تونسي

عبد الحميد هنية

​أستاذ في برنامج التاريخ بمعهد الدوحة للدراسات العليا.

المؤلف: حياة عمامو.

عنوان الكتاب: هشام جعيط: مسار باحث ومفكر تونسي.

العنوان الأصلي: Hichem Djaït: Itinéraire d'un Universitaire Et Intellectuel Tunisien.

الناشر: Casablanca: Centre culturel du livre.

سنة النشر: 2019

عدد الصفحات: 142


يشتمل كتاب هشام جعيط: مسار باحث ومفكر تونسي، لحياة عمامو، على مقدمة من تحرير ممثلي الهيئتين الساهرتين على إنجازه (جائزة الملك فيصل بالمملكة العربية السعودية، وكرسي معهد العالم العربي بباريس)، وكذلك على توطئة، وأربعة فصول: يتناول الفصل الأول حياة جعيط ومساره العلمي، أما الثاني فهو يعرض مقتطفات من بعض مؤلفاته، ويتناول الفصل الثالث الكتابات التي خصت جعيط وإنتاجاته، وأخيرًا يختتم الكتاب بعرض لمختلف إنتاجات جعيط.

ترجع فكرة إنجاز هذا الكتاب إلى مبادرة هيئتين علميتين: جائزة الملك فيصل، وكرسي معهد العالم العربي بباريس. وكان الهدف هو التعريف لدى عموم الناس بحوالى مئة باحث وجامعي من البلاد العربية وفرنسا، تميزوا بما بذلوه من جهد لخلق ظروف الحوار البنّاء في أشكاله المتعددة بين ضفتَي المتوسط طوال القرنين الأخيرين.

بدأت الباحثة حياة عمامو بالتعريف بشخصية جعيط العلمية والفكرية، مبيّنة كيف أنه يُعد من أوائل الجامعيين التونسيين بعد الاستقلال، وعُرف بكونه مؤرخًا ومفكرًا في الوقت نفسه، وأثر بإنتاجاته في الساحة الثقافية والعلمية على نطاق واسع، وأن كتاباته شكّلت موضوع جدل منذ البداية ولا تزال.

تميز مسار جعيط بمجموعة من ثنائيات تشكلت على مستوى تكوينه الدراسي والمعرفي والفكري. فبينت المؤلفة كيف أنه ترعرع في وسط أرستقراطي، وهو مخضرم؛ إذ عاش فترة الاستعمار الفرنسي وفترة الاستقلال في ظل الدولة الوطنية. وكان تكوينه التعليمي في "المعهد الصادقي" مزدوج اللغة (عربي وفرنسي) ومتجذرًا في الأصالة العربية الإسلامية. ثم انتقل إلى باريس حيث عايش أجواء الحداثة الغربية، فخلق ذلك لديه حاجة إلى التفكير في مسألة الحداثة.

دعم جعيط تكوينه بقراءات متنوعة وخاصة في مجال الفلسفة، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، وغيرها، مما ساعده على الخوض في مسائل فكرية بداية من أواخر ستينيات القرن العشرين. وتواصل عطاؤه في هذا المجال طوال الفترة اللاحقة؛ إذ تميز بمعرفة واسعة، وبفكر نقدي لما له علاقة بالحضارة العربية الإسلامية في الماضي والحاضر مع مقارنتها بالحضارة الغربية، وكذلك بما له علاقة بمستقبل الإنسانية.

أما الثنائية الأخرى التي ميزت أعماله فهي المراوحة بين المرحلة التأسيسية للإسلام ومرحلة الالتقاء بين الإسلام والعالم الأوروبي في ظل صدمة الحداثة والشعور الأناني الذي يُميز الآخر. لم تكن مهمة جعيط في كل ذلك سهلة بالرغم من التكوين المتين الذي حصل عليه من معارف وسعة اطلاع. فتميزت إنتاجاته بشكلها المركب، سواء كان ذلك على مستوى التفكير أو على مستوى المنهج.

اهتم جعيط بدراسة العلاقة بين الإسلام والغرب في الفترة المعاصرة. وأبرز طبيعتها المركبة سواء عند الحديث عن التفوق التقني للغرب، أو عند الحديث عن مسؤولية القوى الاستعمارية في تشويه الحداثة في البلدان العربية الإسلامية. لكن اهتماماته الأساسية تبقى دراسة الإسلام في مرحلته التأسيسية، سلاحه في ذلك المعرفة الدقيقة بالمصادر وبكتابات المستشرقين والفكر النقدي. فركز على عدد من القضايا المهمة مثل "التمصر"، و"الفتنة"، و"السيرة المحمدية"، وغيرها.


*هذه المراجعة منشورة في العدد 17 من مجلة "أسطور" (تشرين الأول/ أكتوبر 2022)، وهي مجلة محكّمة للدراسات التاريخية المتخصصة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا كل ستة أشهر.
** تجدون في موقع دورية "أسطور" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.