مقدمة
في ظل التغيرات التي تشهدها الديناميات الإقليمية والعلاقات المتطورة بين الدول، غالبًا ما تتسم تصورات الرأي العام العربي تجاه إيران بالارتياب المزمن؛ وهو رأي ظل ثابتًا على مر السنوات؛ إذ إنها رسخت عقيدتها العسكرية بعد الحرب مع العراق، التي استمرت ثماني سنوات (1980–1988)، وكرست صورتها بوصفها تهديدًا محتملًا. ويعكس الوضع الإقليمي الراهن فكرة التهديد الإيراني المفترضة، والسردية الناجمة عنها التي مفادها أن إيران تشكّل المصدر الأساسي لعدم الاستقرار في المنطقة. ويدفع هذا العزل المتعمد طهران إلى المناورة وبسط هيمنتها من خلال شبكة غير تقليدية من التحالفات وتصورات سياسية جريئة بهدف ضمان أمنها وبقائها على المستوى القومي في منطقةٍ تميل إلى عزلها. ولا شك في أن تصور العالم العربي تجاه إيران مسألة متعددة الأوجه، تشكّلت بفعل التوترات التاريخية والانقسامات الأيديولوجية والتحالفات السياسية المتقلبة[1]. لكنّ حرب الإبادة الجماعية على غزة والنزاع في الشرق الأوسط الكبير قد أحدثا تغييرًا في السرديات المتعلقة بدور إيران السياسي والعسكري بين الشعوب العربية؛ وهذا أبرز رؤى جديدة عن ديناميات الرأي العام الإقليمي. وعلى الرغم من استمرار التهديد الإيراني المتصور في المنطقة، من دون تغيير يُذكر في مستواه منذ عام 2022، فإن تقرير
اتجاهات الرأي العام العربي نحو الحرب الإسرائيلية على غزة لعام 2024، الذي أصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يُظهر أن هناك نظرةً أكثر إيجابية تجاه إيران بسبب دورها في هذه الحرب[2]. ويتناول التقرير هذه التصورات المتغيرة، استنادًا إلى نتائجه ونتائج
مؤشر الرأي العام العربي لعام 2022.
يستند هذا التقرير إلى البيانات السابقة، بما في ذلك بيانات
مؤشر الرأي العام العربي
2019/2020، التي تعبّر عن مشاعر الشعوب العربية تجاه إيران، والتي أكدت أن العرب ما زالوا ينظرون إلى إيران بوصفها قوةً مزعزعةً للاستقرار وخطرًا إقليميًا كبيرًا. وقد أصدر المركز، في عام 2020، التقرير الأخير عن تصورات الرأي العام العربي تجاه إيران الذي يستند إلى البيانات المجمّعة في
مؤشر الرأي العام العربي
2017/
2018 ومؤشر الرأي العام العربي
2019/
2020[3]. وتبيّن من خلال نتيجته الرئيسة أن إيران كانت تُعدّ مصدرًا أساسيًا لعدم الاستقرار في المنطقة منذ عام 2011. وفي السياق نفسه، تُظهر دراسة "اتجاهات الرأي العام العربي تجاه إيران 2019/ 2020" تأييدًا واسعًا بين العرب لانسحاب الولايات المتحدة الأميركية من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 الموقعة بين إيران ومجموعة الدول المعروفة بـ "5+1"؛ أي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين وفرنسا وروسيا، إضافة إلى ألمانيا[4]. وعلاوة على ذلك، يبلغ عدد الأشخاص الذين قيّموا سياسات إيران في فلسطين وسورية واليمن تقييمًا سلبيًا ضعف أولئك الذين عبّروا عن موقف إيجابي تجاهها[5].
تهدف هذه الدراسة إلى تقييم مسار تطور الرأي العام العربي تجاه إيران إزاء تصاعد التوترات العسكرية والجيوسياسية، بخاصة فيما يتعلق بغزة، في ضوء التطورات الأخيرة. ويمكن، من خلال إجراء تحليل مقارن للبيانات خلال الفترة 2016-2024، تتبّع ردود الفعل المباشرة على حرب غزة. وتسلط الدراسة الضوء على تعقيدات الرأي الإقليمي، وتُميط اللثام عن المتغيرات الأساسية، بما فيها الهوية الوطنية والانتماء الديني والاصطفاف السياسي. وتشكّل المتغيرات هذه المنظورات من خلال تتبّع التصورات المتغيرة تجاه إيران عبر مختلف الدول العربية. وتبيّن النتائج أن إيران لا تزال تُشكل تهديدًا كبيرًا لأمن المنطقة، على الرغم من تقلب التصورات العربية المستمرة تجاهها. ومع ذلك، حصلت إيران، خلال الحرب على غزة الجارية على أعلى نسبة تأييد، بلغت 48 في المئة، بين الدول المستطلع آراء مواطنيها تجاه الحرب[6].
[1] شمل استطلاع مؤشر الرأي العام العربي لعام 2022 مستجيبين من موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان واليمن وعُمان وقطر والكويت والمملكة العربية السعودية والعراق والأردن ولبنان والضفة الغربية في فلسطين.
[2] Arab Center for Research and Policy Studies,
Arab Public Opinion about the Israeli War on Gaza (Doha: Arab Center for Research and Policy Studies, 2024), p. 17.
[3] Arab Center for Research and Policy Studies,
2017-2018 Arab Opinion Index (Doha: Arab Center for Research and Policy Studies, 2018); Arab Center for Research and Policy Studies,
TheArab Opinion Index 2019/2020 (Doha: Arab Center for Research and Policy Studies, 2020), p. 1.
[4] Mehran Kamrava & Hamideh Dorzadeh,
Arab Opinion toward Iran 2019/2020 (Doha: Arab Center for Research and Policy Studies, 22/12/2020), p. 14, accessed on 16/7/2025, at:
https://acr.ps/1L9GPly
[5] Ibid., p. 15.
[6] Arab Center for Research and Policy Studies,
TheArab Opinion Index 2019/2020, p. 44.
