العنوان هنا
مقالات 28 يوليو ، 2011

مطلوب "الشعب" العربي في القرن الجديد

محجوب الزويري

أستاذ تاريخ إيران والشرق الأوسط المعاصر في جامعة قطر. عمل الدكتور الزويري خبيرًا متخصصًا في قضايا إيران والشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، كما عمل رئيسًا لوحدة الدراسات الإيرانية في نفس المركز .وقد حصل على درجة الدكتوراه في تاريخ إيران الحديث من جامعة طهران في أيار (مايو) 2002. ومنذ آذار (مارس) 2003، عمل زميلًا باحثًا ومن ثمّ مديرًا لمركز الدراسات الإيرانية في معهد الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في جامعة درم/ بريطانيا. توسّع الدكتور الزويري في الكتابة عن إيران وقضايا الشرق الأوسط باللغات العربية والإنجليزية والفارسية. كما ساهم بمقالات عديدة في المجلات الأكاديمية الدولية. يتقن الدكتور الزويري اللغتين الإنجليزية والفارسية بالإضافة إلى اللغة العربية.

أقل من قرن من الزمان يمر على تأسيس ما يسمى بالدولة العربية الحديثة أو دولة "ما بعد الاستقلال". ثمانية عقود ونيف مرت على "الإنسان" العربي دون محاولة طرح سؤال مهم حول وجوده، وما هو المطلوب منه حيث يعيش؟

الجواب قيمته مليون ليرة ذهب العربية التي كانت في يوم من الأيام معيارا تقيس به العملات الأخرى مدى قدرتها الاقتصادية، لم يتم مواجهته وذلك لاعتبارات كثيرة على رأسها الخوف! الخوف من كل شيء على لا شيء. كان "الانسان" العربي في العقود العديدة التي مرت شيئا، لكن هذا الشيء أقرب إلى الوسيلة منه إلى أي شيء آخر؛ باسمه يحكم من يحكم دون أن يكون له رأي واختيار؛ وباسمه وباسم أمنه تصرف المليارات من الدولارات على السلاح؛ وباسمه يتم الحديث عن الاقتصاد والمشاريع دون أن يطاله منها إلا النزر اليسير وربما أقل. من أجله ومن أجل رفع ثقافته تنشأ الجامعات والمؤسسات لكن المطلوب أن يستفيد منها بالقدر والكيفية التي يسمح بها صاحب "الحول والطول".

في المقابل، كان على ذلك الإنسان أن يُسبّح بحمد من أخطأ ويخطئ، ويعتبر الهزيمة نصرا وأنها "جولة تتلوها جولات من الانتصار"، وأن المشاريع الاقتصادية نجحت أم فشلت هي كلها ناجحة، وعليه أن يتغنى بنجاحها، فهناك الطرق والمدارس والجامعات وانخفاض مستويات الأمية.... إلخ؛ كلها من خوارق الإنجازات. إن الأمور على أحسن حال أيها الإنسان، وإن المشككين ما هم إلا متشائمون أو أدوات للخارج المعادي، هكذا قال "صاحب الحول والطول".

"الدستور" الذي أرادت به أوروبا الخروج من العصور الوسطى إلى الحداثة والدولة التي تصان فيها حرية الإنسان وكرامته أصبحت النسخة العربية منه أداة لترسيخ حكم الحزب الواحد والشخص الواحد وكل شيء واحد إلا وحدانية الله. وباسم هذه النسخة المشوهة تحولت الدولة إلى أداة للقمع باسم الدستور، والانتخابات تزور تحت بركات الدستور، والدستور يتغير ويتبدل ويستفتى عليه ويفوز دائما بنسبة 99.9%.

الانسان بموجب ذلك الدستور "أداة" للطاعة، وإن خالف أصبح من حق السلطة التصرف في حق تلك الأداة بكل ما تراه يناسبها، فلا مجال بالنسبة "لصاحب الحول والطول" إلا "للأدوات" أن تعيش تحت ظلال سلطته. والديمقراطية التي تعد عجيبة العصر التي يبشر بها الغرب، تحولت وكل أدواتها إلى وسائل لتعزيز الاستبداد، فالانتخابات طالما عُرفت نتائجها قبل أن تنعقد، والبرلمانات التي يفترض أن تدافع عن مصالح الأمة أو المجتمع أصبحت أداة طيعة في يد "صاحب الحول والطول"، تعزز من الاستبداد، لا بل إنها تعتبره العدل بعينه!

هذا الزمان بكل ما فيه يبدو أن شمسه في طريقها للأفول. أفول بلا شك تدريجيا، لكنه ماضٍ. الزمن الجديد له كلمات مفاتيح، هذه المفاتيح تعبر عن التغيير المطلوب الذي دفع من أجله آلاف من العرب أرواحهم في نواح عدة، وآخرون يبدوا أنهم يتحررون من خوفهم ببطئ. المطلوب الذي يسعى العربي لتحقيقه في القرن الجديد ببساطة هو أن يكون مواطنا إنسانا لا عبدا أو أداة، وسيلة للبناء والإعمار بناءً على المشاركة لا على أساس الطاعة والجبروت. يريد أن يكون شريكا في السراء والضراء وليس في الضراء فقط. يريد الكرامة باختصار.

كل هذه تبدو إشاراته في كل هذا الحراك السياسي العلني وغير العلني العربي. كلها إشارات يمكن تجميعها من ذلك الحراك، لكن هذا في ظني لا يكفي، فالمطلوب صياغة خطاب وبدء التأريخ للمطلوب الذي يريده الإنسان العربي من كل هذا الحراك، فذلك الإنسان العربي الذي تَشارك في العيش في ظل الاستبداد، لماذا لا يتشارك في تجربة الخروج من مربع الاستبداد؟

المطلوب باختصار صياغة خطاب الحقبة الجديدة من تاريخ العرب المعاصر التي بدأت في السابع عشر من ديسمبر 2010.