عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة بعنوان "إيران وحرب إسرائيل على غزّة: الخيارات والسيناريوهات" في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شارك فيها مروان قبلان، مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز، ومهران كامرافا، أستاذ الشؤون الحكومية في جامعة جورجتاون في قطر ومدير وحدة الدراسات الإيرانية في المركز، وأدارها عبد الفتاح ماضي، مدير وحدة دراسات الدولة والنظم السياسية في المركز.

استهلّ كامرافا الندوة باستعراض موقف إيران السياسي والدبلوماسي والعسكري في ما يتعلّق بحرب إسرائيل المستمرّة على غزّة، وشدّد على أنّ إيران، مثلها مثل الجميع، قد فوجئت بهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الذي شنّه الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس". وبحسبه، لم تكن وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية ولا الحرس الثوري الإيراني يعلمان بالهجوم. ويشير التقييم الأولي للاستخبارات الأميركية أيضًا إلى أنّ إيران فوجئت بعمليّة حماس ضد إسرائيل. وقال كامرافا "لقد أدّت هذه المفاجأة، في البداية، إلى إصدار طهران عددًا كبيرًا من التصريحات، غالبًا ما كانت متناقضة وضبابية"، وسلّط الضوء على بعض التصريحات التي أدلى بها مسؤولون إيرانيون، ليبيّن كيفية تغيير إيران موقفها، من إدلائها بتصريحات استفزازية في المرحلة الأولى من الحرب، في إشارةٍ منها إلى أنها قد تتدخّل ردًّا على العدوان الإسرائيلي المتزايد على غزّة، إلى اعتمادها موقفًا أكثر اعتدالًا. وزعم كامرافا أنّ وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، قد نصح حماس بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين خلال اجتماعه بقيادة الحركة في الدوحة. وبناء عليه، أصبح ذلك الموقف الرسمي للجمهورية الإسلامية الذي أوضحه عبد اللهيان في مقابلةٍ أجراها مع تلفزيون بلومبرغ في 27 تشرين الأول/ أكتوبر. ونأت إيران بنفسها أيضًا عن حماس وحزب الله، مشيرةً إليهما أنهما طرفان مستقلّان، وأعلنت أنها تدعم الوقف الفوري لإطلاق النار وخفض وتيرة التصعيد.

أما في ما يتعلّق بالجانب العسكري للموقف الإيراني، ذكر كامرافا أنّ "إيران وحزب الله يفضّلان حرب استنزاف منخفضة الحدة ضد إسرائيل، بدلًا من مواجهة عسكرية واسعة النطاق"، وأضاف أنه ليس في قدرة حزب الله وإيران حاليًا شنّ حرب مع إسرائيل، إذ إنّ حزب الله سيتكبّد خسائر كبيرة في حال اندلاع الحرب بسبب موقعه ضمن المشهد السياسي المحليّ (اللبناني). في حين أن إيران تفضّل الدخول في مواجهة عسكرية بشروطها الخاصة، فضلًا عن أنّ تحدّيات داخلية، مثل الاحتجاجات الأخيرة وافتقار الحكومة إلى الشرعية، تشكّل رادعًا لأيّ تدخّل إيراني مباشر في الحرب. لذلك، رأى كامرافا أنّ الجمهورية الإسلامية اعتمدت استراتيجية عسكرية دفاعية، لا هجومية، طوال السنوات الأربع وأربعين الماضية. غير أنّه يؤكد أنّ "الردّ الإيراني سيكون شديدًا، وقد يجرّ الولايات المتحدة وقواعدها المتمركزة في المنطقة إلى الحرب، في حال هاجمت إسرائيل إيران".

أيّد قبلان أقوال كامرافا، موضحًا من جهته سبب عدم تدخّل إيران المباشر في الحرب، إذ تدعم سابقة تاريخيّة وجهة النظر هذه، وهي حين تجنّبت إيران التدخّل في الحروب السابقة التي شنّتها فصائل المقاومة في غزّة ضد إسرائيل. وبحسب قبلان، يوجد عامل آخر مهمّ ساهم في صوغ السياسات الإيرانية الداخلية والخارجية، وهو بقاء الجمهورية الإسلامية الذي قد يتعرّض للخطر إذا لم تتّخذ إجراءات مدروسة. ومن أجل فهم موقف إيران من الحرب على غزّة، يرى قبلان أنه يجب العودة إلى فترة الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينيات. في ذلك الوقت، تغيّرت عقيدة إيران الدفاعية لتجنّب دخولها في حرب مباشرة مع أيّ طرف أقوى منها، أو مساوٍ لها في القوة، فخاضت، عوضًا عن ذلك، حروبًا بالوكالة. وبناء عليه، قال قبلان إنّ إسرائيل هي التي ستقرّر إذا ما كانت إيران ستشارك في هذه الحرب أم لا، وليس إيران، لأن الأخيرة لن تتدخل إلّا إذا هاجمتها إسرائيل هجومًا مباشرًا.

وقدّم قبلان أربع ملاحظات عن إيران وحرب غزّة. أولًا، اتّفق مع كامرافا على أنّ إيران وحزب الله لم يعلما بالهجوم الذي شنّته حماس. ثانيًا، استعرض الموقف الرسمي الإيراني، مشيرًا إلى ملاحظة مهمة يمكن تقديمها في هذا الصدد، ألا وهي أنّ المرشد الأعلى نفسه نفى تورّط إيران في الهجوم. ويعود ذلك إلى أنه في الأيام الأولى من شنّ إسرائيل الحرب على غزّة، برزت مخاوف في إيران من أنّ شيئًا مشابهًا لما حدث للعراق عام 2003 قد يحدث لها، بسبب الرواية الأميركية ضد إيران التي أعقبت الهجوم. ثالثًا، ناقش قبلان الخسائر التي قد تتكبّدها إيران من الحرب في غزّة، فضلًا عن المكاسب. وزعم أنّ أحد المكاسب هو أنّ الحرب جمّدت عملية التطبيع السعودية - الإسرائيلية، التي تشكّل في نظر إيران تهديدًا استراتيجيًا. حاولت إيران استغلال الظروف لصالحها كي لا تُعدّ تهديدًا، فقرّرت أن تؤدّي، بدلًا من ذلك، دور الوسيط في قضية الرهائن. أما بالنسبة إلى الخسائر، فقد أدّى هجوم حماس أيضًا إلى وقف عملية المصالحة الإيرانية - الأميركية، التي كان من المفترض أن تتمّ بعد تبادل الأسرى.

وفي ما يتعلّق بخيارات إيران، أشار قبلان إلى أنه إذا نجحت إسرائيل في مهمتها الهادفة إلى تغيير النظام في غزّة، فسيشكّل ذلك ضربة كبيرة لإيران لأنها ستخسر حليفًا رئيسًا، أي حركة حماس، ولن يكون لديها فرصة سانحة للانخراط في القضية الفلسطينية. والأهم من ذلك، يرى قبلان أنه إذا نجحت إسرائيل في غزّة، فسيكون حزب الله الهدف التالي، لأنه يشكّل تهديدًا أكبر من حماس، ما يشكّل ضربة أكبر لإيران. وأكّد قبلان أنّ إيران وحزب الله متّفقان على الحفاظ على الوضع الحالي للنزاع، أي حرب استنزاف منخفضة الحدّة. وختم أنّ "استراتيجية الحرب بالوكالة التي تتّبعها إيران ضد إسرائيل والولايات المتحدة، في محاولة منها لتخفيف الضغط على غزة في مرحلة ما، ستؤدي إلى نتائج عكسية في حال تكبّد الأميركيون والإسرائيليون الخسائر، ما يسفر بدوره عن تصعيد كبير لا يريده الإيرانيون".