يمكّن معجم الدّوحة التّاريخيّ للغة العربية من رصد مراحل تطوّر الألفاظ والمعاني ويستشهد لها بشواهد تؤكّد صحّتها، في مدّ تاريخيّ وحضاريّ متّصل، وهو بهذا يعين على ردم هُوَّةِ القطيعة المعرفيّة بين الماضي والحاضر، القطيعة الّتي أوجدت انقسامات كبيرة بين المفكّرين والمثقّفين في مستويات مختلفة من تاريخ الأمّة، وفضلًا عن ذلك، فهذا المعجم يمكّن الأمّةَ من فهم لغتها الفهم الصّحيح وإعادة قراءة النّصّ وتأويله بأدوات معرفيّة ثاقبة وراسخة، ويعين على تحصيل الفهم الأقرب إلى الصواب للألفاظ والمعاني في سياقات زمنيّة تمثّل زمن استعمالاتها التقريبي الذي ظهرت فيه بمعانيها الأقدم.
ومن ناحية أخرى لم يضع منهج المعجم قيودًا على الشّواهد أو المستعملين أو الألفاظ، أو قيودًا على عضويّة الألفاظ والمعاني والشّواهد والمستعملين؛ فشواهده مختارة من كافّة الأديان والمذاهب والاتّجاهات والمعتقدات، وشواهده منتخبة من كافّة المراحل الزّمنيّة عبر التاريخ، ومصادره ممثّلة تمثيلًا زمنيًّا وجغرافيّا ومعرفيًّا؛ فالمعيار لرصد هذه الألفاظ وشواهدها هو أقدميّة الاستعمال وأنّ الشاهد واضح الشهادة على صحّة جميع المعلومات.
يُنتظر من هذا المُنجز الحضاري أن يمثّل مرجعيّة شاملة للّغة العربيّة ومؤسّسات المجتمع العربيّ، لضبط وتوحيد لغة القانون والتّعليم والإعلام والاقتصاد والسّياسة، وأن يكون منصّة عالمية للانتفاع من المعجم ومن مدوّنته المهيكلة المرقمنة المربوطة بالتاريخ والمصادر، وللإفادة منه في إعادة توصيف برامج اللغة العربيّة خصوصًا، والعلوم الإنسانيّة الأخرى عمومًا، وتحديثها في جميع مستوياتها. ويمثّل المعجم أيضًا أرضيّةً مناسبة لبدء شراكة وتنسيق دائمين بين كافّة المؤسّسات العربيّة الّتي تُعنى باللّغة والتّراث والحضارة والهويّة والتّاريخ، ومرجعيّةً عربيّة موحّدة لحماية اللغة العربيّة والنّهوض بها والتخطيط لسياساتها. والمعجم بهذه المواصفات يؤسس لنهضة لغوية شاملة للأمّة في كافّة المستويات المعرفية التي مرّت بها الحضارة العربية عبر التاريخ الممتدّ الطويل.