عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالشراكة مع مؤسسة كونراد أديناور ومعهد الدوحة للدراسات العليا، في يومي الثلاثاء والأربعاء 25-26 أيار/ مايو 2021، ورشة عمل عبر تقنيات الفيديو الحواري، تحت عنوان "التنويع الاقتصادي في دول الخليج العربي: التحديات والفرص"، شارك فيها خبراء في الموضوع من عدد من دول الخليج العربية وألمانيا.

استُهلت الورشة بجلسة افتتاحية رحب فيها كلٌ من رئيس قسم الأبحاث في المركز العربي حيدر سعيد، والممثل الإقليمي لدول الخليج في مؤسسة كونراد أديناور فابيان بلومبرغ، وعميد كلية الإدارة العامة واقتصاديات التنمية في معهد الدوحة حامد علي، بالباحثات والباحثين المشاركين والحضور. وأكّد حيدر سعيد على أهمية موضوع الورشة الذي كان المركز العربي قد بحث بعض جوانبه في أحد محاور منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية عام 2016، وصدرت أعماله في كتاب التنويع الاقتصادي في دول الخليج العربية عام 2019. أمّا فابيان بلومبرغ فأشار إلى أن مؤسسة كونراد أديناور مهتمة بتبادل الخبرات في هذا المجال. في حين أوضح حامد علي أنّ ورشة العمل تحاول الإجابة عن مجموعة من الأسئلة الرئيسة، منها: ماذا يعني التنويع الاقتصادي في سياق دول الخليج العربية؟ ولماذا التنويع الاقتصادي مهم؟ ولمن يجب أن يوجّه؟ وما الخيارات السياساتية المطروحة؟

وشهد اليوم الأول الجلسة الأولى من هذه الورشة، وأدارها الأكاديمي الألماني فرانك هيمبل، الأستاذ في جامعة أنهالت للعلوم التطبيقية، وتضمنت أربع أوراق، قدمت الأولى الأستاذة في قسم التمويل في كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت حصة العجيان، وكانت بعنوان "رؤية لإصلاح الاقتصاد الكويتي قبل فوات الأوان"، ودعت فيها إلى ضرورة إصلاح الاقتصادي الكويتي. فقد شهدت الكويت الكثير من التغيرات التي أثرت في اقتصادها منذ اكتشاف النفط، أبرزها التغيرات الديموغرافية والتوترات الجيوسياسية والاتجاه الدولي نحو الطاقة البديلة والمتجددة، إضافةً إلى أزمات الاقتصاد العالمي منذ عام 2008، وصولًا إلى أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). ودعت إلى حوار وطني كويتي يعملُ على معالجة التحديات الاقتصادية، ومنها استدامة دولة الرفاه بالنسبة إلى الأجيال القادمة، وعرضت رؤية "قبل فوات الأوان" التي قدمها 29 أكاديميًا كويتيًا متخصصًا في علوم الإدارة والاقتصاد عام 2020، وتقترح خُطةً لحل جذور الخلل الاقتصادي ومكافحة الفساد، تقوم على أسس تنويع الاقتصاد واستدامته.

وقدم الأستاذ في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس، حاتم بن بخيت الشنفري، ورقة بعنوان "التجربة العُمانية في استدامة المالية العامة"، تطرق فيها إلى الخطة العُمانية متوسطة الأمد (2020-2024)، التي تهدف إلى تعزيز العائدات والسيطرة على النفقات، وتقوم على دعم النمو الاقتصادي، وتعزيز عملية التنويع الاقتصادي، وزيادة فاعلية النفقات، وتعزيز خطط الرفاه الاجتماعي والإدارة المالية، مشيرًا إلى أنّه في سياق تطبيق الخطة، جرى فرض ضريبة القيمة المضافة، واتخاذ خطوات ملموسة لتقليل نفقات المياه والكهرباء، وأعلن لأول مرّة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أنه ستُفرض ضريبة على الدخل في عُمان بدءًا من عام 2022. 

وفي موضوع "دور القطاع الخاص في التنويع الاقتصادي: من خلال بحث حالة الكويت"، أشارت نورة اللهو، نائب رئيس الملتقى الاقتصادي في الجمعية الاقتصادية الكويتية، إلى أنّ نسبة إنتاج القطاع الخاص في الكويت تبلغ 27 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وحاولت في مداخلتها بحث أثر زيادة توظيف المرأة في القطاع الخاص في الناتج المحلي، وذلك من خلال تجربة توصلت إلى أنّ تحويل سبعين ألف موظفة من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص، وزيادته سنويًا بمعدل 5-10 آلاف، سيؤدي إلى زيادة الناتج المحلي؛ كون زيادة مساهمة القطاع الخاص في الدولة غير ممكنة من دون تقليص حجم الهيكل الحكومي.

أما الورقة الأخيرة في هذه الجلسة فكانت بعنوان "جذب الاستثمار الأجنبي المباشر والتصنيع والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم: العلاقة بين الاستثمار الأجنبي والتنويع الاقتصادي"، قدّمها أوليفر أويمز المدير التنفيذي للمجلس الألماني الإماراتي المشترك للتجارة والصناعة، وأشار فيها إلى أنّ للشركات الألمانية حضورًا في دول الخليج العربية، وقد ساهمت في التنويع الاقتصادي فيها. ففي الإمارات تعملُ نحو ألف شركة ألمانية، وأكثر من مئتي شركة في السعودية، إلا أنّ هناك مجموعة من المعوقات التي تعرقل التكامل الألماني مع أسواق منطقة الخليج، منها الشروط التي تُفرض على المستثمرين الدوليين، والافتقار إلى معايير تقنية متجانسة.

عُقدت الجلسة الثانية في يوم الأربعاء، وأدارها مروان قبلان، مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي، وقُدّمت فيها خمس أوراق. قدّم الورقة الأولى منها أستاذ الإدارة في كلية إدارة الأعمال بجامعة الكويت نواف العبد الجادر، بعنوان "رؤية لإصلاح الاقتصاد الكويتي قبل فوات الأوان"، عرض فيها لرؤية "قبل فوات الأوان"، التي تقوم على مجموعة ركائز، هي: أولًا، استدامة الاقتصاد على المدى الطويل كون الحلول قصيرة المدى تتسببُ في مشكلات مستقبلية مثل تقلّص احتياطي الأجيال القادمة. ثانيًا، الشفافية ومكافحة الفساد، ولا يُقصد بـ "مكافحة الفساد"، هنا، معالجة اختلاس الأموال العامة فقط، بل محاربة منظومة الفساد التي يعد أحد أوجهها النظام الإداري الفاسد؛ فمثلًا تعتمد الترقيات في الوظائف العامة على سنوات الخبرة بصرف النظر عن الإنتاجية، إضافةً إلى ارتفاع نسبة البطالة المُقنّعة. ثالثًا، العدالة الاجتماعية، كون اعتماد سياسات الدولة على المساواة بدلًا من العدالة الاجتماعية، قد تتسبب بخلق مشاكل جديدة. رابعًا، الاسترشاد بالدليل العلمي؛ فالكثير من السياسات المتبعة في الكويت تنتج من أهواء شخصية بدلًا من البيانات والأدلة العلمية، وفي ذلك يجب إتاحة حق الوصول إلى المعلومات للمواطنين كافة.

أمّا أستاذ اقتصاديات التنمية في معهد الدوحة أيهب سعد، فتناول موضوع "تنويع التصدير في قطر"، مشيرًا إلى أنّه وفق التجارب التاريخية، نجحت الدول التي تعتمدُ سياسات تنويع الصادرات في تحقيق التنويع الاقتصادي. والأمر لا يختلفُ في دول الخليج العربية، فرغم أنها حققت تقدمًا هائلًا وفق مؤشرات التنمية البشرية لاعتمادها على التخصص في الصادرات، فأنها تحتاج إلى اعتماد سياسات التنويع الاقتصادي للتصدي إلى أي صدمات قد تأتي من الخارج، كون اقتصادها يتأثر بأي تغيّر في أسعار النفط، وهو السلعة الرئيسة التي تُصدرها وتعتمد عليها. وبالإشارة إلى حالة قطر، فإنّ 90 في المئة من الصادرات نفطية. ولتحقيق التنويع الاقتصادي اتبعت الدولة رؤية "قطر 2030"، التي تتبنى سياسات الاستثمار في التعليم وقطاعات بعينها (مثل الخطوط الجوية القطرية) والبنية التحتية والابتكار، واتبعت الدول الخليجية الأخرى سياسات مشابهة، إلا أنّها لم تحقق المستوى المطلوب من التنويع. وتعود أسباب ذلك إلى أنه على خلاف الدول الأخرى، فإن دول منطقة الخليج العربي هي التي تقوم بالتصدير لا الشركات، وما زال تأسيس الشركات متدنيًا ومحصورًا في مجال الخدمات، وعدم وجود بيئة مرنة لممارسة نشاطات خارجية بالنسبة إلى غير المواطنين.

وقدّم أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس أدهم بن تركي آل سعيد مداخلته عن "المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم بوصفها وسيلة لإيجاد فرص عمل وأداة للتنويع الاقتصادي"، التي ركّز فيها على تجربة عُمان، وذكر أنه يوجد في عُمان 300 ألف شركة صغيرة ومتوسطة، عملت الحكومة على تعزيزها من خلال صناديق دعم الشركات الناشئة، وهي شركات تُمثّل صادراتها نسبة 30 في المئة من إجمالي الصادرات المُصنّعة، ومن ثمّ ما زال أمامها طريق طويلة للمساهمة في التنويع الاقتصادي. إلّا أن هذه الشركات من جانب آخر، تُساهم في توفير فرص عمل؛ إذ توفّر 50 في المئة منها نحو 30 في المئة من فرص العمل الموجودة، وتذهبُ إلى العمالة الوافدة، مما يُشكّل تحديًا أيضًا. وبحسب الإحصائيات، بإمكان الشركات الصغيرة والمتوسطة توفير 23 فرصة عمل، مما يُشجع على الاستفادة منها في مسألة التنويع الاقتصادي.

وفي موضوعٍ ذي صلة بسلطنة عُمان أيضًا، حدّد مؤسس "البوابة الذكية للاستثمار" يوسف بن حمد البلوشي، في مداخلته بعنوان "محددات التنويع الاقتصادي في دول الخليج: عُمان نموذجًا"، ثلاثة أسباب لمحدودية نجاح دول الخليج العربية في التعامل مع موضوع التنويع الاقتصادي، وهي: أولًا، إخفاق هذه الدول في إدارة دورة الأنشطة التجارية المحلية؛ إذ تذهب إيرادات الصادرات في اتجاه واحد، وهو الموازنة العامة، ولا سيما مع اقتصاد هش؛ يتأثر مباشرةً بالصدمات الخارجية. ثانيًا، خلل في دورة الأنشطة الاقتصادية في المدى المتوسط والبعيد؛ إذ تسيطر السياسة المالية العامة في معظم الأنشطة التجارية. ثالثًا، وجود إشكالية في العلاقة بين الحكومة والمجتمع والشركات، كون الحكومات هي التي تحدد الأولويات الوطنية وتقوم بالاستثمار والتوظيف، على حساب دور الأفراد والشركات، مما يمنعها من التحوّل من الاقتصاد الريعي نحو الاقتصاد المنتج، الأمر الذي يحتاج إلى تحقيق موازنة في العلاقة بين الأطراف الثلاثة.

أخيرًا، بحث المحلل السياسي في شؤون دول الخليج العربية والشرق الأوسط سيباستيان سونز في مداخلته، فرص توثيق التعاون الأوروبي - الخليجي في ما يتعلق بالتحوّل الاقتصادي، مستعرضًا العلاقات التاريخية بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربية، التي تستند إلى بعد مؤسسي وعلى أساس علاقات ثنائية مع الدول. فمثلًا في عام 2020، كان الاتحاد الأوروبي الشريك الثاني بعد الصين بالنسبة إلى دول مجلس التعاون بنسبة 12.3 في المئة بتبادل تجاري بلغ حجمه 97.1 مليار يورو. كما تطرّق إلى بعض الإشكاليات بشأن العلاقة من منظور خليجي، حيث يُنظر إلى الاتحاد الأوروبي على أنّه صندوق أسود عندما يتعلق الأمر بمشاريع التعاون التي لا تنجح مثل اتفاقيات التجارة الحرّة، إضافةً إلى عدم وجود نموذج عمل تبناه الجانبين، وكذلك النظر إلى الدبلوماسية الأوروبية على أنّها متحيزة ضد الخليج، وتفضيل الاتحاد الأوروبي مؤخرًا العلاقات الثنائية بدلًا من التعامل مع مجلس التعاون، خاصةً بعد الأزمة الخليجية عام 2017.

وقد شهد اليومان نقاشات ثرية، بين الحاضرين والجمهور. وفي الختام، طرح المنظمون إمكانية أن ينتج من هذه الورشة مؤتمر أكاديمي موسّع، يُعقَد في الدوحة في الموسم الأكاديمي 2021/ 2022.