عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدورة الأولى لمؤتمر "طلبة الدكتوراه العرب في الجامعات الغربية" في الفترة 24-26 آذار/ مارس 2018. وقد استقبلت لجنته العلمية 250 مقترحًا بحثيًا، وقبلت مشاركة 83 باحثًا ينتمون إلى أكثر من 40 جامعة غربية في أوروبا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة الأميركية، من تخصصات متنوعة في العلوم الاجتماعية والإنسانية. 

ألقى الدكتور عزمي بشارة، المدير العام للمركز، محاضرةً عامةً في افتتاح المؤتمر، تحدث فيها عن المنطلقات والأسس التي أطرت تأسيس المركز العربي بوصفه مركزًا متخصصًا في العلوم الاجتماعية والإنسانية في مرحلةٍ تراجع فيها الاهتمام بمثل هذه العلوم في المنطقة العربية، كما تحدث عن الفكرة التي تقف خلف تأسيس معهد الدوحة وعقد مؤتمر طلبة الدكتوراه.

المركز العربي والمساهمة في إنتاج المعرفة العربية

وأكد بشارة أن المركز العربي يُسهم على نحو حقيقي في فهم قضايا الأمة العربية، فقد أسهم منذ تأسيسه في إصدار أبحاث أكاديمية عربية محكّمة؛ إذ أصدر نحو 300 كتاب، نصفها من إنتاج المركز، إضافة إلى إصدار أربع دوريات علمية محكمة وكتاب سنوي "استشراف"، وبذلك يقدم المركز خدمة للباحثين العرب للمساهمة في إنتاج المعرفة العربية، والتي يهتم من خلالها بإنتاج معرفة علمية عربية رصينة. وتابع بشارة أن المركز نظّم منذ تأسيسه نحو 70 مؤتمرًا بحثيًا أكاديميًا، أما هذا المؤتمر فهو الأول لطلبة الدكتوراه العرب في الجامعات الغربية. إننا نستخدم المؤتمرات كطريقة لطرح الأجندة البحثية للمركز، فأجندتنا تعتمد على الأوراق التي تصل من الباحثين من خلال طريقة "دعوة للكتابة" Call for Papers.

وأضاف بشارة أن المركز يطرح ثلاثة مشاريع رئيسة، وهي: معجم الدوحة التاريخي للغة العربية؛ وهو يُعنى بتاريخ الألفاظ العربية، ويهدف إلى بناء مدونة لغوية عربية شاملة تسند الدراسات والأبحاث العربية والمعجمية. أما المشروع الثاني فهو المؤشر العربي، وهو برنامج قياس كمي للرأي العام العربي في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية، مخصص لجمع معطيات كمية غير متوافرة في المنطقة العربية، عبر عينة تتراوح بين 18 إلى 20 ألف مستجيب تغطي 12 دولة عربية. وأضاف أن الاستطلاع يتيح المجال أمام الباحثين العرب للبحث في ظواهر عربية. واختتم بالحديث عن المشروع الثالث، وهو معهد الدوحة للدراسات العليا؛ إذ إنه مؤسسة مستقلة لها مجلس أمناء أكاديمي مستقل، تدّرس العلوم الاجتماعية والإنسانية والإدراة العامة والاقتصاد باللغة العربية. ويستفيد من هذا المعهد طلبة من 18 دولة من مختلف الأقطار العربية والغربية بما فيها دولة قطر. ويخطط المجلس الأكاديمي للمعهد بهدوء لطرح برنامج للدكتوراه، تجتمع فيه أقسام متعددة ضمن موضوع عام واحد يشتمل على تخصصات مختلفة. وخلص إلى أنه من الضروري للباحثين العرب في الجامعات الغربية من خلال لقاءاتهم ببعضهم وبالباحثين العرب في معهد الدوحة للدراسات العليا العمل على التفكير بالاشتغال لخدمة القضايا العربية، فما يهمنا هو وجود علماء عرب يساهمون في تطوير القضايا العربية، فهذه اللقاءات فرصة لتحقيق التفاعل العربي بين الجيل الجديد للباحثين العرب.

مداخلات اليوم الأول

اشتمل اليوم الأول في المؤتمر على سبع عشرة مداخلة لأربعة وثلاثين باحثَ دكتوراه عربيًا، قدموا بحوثهم المرتكزة أساسًا على أبحاث الدكتوراه التي يعدونها في الجامعات الغربية. وقد تلقى المشاركون تعقيبات من أكاديميين متخصصين في حقول متعددة. كما أعقب المداخلات نقاشات مكثفة من الطلبة المشاركين ومن الحضور. وينتمي الباحثون المشاركون إلى تخصصات عديدة في العلوم الاجتماعية والإنسانية، مثل العلوم السياسية، والأدب، والاقتصاد، ودراسات الجندر، والتاريخ، وعلم الاجتماع، وغيرها.

وخلال الجلسة الأولى في موضوع دراسات الجندر، تطرق الباحثون إلى مفهوم الخصوبة أو انعدامها في فلسطين مع ربط هذا المفهوم بالسياقات السياسية والاجتماعية والاستعمارية الموجودة في الحالة الفلسطينية. كما اهتمت الجلسة بمعالجة قضايا الجندر وعلاقاتها بإشكاليات الهجرة القسرية خلال أوقات الحروب على غرار الحرب في سورية، وكيف يؤثر هذا السياق في الهويات والأدوار والعلاقات الجندرية.

أما في اختصاص التاريخ، فقد انتقل النقاش إلى منتصف القرن التاسع عشر في مصر، حيث تتبّع بدايات تطور العلوم الحديثة في العالم العربي من خلال البحث في دور الطباعة في تشكيل مجالات الإعلام والفكر. كما طرحت المداخلات سيرة الشريف حسين قائد ثورة 1916 والدور التاريخي الذي قام به في مواجهة الإمبراطورية العثمانية.

أما الجلسة الثانية في موضوع الأنظمة التسلطية وسؤال الاستمرارية، فقد عالج الباحثون مفهوم الاقتصاد السياسي لتوزيع الموارد العامة في مصر. وبحثت الجلسة قضايا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية مع ربطها بالاحتجاجات التي تدور فيها.

أما في اختصاص الحركات الإسلامية والجماعات الجهادية، فتطرق الباحثون إلى دراسة وسائل التواصل السمعية والبصرية للإرهاب، وركزوا أيضًا على حالة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والانتقال من نموذج القاعدة إلى نموذج طالبان.

وتجدر الإشارة إلى أن اليوم الأول اشتمل على تسع قضايا أخرى منها: دراسات في الأدب العربي المقارن، والاقتصاد السياسي، والقضية الفلسطينية بين السياسة والمقاومة، ودراسات الخليج.

اليوم الثاني

شمل برنامج اليوم الثاني من المؤتمر 18 جلسة توزّعت على اختصاصات العلوم السياسية والأدب المقارن والاقتصاد والتاريخ وعلم الاجتماع. وتواصلت الجلسات على حصة صباحية وأخرى مسائية عرض الباحثون المشاركون خلالها 36 بحثاً.

ركزت الجلسة الأولى على مواضيع الأدب المقارن، ومعالجة إشكالية العلاقة بين التاريخ والتخيّل أو بين التأريخ والسرد. كما طرحت الجلسة نقاشاً حول مفهوم الهوية وعلاقاته بظاهرة الهجرة ودورها في تحديد نوع العلاقات الاجتماعية وتحديد مفهوم الغيرية.

من جهة أخرى، ناقشت جلسة الاقتصاد إشكاليات الفساد وتأثيرها في البنية المجتمعية والمؤسساتية للدولة وفي دورها في التنمية والنمو الاقتصادي. كما كان موضوع قوانين العمل والتغييرات الطارئة عليها في العالم العربي محور اهتمام خلال هذه الجلسة نظراً إلى الدور الذي تقوم به في النجاعة الاقتصادية للدولة. وعالجت جلسات أخرى العلاقة بين الإسلام والتسامح أو الإسلام والديمقراطية وأهم المتغيرات الاجتماعية التي تكيّف هذه العلاقات من خلال النظر في البيانات الإحصائية الصادرة عن المؤشر العربي. وفي نهاية كل جلسة قدّم باحثو المركز ومعهد الدوحة للدراسات العليا مجموعة من الملاحظات والتقييمات التي تساهم في تطوير البحوث التي قدّمها طلبة الدكتوراه وإغنائها والارتقاء بها علميًا وأكاديمياً.

اليوم الثالث

عقدت في اليوم الثالث والأخير من مؤتمر طلبة الدكتوراه العرب في الجمعات الغربية سبع جلسات توزعت على اختصاصات العلوم السياسية والإعلام والدراسات الثقافية واللسانيات وعلم النفس. وقد تواصلت الجلسات على فترتين صباحية ومسائية قدم فيها ثلاثة عشر طالب دكتوراه من جامعات غربية مختلفة بحوثهم التي عملوا عليها.

وتميزت جلسة اختصاص القانون الأولى بمعالجة مصطلح "اللجوء المؤقت" الذي طغى على الخطاب القانوني الدولي وبيان مختلف الإشكاليات المفهومية والقانونية التي يطرحها مستقبليًا. كما طرحت الجلسة للنقاش المسؤولية الدولية لحماية "الحق في السلام"، وحاولت المداخلات توفير توصيات قانونية وإجرائية مساعدة على ذلك.

وطرحت الجلسة الأولى في مجال اللسانيات النقاش حول البنية النحوية للغة البابلية القديمة وكيفية التحري عن هذه البنى من خلال استعمال البنى النحوية للعربية. وانتقلت الجلسة في جزئها الثاني إلى نقاش إشكاليات تعلّمية ارتبطت باستعمال اللغة الإنكليزية بما هي لغة تعليم في المؤسسات التعليمية العربية وما يطرحه ذلك من إشكالات معرفية وتعلّمية.

أما الجلسة الأولى في اختصاص علم النفس فقد افتتحت بالنقاش حول العلاقات بين سياسات الحدود وظاهرة الانتقال إلى مناطق النزاع في العالم العربي من أجل محاولة بناء جهاز سيكولوجي نظري لفهم هذه الظواهر. كما طرحت الجلسة الأسباب النفسية التي تدفع المراهقات إلى الانضمام إلى الحركات الجهادية ومدى فاعلية البنى التحليلية السابقة لهذه الظاهرة.