في تدبير القداسة: الحجابة والحجاب

 أدب الدخول على السلطان في التراث العربي الإسلامي
07 مارس،2019

يتناول محمد حيان السمّان في كتابه في تدبير القداسة: الحجابة والحجاب - أدب الدخول على السلطان في التراث العربي الإسلامي، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العلاقة بين السلطة السياسية والمجتمع في السياق العربي - الإسلامي، من خلال موضوع الحجابة والسلطان المحتجِب عن رعيته، والوقائع المتصلة بالقدوم على أصحاب السلطة من خلفاء وملوك وسلاطين ووزراء وغيرهم، وانتظار الإذن بلقائهم.

يتألف الكتاب (407 صفحات بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من مدخل، وقسمين فيهما عشرة فصول. في المدخل، تأسيس وإضاءة، يعالج المؤلف مسألة الحجابة والحاجب من حيث اللغة والاصطلاح، ومسألة الحجابة عند ابن خلدون من منطلق الحضارة الداعية إلى انتحال الألقاب وتمييزها، ومسألة الاستئذان الشرعي والحجابة والفرق بينهما.

في منعرجات التاريخ

في القسم الأول، الحجابة في منعرجات التاريخ، ستة فصول. في الفصل الأول، انبجاسات مبكّرة، بين مبدئية الدعوة وضرورات الدولة، يبحث السمّان في الحجابة ورمزية الباب عند عمر بن الخطاب، وهو صاحب الموقف المتشدد من مسألة احتجاب ولاة الأمر عن الجمهور، وتقييدهم الإذن بدخول ذوي الحاجات إليهم. وتظهر حساسية ابن الخطاب من خلال تقصّيه ما إذا كان ولاته على الأمصار يحتجبون عن الرعية، أو يؤخرون خروجَهم للقاء ذوي الحاجات والإصغاء إلى مطالبهم. كما يبحث في الحِجابة في مدار الفتنة التي حصلت بين المسلمين بعد عمر بن الخطاب.

يتناول المؤلف في الفصل الثاني، الأوان الأموي، بواكير الاستخدام السياسي للحجابة، ولادة الدولة السلطانية في الإسلام، أي دولة بني أمية، وانتقال الحجابة من ممارسة فردية طارئة إلى أداة فاعلة في إدارة العلاقة بين السلطة السياسية والمجتمع، تهدف إلى تمكين تحالفات واستمالة أطراف ورفع منازل وإيقاظ همم وطموحات، أو إلى الابتزاز والمعاقبة بالإقصاء، وتكريس الامتثال والانضباط. ويختم بالقول إن الإشارة المتكررة إلى احتجاب الحاكم الأموي كسبب لانهيار الأمويين تشير إلى رسوخ فكرة أن الحجابة عامل انهيار للدول.

توحش السلطة

في الفصل الثالث، حجبة وآلهة، تدبير القداسة ومراقبة الإذعان، يدرس السمّان الحجابة بين العصرين الأموي والعباسي، والتغيرات البنيوية التي طرأت على خطة الحجابة، لجهة الوظائف والمهام والأدوار التي اضطلع بها الحَجَبة، أو لجهة المفاهيم الثقافية والإدارية العملية المتعلقة بخطة الحجابة. بحسب السمّان، لا يمكن النظر إلى هذه التغيرات إلاّ كجزء من التحولات التاريخية في طبيعة العلاقة بين السلطة السياسية والدولة والمجتمع في التاريخ الإسلامي، على خلفية استحكام أثر الحضارة الفارسية وأنظمتها السياسية والإدارية في التدبير العباسي. كما يتناول المؤلف اتساع مهام الحاجب في العصر العباسي وتنوعها.

يقدّم السمّان في الفصل الرابع، الحجابة بين مستنقع السياسة وتوحش السلطة، نبذات موجزة لحجبة لمعوا في العصر العباسي، مسلطًا الضوء على أدوارهم في صوغ السياسة، ومدى التغيرات التي طرأت على خطة الحجابة، بالتساوق مع تطور الدولة والمجتمع والثقافة. ويقف المؤلف عند تنازع السلطة والنفوذ بين الحاجب والوزير في العصر العباسي، من مكائد الحجبة ومقاتل الوزراء إلى سَعْي الحجبة إلى تنصيب الوزراء.

في الأفق الأندلسي

في الفصل الخامس، الحجابة في الأفق الأندلسي (1)، قرطبة بين رمزية "باب العدل" واستبداد "الفتيان المَخْصيين"، يتناول السمّان محددات التمايز وملامحه في خطة الحجابة بين المشرق والأندلس، والحجابة في عهد الأمير عبد الله بن محمد الذي أعاد إحياء سياسة الباب المفتوح. يقول السمّان إن عبد الله تجاوز سطوة المؤثرات العباسية - الساسانية في نظام الإدارة التي دخلت الأندلس في عهد جده عبد الرحمن الأوسط، فجرى مع الرعية على نهج يمثّل استعادةً قوية للقيم الإيجابية المعهودة في هذا المجال، وقوامها مزيج من قيم البداوة وتعاليم الإسلام.

يتوقف السمّان في الفصل السادس، الحجابة في الأفق الأندلسي (2)، من سرير الهيبة إلى الحَجْر على الخليفة، عند استحكام الحجابة ورسومِ الخدمة في الأندلس في عهد عبد الرحمن الناصر، وميراث الأبهة ومآلات الهيبة في عهد الحَكَم المستنصر وابنه هشام المؤيد، ودور الحاجب ابن أبي عامر المنصور في حصار هشام الذي شمل مراقبةَ قنوات الاتصال والإخبار بين الخليفة والعالم الخارجي وضبطَها، فلجأ إلى تنظيم مصادر الخبر، بحيث جعل حَجْب الخبر عن الخليفة أو توصيله إليه مسألة خاضعة لرقابته وإذنه.

تقنيات الضبط

يضم القسم الثاني، تقنيات الضبط وتعبيرات الانصياع، أربعة فصول. في الفصل السابع، إنزال الناس منازلهم على باب السلطان، يبحث المؤلف في دور الحاجب في حفظ المراتب وترتيب المنازل، ومعيار "إنزال الناس منازلهم" على باب الخليفة عمر بن الخطاب، والسياسة بوصفها معيارًا في إنزالهم منازلهم على باب معاوية، والمراتبية بوصفها مبدأً صارمًا على أبواب العباسيين، وتجليات هذه المراتبية واستحقاقاتها في دار الخلافة.

يختار المؤلف في الفصل الثامن، مدينة السلطان المحتجب، مدينتي بغداد والزهراء الإسلاميتين، إذ يعتقد أنهما خضعتا، من جهة دواعي التأسيس والتخطيط أو التطور والتوظيف، لمتطلبات وهواجس تتصل بمسألة احتجاب السلطان عن الجمهور، وأشكال وعي العلاقة بين السلطة والناس. يقول: "من الممكن، بكل تأكيد، مقاربة موضوع المدينة الإسلامية والقضايا المتعلقة بها، استنادًا إلى سياقات تاريخية - حضارية أخرى، ربما تكون أكثر قدرة على توضيح قضايا التمدين المختلفة، لكن مع ذلك، ربما تساهم إضافة منطلق جديد للمقاربة في إلقاء مزيد من الضوء على الجانبين معًا: الحجابة والمدينة الإسلامية المنشأة، والأهم إضاءة العلاقة بين تنظيم فضاء المدينة المنشأة وقضايا الحجابة وشأن الباب السلطاني".

شعر وحكايات

في الفصل التاسع، أدباء على العتبات، يتناول السمان مسألة الأدب والحجابة في العصر الأموي، ثم في العصر العباسي. بحسب السمّان، تلبية لأهم متطلبات نظام الاحتراف الشعري، وهو النجاح في الاقتراب من السلطان، ساد في الشعر العباسي التعبير عن التصاغر والقبول بذل الانتظار الطويل على بابه، وبدا أن الشعراء كانوا على استعداد لقول وفعل أي شيء لعبور أبوابِ ذوي السلطة والجاه والمال، وهو الممرِّ الإجباري نحو السوق التي سيعرض الشاعر أو الكاتب فيها بضاعته ويقبض الثمن.

في الفصل العاشر والأخير، محكيّات أبواب الحكام، يجد المؤلف أن التأثير الحقيقي للحجابة، موضوعًا وأفقًا للتفكير الإبداعي الحر والمعالجة الفنية المبتكرة، موجود في الحكايات القصيرة المتداولة على نطاق واسع في المصنفات الأدبية. ولدت هذه الفكرة وتبلورت في سياق الانفصال الذي كرسته الحجابة بين السلطان والناس، والابتعاد المتزايد لولاة الأمر عن الجمهور خارج تحديدات السلطة وترتيباتها الصارمة. ويتمثّل جوهر الفكرة في ترتيب لقاء سهل بين المتكلم والسلطان، في عملية تعويض واستبدال واضحة للحلم بالحقيقة، وللمرغوب فيه والمشتهى في الواقع الفعلي. يورد السمّان هنا حكايات المتنبئين والمجانين والزهاد المجهولين، ثم ييتناول حضور الحجابة ودلالاته في مضمونها.

اقــرأ أيضًــا

فعاليات