التجويع في أثناء الإبادة الجماعية: سلاح إسرائيل لترسيخ الاستعمار الاستيطاني في قطاع غزة
تحليل سياسات 26 أغسطس ، 2025

التجويع في أثناء الإبادة الجماعية: سلاح إسرائيل لترسيخ الاستعمار الاستيطاني في قطاع غزة

إيهاب محارمة

باحث مساعد في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. سكرتير تحرير مجلة "سياسات عربية". حاصل على درجتي ماجستير؛ الأولى في الدراسات الدولية من جامعة بيرزيت، والثانية في السياسات العامة من معهد الدوحة للدراسات العليا. تتركز اهتماماته البحثية في السياسات العامة.

مقدمة

في 22 آب/ أغسطس 2025، أكد التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، أول مرة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، "حدوث مجاعة في محافظة غزة، وتوقُّع انتشارها إلى محافظتي دير البلح وخان يونس بنهاية أيلول/ سبتمبر". وبحسب هذا التصنيف، يعيش أكثر من نصف مليون شخص في غزة المرحلة الخامسة الكارثية التي تعني المجاعة والموت والعوز وسوء التغذية الحاد، بينما يواجه 1.07 مليون شخص (54 في المئة من السكان) المرحلة الرابعة من انعدام الأمن الغذائي، ويقع 396 ألفًا آخرين (20% من السكان) في نطاق المرحلة الثالثة[1]. ومنذ بدء الإبادة الجماعية، في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أطلقت منظمات إغاثية وحقوقية دولية تحذيرات مبكرة من استعمال إسرائيل التجويع سلاحًا في حربها على القطاع[2]، وتصاعدت هذه التحذيرات أخيرًا مع صدور تقارير ميدانية تؤكد أن المجاعة باتت "وشيكة"، نتيجة الانهيار المتسارع في منظومة الأمن الغذائي[3]. وفي أواخر تموز/ يوليو 2025، أكد برنامج الأغذية العالمي أن قرابة ثلث سكان القطاع يقضون أيامًا بلا طعام[4]، وأن أكثر من 500 ألف شخص؛ أي نحو ربع سكان القطاع، يواجهون "ظروفًا شبيهة بالمجاعة، بينما يعاني باقي السكان من مستويات الجوع الطارئة"[5]، من جراء منع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية وتدميرها للبنية التحتية في القطاع.

ووفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، فإن عدد ضحايا المجاعة وسوء التغذية حتى 13 آب/ أغسطس 2025، بلغ 235 شخصًا، منهم 106 أطفال، و19 امرأة، و75 من كبار السن، و35 رجلًا فوق سن الثامنة عشرة[6]. ويواجه 40 ألف رضيع، تقل أعمارهم عن عام واحد، خطر الموت بسبب سوء التغذية، بينما يعاني 250 ألف طفل دون سن الخامسة نقصًا غذائيًا يهدد حياتهم، ويعيش 1.2 مليون طفل دون سن الثامنة عشرة حالة انعدام أمن غذائي حاد، وتعاني أكثر من 40 في المئة من النساء الحوامل والمرضعات سوء تغذية حادًا[7]. يتفاقم تأثير ذلك، مع اشتداد حدّة أزمة النظام الصحي، نظرًا إلى توقّف عددٍ من المستشفيات والمراكز الصحية العاملة في القطاع عن تقديم خدماتها أو تعليقها، بسبب الاستهداف الإسرائيلي، ونقص الإمدادات الصحية والوقود[8].

تشنّ إسرائيل منذ بدء الإبادة الجماعية في القطاع سياسة تجويع مقصودة، مستندة إلى ذريعة أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تسيطر على المساعدات الإنسانية؛ وهي ذريعة سبق أن فنّدتها مرارًا صحف ووكالات أنباء عالمية[9]. وفي الوقت الذي يواصل فيه رؤساء الدول والحكومات، ووسائل الإعلام السائدة، والمنظمات الإغاثية والحقوقية الدولية، التعبير عن قلقهم من تفشي المجاعة في القطاع، ومناشدتهم لاتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة آثارها، تغيب الإشارة إلى الطابع البنيوي والمدروس للتجويع، بوصفه أداة ضمن المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي.

تتناول هذه الورقة السياساتية سياسة التجويع التي تتبعها إسرائيل في القطاع منذ عام 1948، بوصفها إحدى ركائز هذا النظام الاستعماري الاستيطاني. وتجادل بأن سياسة التجويع المقصودة، التي بلغت ذروتها في حرب الإبادة الجماعية، تُشكّل أداة رئيسة في قتل الفلسطينيين، وإعادة تشكيل الخريطة الجغرافية والديموغرافية للقطاع بما يخدم الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية المتمثلة في تدمير القطاع، وترسيخ الهيمنة الاستعمارية والتوسع الاستيطاني، وتقويض قدرة الفلسطينيين على البقاء في أراضيهم تمهيدًا لتهجيرهم قسرًا. بعد تعريف التجويع والكشف عن أنه سمة ملازمة للعديد من تجارب الاستعمار الاستيطاني، تناقش الورقة حالة التجويع في القطاع قبل حرب الإبادة وفي أثنائها، وتكشف مخاطر استمرار سياسة التجويع في مرحلة ما بعد الحرب، وتقدم مقترحات لمواجهتها.


[1] التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي Integrated Food Security Phase Classification, IPC هو مبادرة عالمية تضم وكالات من الأمم المتحدة وشركاء إقليميين ومنظمات إغاثة، ويُصنف انعدام الأمن الغذائي في خمس مراحل، أشدها المجاعة التي تأتي في المرتبة الخامسة. يُنظر: "لأول مرة: تأكيد حدوث المجاعة في محافظة غزة وتوقعات بامتدادها إلى مناطق أخرى خلال أسابيع"، أخبار الأمم المتحدة، 22/8/2025، شوهد في 22/8/2025، في: https://tinyurl.com/nhfv27rx

[2] "إسرائيل: استخدام التجويع كسلاح حرب في غزة: أدلة تشير إلى تعمّد منع حصول المدنيين على الغذاء والماء"، هيومن رايتس ووتش، 18/12/2023، شوهد في 7/8/2025، في:https://shorturl.at/2HI9t

[3] “Gaza Strip: Famine is Imminent as 1.1 Million People, Half of Gaza, Experience Catastrophic Food Insecurity,” Integrated Food Security Phase Classification, 18/3/2024, accessed on 6/8/2025, at: https://tinyurl.com/y4a435k8

[4] Maia Davies, “Almost a Third of People in Gaza not Eating for days, UN Food Programme Warns,” BBCNews, 25/7/2025, accessed on 13/8/2025, at: https://tinyurl.com/2z333xxd

[5] "غزة - وكالات أممية تحذر من أن مؤشرات الغذاء تتجاوز عتبات المجاعة"، أخبار الأمم المتحدة، 29/7/2025، شوهد في 14/8/2025، في: https://tinyurl.com/48axa5es

[6] "تجويع غزة: 235 شهيدًا بسوء التغذية و40 ألف رضيع يواجهون خطر الموت"، ألترا فلسطين، 13/8/2025، شوهد في 14/8/2025، في: https://tinyurl.com/yx3f44h7

[7] المرجع نفسه؛ عمار النجار، "منظمة الصحة العالمية: مستويات سوء التغذية في غزة باتت تنذر بالخطر"، فرانس 24، 28/7/2025، شوهد في 14/8/2025، في: https://tinyurl.com/bday6sj8

[8] "منظمة الصحة العالمية تحذر من أن النظام الصحي بات على حافة الانهيار مع تصاعد الأعمال ‏العدائية في غزة"، منظمة الصحة العالمية، 22/5/2025، شوهد في 14/8/2025، في: https://tinyurl.com/vpd73we9

[9] Natan Odenheimer, “No Proof Hamas Routinely Stole U.N. Aid, Israeli Military Officials Say,” The New York Times, 26/7/2025, accessed on 5/8/2025, at: https://tinyurl.com/mr3jbwk7; Jonathan Landay, “Exclusive: USAID Analysis Found no Evidence of Massive Hamas theft of Gaza Aid,” Reuters, 25/7/2025, accessed on 5/8/2025, at: https://tinyurl.com/6cwjfk3x