بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الثاني والخمسون من الدورية المحكّمة تبيُّن​ للدراسات الفلسفية والنظريات النقدية. تضمّن العدد مجموعة من الدراسات التي تناولت قضايا متعلقة بالدولة والقانون والأخلاق والهوية الثقافية.

يُستهلّ العدد بدراسة "الدولة والدولة العربية في مشروع بشارة الديمقراطي: مقاربات فلسفية سياسية" لمحمد عثمان محمود، الذي يناقش مقاربة عزمي بشارة لمفهوم الدولة في مشروعه الديمقراطي، ويُبيِّن في هذه الدراسة ما تميّزت به مقاربة بشارة مقارنةً بمقاربة جون رولز؛ إذ انشغل الأخير بأسئلة العدالة داخل الدولة الليبرالية القائمة، في حين عمد بشارة إلى تطوير نظريةٍ للدولة باعتبارها شرطًا تأسيسيًّا للديمقراطية في سياق عربي. ويهتمّ الباحث بالربط الذي يَعقِدُه بشارة بين الدولة والمواطنة والعدالة والمجتمع المدني؛ معتمدًا في ذلك على منهجٍ جدلي تحليلي، وموضحًا أن بشارة ينظر إلى الدولة بوصفها يوتوبيا سياسية واقعية تبدأ من تحليل نشأتها وتنتهي بشروط تحقّق الديمقراطية.

ويسلّط منير الكشو في دراسته، "الوضعية القانونية وإشكال الفصل والوصل بين القانون والأخلاق"، الضوء على الحجج التي قدّمتها فلسفة الوضعية القانونية لدعم أطروحة الفصل بين الأخلاق والقانون التي دافع عنها منظّروها، خصوصًا هربرت هارت وهانز كلسن، وتقدّم النقد الذي واجهته هذه الفلسفة من فقهاء وفلاسفة قانون؛ أمثال لون فولر، ورونالد دووركين، وغوستاف ردبروخ، الذين دافعوا - بدرجات متفاوتة - عن صيغة من الوصل بين الأخلاق والقانون، مؤكدين وجود افتراضات أخلاقية، مضمرة أحيانًا ومعلنة أحيانًا أخرى، في مساقات وضع القوانين وصناعة الأحكام القضائية، على نحو لا يمكن إقصاؤها من مجال القانون من دون نفي مفهوم القانون ذاته. وتدافع هذه الدراسة عن ضرورة تجاوز الفصل التقليدي بين نظريتَي القانون الطبيعي والوضعية القانونية، وبين الالتزامات القانونية والواجبات الأخلاقية؛ حتى تكون قادرة على إيلاء مبدأ سيادة القانون دورًا مركزيًا، وحتى يمكنها المساعدة في حماية الحقوق وتحقيق العدالة في حالات الجور والاستبداد والعنف والقتل الجماعي والتهجير القسري، التي حفل بها تاريخ الإنسانية الحديث، والتي يحفل بها حاضرنا في العديد من بلدان العالم.

ويركز عماد الجميعي في دراسته، "في تأنيث الأخلاق: العناية مقابل العدالة"، على أهمية أخلاقيات العناية في الفكر الأخلاقي الغربي المعاصر، وكيفية تحدّي المقاربة الليبرالية لفهم الذات ومعالجة الاحتياجات الاجتماعية والسياسية. وفي هذا السياق، ترفض أخلاقيات العناية فكرة الذات باعتبارها كيانًا مجردًا ومعزولًا، وتسلط الضوء، بدلًا من ذلك، على الترابط بين الأفراد في المجتمع. وتهدف إلى البرهنة على أن المقاربة الليبرالية، القائمة على مبدأ المساواة، تفشل في استيعاب تعقيد العلاقات الإنسانية، وتتجاهل أهمية قِيَمٍ من قَبيل الحب والرحمة والحساسية العاطفية. وتجادل الدراسة بأن دمج أخلاقيات العناية في الممارسات الديمقراطية يمكن أن يقدّم منظورًا مختلفًا للأخلاق، ويضفي طابعًا رعائيًا على العمليات السياسية؛ وليس الهدف من ذلك "تأنيث" الأخلاق، كما يدعي بعض النقاد، بل تعزيز العدالة الليبرالية بفهم أعمق للتجارب الإنسانية والهويات السردية.

ويكشف خمسي الدريدي، في دراسته "المفهوم المترحّل والمقاربة البينية: مفهوم ’الصنمية‘ نموذجًا"، دور المفاهيم المترحّلة في دعم المقاربة البينية، مركّزًا على مفهوم الصنمية/ الفيتشية نموذجًا. ويُظهر في دراسته كيفية انتقال هذا المفهوم بين الأنثروبولوجيا والفلسفة والاقتصاد السياسي والجماليات، مكتسبًا مرونة مكّنته من الربط بين مجالات معرفية متعددة.

وقد اختتم باب "دراسات" بدراسة محمود سيد أحمد، "العلاقة بين الأخلاق والقانون عند كانط"، وفيها يتناول مسألة الأخلاق في فلسفة كانط من خلال علاقتها بالدين والسياسة والميتافيزيقا والجمال. وتخلص هذه الدراسة إلى نتيجة مفادها أن كانط جعل الأسبقية للأخلاق في مقابل القانون؛ إذ إنه ينطلق في فلسفته القانونية من معانٍ ومصطلحات مستقاة من فلسفته الأخلاقية، مثل الحرية والإلزام ونسبة الأفعال ... إلخ. وانتهى الباحث إلى أنّ يورغن هابرماس قد اختلف مع كانط، فهو يرى أن العلاقة بين الأخلاق والقانون تكاملية، موضحًا أن هذه العلاقة تظهر في "خطوتين": الأولى في كتابيه الوعي الأخلاقي والفعل التواصلي، والنظرية والممارسة، والثانية في كتابه بين الوقائع والمعايير.

واشتمل العدد، أيضًا، على ترجمة لدراسة ريتشارد رورتي "حقوق الإنسان بين النزعتين العقلانية والعاطفية"، وقد نقلها إلى اللسان العربي محمد جديدي، وراجع ترجمتها مايكل مدحت يوسف. وفي باب "مراجعات الكتب"، تضمّن العدد ثلاث مراجعات: الأولى مراجعة كتاب فلسفات التعدّدية الثقافية لبول ماي، أعدّها جلة سماعين، والثانية مراجعة كتاب الهوية والذاكرة الجمعية: إعادة إنتاج الأدب العربي قبل الإسلام - أيام العرب أنموذجًا لعبد الستّار جبر، أعدّها زهير سوكاح، والثالثة مراجعة كتاب السياسة الحيوية من منظور الفلسفة الاجتماعية (دراسات في الجسد والمرض والعنصرية والعدالة الصحية في النظام الدولي الجديد) لزواوي بغورة، أعدّتها زبيدة مونية بن ميسي.

أمّا باب "عروض الكتب"، فقد اشتمل على أربعة عروض لكُتب صدرت مؤخرًا، أعدتها هيئة تحرير "تبيُّن"؛ هي: الديني والسياسي في فكر مارسيل غوشيه: نحو تأصيل فلسفي لمسالك الاستقلالية لعبد الرحيم البصري، والبشر ككائنات ثلاثية الأبعاد في رؤى العلوم الاجتماعية والإسلامية لمحمود الذوادي، والنزعة الإنسانية في شخصانية محمد عزيز الحبابي لإبراهيم مجيديلة، وبين الكلام والفلسفة لحسن أنصاري.

** تجدون في موقع دورية "تبيّن" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.