دخلت الحرب الأهلية في السودان عامها الثالث منذ اندلاع الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع غير النظامية في 15 نيسان/ أبريل 2023. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 18800 مدني، وتشريد 9 ملايين سوداني داخل البلاد، ولجوء أكثر من 3 ملايين إلى خارجها، وتسببت في "أسوأ كارثة إنسانية" بالنظر إلى الحجم الهائل للاحتياجات الإنسانية وبروز بوادر المجاعة في عدة مناطق[1]. وعلى الرغم من ذلك، لا يحظى السودان بالاهتمام الدولي الذي يستحقه، وقد وصفت صحيفة
الإيكونوميست البريطانية وضعه بـ "الأزمة المنسية"[2]. وتعزو العديد من المنظمات العاملة في المجال الإنساني ذلك إلى ضعف التغطية الإعلامية الدولية لهذه الحرب مقارنةً بالأزمات الدولية الأخرى؛ فالمساحة التي خصصها الإعلام التقليدي لذلك، ونوعية التغطية ذاتها لا ترقى إلى الحيّز الإعلامي الذي خصّ به الغزو الروسي لأوكرانيا والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة[3]، وهذا بسبب تداخل عدة عوامل تتحمل فيها عدة أطراف، بما فيها أطراف الصراع ووسائل الإعلام، قدرًا كبيرًا من المسؤولية.
أظهرت البيانات، التي قدمتها شركة تشارتبيت Chartbeat للبيانات والتحليلات، في حزيران/ يونيو 2024، أن التغطية الإخبارية بلغت ذروتها في بداية الحرب الأهلية (نيسان/ أبريل 2023)، فقد نشرت 3000 مؤسسة إعلامية موزّعة على 70 دولة حوالى 7000 مقال جديد، لكن انخفض متوسط المقالات خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2024 إلى 600 مقال فقط شهريًا، في حين لم ينخفض متوسط التغطية الإعلامية الدولية لكل من الحرب على غزة وأوكرانيا عن 100 ألف مقال شهريًا[4]. وبهذا، لم يكن النزاع في السودان في قائمة الأحداث الأكثر أهمية في الساحة الدولية بحسب "نظرية وضع الأجندة" Agenda-Setting Theory التي تفترض أنه كلما حظي حدث في دولة ما بتغطية إخبارية أوسع، زاد إدراك الجمهور والحكومات والمنظمات الدولية لأهميته. إلا أن معيار حجم التغطية لا يحدد كيفية تلقي الجمهور الأخبار المتعلقة بحدث معين؛ إذ إنه بحسب نظرية "التأطير الإعلامي" Media Framing، فإن طبيعة التغطية وسرديتها ونبرتها تؤثر في الطريقة التي ينظر بها الجمهور إلى تلك الدولة، سلبيًا أو إيجابيًا[5]. فعلى الرغم من تقارب المساحة المخصصة لتغطية كل من الحرب في أوكرانيا والحرب على غزة، فإن نوع السردية يختلف تمامًا؛ إذ يجري تصوير المقاتلين الأوكرانيين باستمرار على أنهم "مدافعون" يخوضون نضالًا مشروعًا من أجل السيادة، في حين غالبًا ما يُوصف المقاتلين الفلسطينيين بمصطلحات سلبية تركز على ارتباطهم بالعنف أو الأزمات الإنسانية[6]. وأما في حالة السودان، فتحدد ستةُ عوامل طبيعةَ التغطية الإعلامية، نفصّلها فيما يأتي.
[1] Conor Lenon, “Sudan, ‘the most Devastating Humanitarian and Displacement Crisis in the World,’”
UN News, 14/2/2025, accessed on 9/4/2025, at: https://acr.ps/1L9zQYK; “Sudan Emergency Regional Refugee Response Plan January-December 2025,”
UNHCR Report, 3/2/2025, accessed on 9/4/2025, at:
https://acr.ps/1L9zQNs
[2] “Sudan: the War the World Forgot,”
The Economist, 24/5/2024, accessed on 9/4/2025, at:
https://acr.ps/1L9zR2r
[3] Rania Boukhari, “Sudan's Humanitarian Crisis Overshadowed by Other Global Conflicts,”
Global Affairs, 16/9/2024, accessed on 9/4/2025, at:
https://acr.ps/1L9zQiA; Gerrit Kurtz, “How (Not) to Talk About the War in Sudan,”
Megatrends Afrika, 22/4/2024, accessed on 25/4/2025, at:
https://acr.ps/1L9zQU1
[4] Mark Galloway, “The Challenge of Reporting Neglected Crises,”
IBT, 20/6/2024, accessed on 9/4/2025, at: https://acr.ps/1L9zQO2
[5] See Wayne Wanta & Simona Mikusova, “The AgendaSetting Process in International News,”
Central European Journal of Communication, vol. 2 (2010), pp. 221-235; Patricia Moy, David Tewksbury & Eirke M. Rinke, “Agenda-Setting, Priming, and Framing,” in: Klaus Bruhn Jensen et al. (eds.),
The International Encyclopedia of Communication Theory and Philosophy (Chichester, UK: Wiley-Blackwell, 2016).
[6] ينظر: حميد طراد لفتة، "تحليل المحتوى للتغطية الإعلامية لصراعات غزة وأوكرانيا"،
مجلة واسط للعلوم الإنسانية، مج 21، العدد 1 (2025).