Author Search
أستاذ الدراسات الأمنية والعسكرية بمعهد الدوحة للدراسات العليا.​
الدفاع الهجين في أوكرانيا موضوعًا لسيمنار المركز العربي
الدفاع الهجين في أوكرانيا موضوعًا لسيمنار المركز العربي
عمر عاشور
عمر عاشور
هانا شيلست
هانا شيلست
هاني عواد
هاني عواد

​استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، يوم الأربعاء 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، الدكتور عمر عاشور، أستاذ الدراسات الأمنية والعسكرية في معهد الدوحة للدراسات العليا، الذي قدّم محاضرة بعنوان "الدفاع الهجين في حروب الأنصار: المقاومة الأوكرانية في المناطق المحتلة (2014–2025)". تناولت المحاضرة ظاهرة المقاومة الأوكرانية ضد الاحتلال الروسي من منظور "الدفاع الهجين". وقد عقبت على المحاضرة الدكتورة هانا شيلست، مديرة دراسات الأمن وبرامج التواصل العالمي في مجلس السياسة الخارجية Ukrainian Prism، ورئيسة تحرير الدورية الأكاديمية Ukraine Analytica.

استهل عاشور مداخلته بعرض الإطار النظري لمشروعه البحثي حول استراتيجيات "مقاومة القوى الصغيرة للقوى الكبرى". وأوضح أن الحالة الأوكرانية منذ عام 2014، بدءًا من احتلال القرم وصولًا إلى حرب 2022-2025، تمثّل مختبرًا عمليًا لتطور مفهوم "الدفاع الهجين" الذي يجمع أدوات المقاومة التقليدية بالقدرات السيبرانية والمعلوماتية وحرب "الأنصار"، حيث أشار إلى أن نجاح روسيا في ضمّ شبه جزيرة القرم بوصفها "العملية الهجينة المثالية" لم يتكرر في المناطق الأخرى، إذ سرعان ما اصطدمت بالمقاومة المسلحة والمدنية التي نظّمها الأوكرانيون داخل الأراضي المحتلة.

وبيّن الباحث أن حروب الأنصار في أوكرانيا لم تكن مجرّد رد فعل لحظي، بل تشكّلت ضمن "نظام بيئي مقاوم" متعدد المستويات، يشمل مقاتلين شبه نظاميين، وحركات مدنية، وأجهزة أمنية واستخباراتية تعمل بتنسيق ميداني مركّب. وقد تتبّع الباحث تلك الشبكات عبر بيانات مفتوحة المصدر، ومقابلات ميدانية أجراها خلال أكثر من خمس رحلات ميدانية ومقابلات مع عشرات الناشطين والمقاتلين، ليخلص إلى توثيق أكثر من 600 عملية مقاومة.

وشرح عاشور أن مفهوم "الأنصار"(Partisans) يُستخدم هنا للإشارة إلى نشطاء ومقاتلين وطنيين مندمجين محليًا يعملون خلف خطوط العدو بهدف منع وصول العدو إلى المناطق المحتلة عبر التخريب وجمع الاستخبارات وعمليات التأثير المعلوماتي. وأكد أن المقاومة الأوكرانية طوّرت نموذجًا فريدًا يجمع بين الدفاع الهجين والمقاومة الشعبية المنظمة، بحيث مزجت بين التحركات المسلحة والتعبئة الرمزية والنفسية.

وتحتل حركة آتيش ((Atesh، أي "النار" ، موقعًا مركزيًا في هذه الشبكات. تأسست الحركة في أيلول/ سبتمبر 2022، وتعمل اليوم داخل القرم وجنوب أوكرانيا وفي عمق روسيا. نفّذت أكثر من مئة عملية تخريب واغتيالات وهجمات بعبوات ناسفة، وجمعت معلومات ميدانية دقيقة لمصلحة وحدات المدفعية الأوكرانية، ما عزّز عمليات الجيش الأوكراني في المناطق المحتلة خلال الهجمات المضادة. وأبرز عاشور أن الحركة ذات طابعٍ متعدد الأعراق، تضم تتار القرم ومواطنين روسًا معارضين، ما يدل على توسع فكرة "المقاومة الوطنية" خارج الحدود الأوكرانية بالمعنى الجغرافي.

إلى جانب "آتيش"، عرض المحاضر عددًا من المجموعات التي تشكّل منظومة "الدفاع الهجين": "المقاومة الوطنية الأوكرانية" التي تعمل منصة تنسيق ميدانية، و"جيش الأنصار" في مدينة بيرديانسك وضواحيها بمقاطعة زابوريجيا، و"مقاومة مارييوبول"، وغيرها. وأظهر التحليل أن حجم العمليات ومستوى تعقيدها في ارتفاعٍ مستمر رغم الإجراءات الروسية المضادة، وأن المقاومة استطاعت بناء "عمقٍ عملياتي" يتجاوز الأراضي الأوكرانية إلى الداخل الروسي، ما جعل قمعها مهمة صعبة.

وتطرّق عاشور إلى الدعم الذي تقدّمه المؤسسات الرسمية مثل قوات العمليات الخاصة واستخبارات الدفاع (HUR) وجهاز الأمن الأوكراني (SBU) عبر التمويل والتدريب والتنسيق الاستراتيجي، ما جعل المقاومة الأوكرانية نموذجًا متطورًا في توظيف أدوات حربية متعددة المجالات: ميدانية ومعلوماتية وسيبرانية ونفسية.

واختتم الباحث بمقارنتين لافتتَين: الأولى بين المقاومة الأوكرانية و"هجوم تيت" في فيتنام عام 1968، الذي تحوّل من فشل عملياتي إلى انتصار استراتيجي، والثانية عملية تحرير غروزني (1996) في حرب الشيشان الأولى التي انتهت بانتصار عملياتي كبير أدى لانتصار استراتيجي غير متوقع. واستخلص أن "حروب الأنصار" تنجح عندما يتحول تأثيرها النفسي والسياسي إلى أداة لاستنزاف العدوّ وإعادة صياغة الشرعية.

في التعقيب، شكرت الدكتورة هانا شيلست الباحث على الطرح وعلى توثيق جانب قلّما يُتناول في الدراسات العسكرية، مشيرةً إلى حساسية مصطلح "البارتيزان" في السياق الأوكراني لما يحمله من إرثٍ يرتبط بالحرب العالمية الثانية. وأوضحت أن الأوكرانيين يفضّلون مفهوم "المقاومة" الذي يشمل مجموعة من الأنشطة العنيفة وغير العنيفة، وأنّ كثيرًا من المقاتلين هم مدنيون ومحاربون قدامى لا ينتمون رسميًا إلى القوات المسلحة لكنهـم يمتلكون تدريبًا وخبرة أمنية. وبيّنت شيلست أن المقاومة الحديثة كسرت البنية الكلاسيكية لـ "الخلايا" المعروفة في حروب العصابات، لتحلّ محلّها هياكل رقمية مفتوحة تتيح لكل فرد الانضمام بأمان من خلال تطبيقات وبرامج مشفرة، ما يجعل القمع أكثر صعوبة ويعزز بقاء الحركة على المدى الطويل.

كما عرضت المعقبة تحليلًا لأهمية "المقاومة الثقافية" في الأراضي المحتلة، سواء من خلال الرموز الشعبية، كاليقطين الذي يرمز للرفض في الثقافة الأوكرانية، أو من خلال الشعارات والفكاهة التي تحوّلت إلى سلاح نفسي فعّال ضد الاحتلال الروسي. وأكّدت أنّ هذا البعد اللاعنفي يُكمل الدور القتالي للمقاومة المسلحة، إذ إنه يثبت الوجود الوطني ويمنح السكان في المناطق المحتلة شعورًا بالهوية والأمل.

شهد السيمنار في ختامه نقاشًا ثريًا شارك فيه باحثون من معهد الدوحة والمركز العربي، تمحور حول مستقبل "حروب الدفاع الهجين" في النزاعات المعاصرة، والإضافات والدروس التي يمكن استخلاصها من الحرب الأوكرانية، لا سيما في مجال المقاومة الشعبية.​