استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أسفنديار باتمانغليدج، مؤسس بورس أند بازار، وهي مؤسسة تُعنى بالشأن الإيراني وبالتنمية الاقتصادية والدبلوماسية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، لإلقاء محاضرة يوم 28 تموز/ يوليو 2020. تناولت المحاضرة التحول الاقتصادي في إيران في ظل الضغوط الداخلية والخارجية والعقوبات الدولية. وباستخدام مجموعة من البيانات الاقتصادية، قدَّم المحاضر إطارًا جديدًا لفهم إيران من خلال تطورها الاقتصادي، والديناميات التي أحدثت هذا التطور منذ عام 2000 حتى اليوم.

بدأ باتمانغليدج بالتشديد على أنّ إيران شهدت خلال العقد الماضي "ركودًا في النمو الاقتصادي، لكنه لا يعني انعدام التنمية في البلاد". واعتبر أن "دراسة إيران وعلاقاتها الخارجية وسياساتها الداخلية يجب أن يزداد تركيزها على واقع التنمية الاقتصادية للبلاد". وأشار إلى أن التنمية الاقتصادية تحدد كيفية تعامل إيران مع مسائلها الداخلية، ومع البلدان الأجنبية.

وأوضح المحاضر أنه في الفترة 2000-2012 بات التصنيع في إيران ممكنًا بفضل استخدام الممارسات التكنولوجية والإدارية الأجنبية في البلاد. وأكد أن بعض مؤشرات التطور الناجمة عن الاستثمار الحكومي ونقل التكنولوجيا من الخارج أثناء فترة الجمهورية الإسلامية ظهرت في قطاعات صناعة السيارات، والأغذية، والسلع الاستهلاكية السريعة الحركة، والمستحضرات الدوائية، وفي الخدمات المصرفية، ووسائل الاعلام والاتصالات. كما أصبح نمو الصادرات غير النفطية ممكنًا بفضل تنمية قدرات الصناعات التحويلية والقطاع المصرفي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إضافةً إلى توفر بيئة مواتية للتجارة غير النفطية المتعلقة بمحركات العولمة في الشرق الأوسط والعالم بأسره.

وخلال الفترة 2012-2016، التي بدأت بفرض العقوبات المالية الأميركية على إيران وانكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 7 في المئة تقريبًا بسبب العقوبات، استطاعت إيران المحافظة على التصنيع والتنمية بفضل "تمسكها الشديد بالتجارة العالمية في مواجهة العقوبات المالية. فقد "نمَت التجارة مع الصين بشكل كبير أثناء هذه الفترة"، لكن "هذا لا يعني أن إيران أصبحت معتمدة على الصين". وفي توضيحه لمحدودية اعتماد إيران على الصين، قدَّم باتمانغليدج تحليلًا مقارنًا للاستثمارات الصينية الخارجية وتعاقدها مع إيران ودول الشرق الأوسط الأخرى (كإرسال العمالة الصينية لمشاريع البناء). وأشار إلى "وجود قوة عاملة محلية كبيرة مستعدة للعمل في مشاريع البناء، وإلى حرص سياسي في الصين على ألا تُفرِط إيران في اعتمادها على الصين".

وبحسب باتمانغليدج، لم يُصِب الاقتصادَ الإيراني انهيارٌ في فترة الضغط الأقصى للعقوبات، منذ عام 2016 حتى الآن، وهذه مرونة صناعية تُعزى، بدرجة كبيرة، إلى التجارة الإقليمية. ونظرًا إلى انخفاض أسعار النفط وتشديد العقوبات، واصلت التجارة غير النفطية نموها أثناء هذه الفترة، وكانت مفتاح التصنيع والتنمية في إيران. وفي الواقع، تُعد إيران إحدى الدول القليلة في الشرق الأوسط التي تعطي التجارةَ الإقليمية أولويةً، وقد أصبحت البضائع الإيرانية جذابة جدًّا في أسواق المنطقة بسبب انخفاض أسعارها. وأكد باتمانغليدج أن قطاع التصنيع في إيران هو المحرك الرئيس للنمو. ولكن "التصنيع يستند إلى المستوردات الأوروبية والصينية، والعجز التجاري يشكل تحديًا".

وقال المحاضر إن وباء "كوفيد-19" أثّر سلبيًّا في قطاع التصنيع الإيراني، وإنّ سبب انكماش هذا القطاع أن إيران لم تتمكن من الحصول على الآلات والمواد الخام التي تحتاج إليها لمواصلة الإنتاج. كما أدى الإغلاق إلى انخفاض الاستهلاك. وعلى الرغم من الزيادة الطفيفة في نمو التصنيع - بسبب فتح الاقتصاد بعد الإغلاق - فإن الوباء لا يزال يشكل تحديًا كبيرًا لصنّاع السياسات الإيرانيين الذين يسعون إلى تحقيق توازن بين الاستدامة الاقتصادية واحتياجات الصحة العامة. وأشار المحاضر إلى أن "نقطة الضعف الأساسية للاقتصاد الإيراني لا تكمن في ازدياد عزلته، بل في أن البلد لا يزال يتاجر مع العالم؛ ومن ثمّ فهو عرضة لصدمات تقلبات أسعار الصرف". لذا، ثمة سؤال مهمٌّ هو: هل في إمكان إيران المحافظة، بعد الوباء، على ثبات قيمة عملتها عند مستوى يسمح باستدامة الاستقرار الاقتصادي الذي شهدته في عام 2019؟

واختتم باتمانغليدج حديثه بمناقشة الفترة بعد العقوبات وما قد تحمله من تطورات؛ كالانتخابات الأميركية، وإمكانية عقد صفقة جديدة مع الولايات المتحدة. ورأى أن "التوجه منذ عام 2000 حتى اليوم، نحو تنمية الصادرات غير النفطية، سيستمر، وأن "أكثر ما يهم إيران، في سيناريو بعد العقوبات، هو رأس المال العالمي. لذلك، فإن "التصنيع الموجه نحو التصدير، وليس التصنيع البديل للمستوردات، هو الخيار الأفضل لصناع السياسة الإيرانيين الساعين إلى تحقيق نمو اقتصادي".

للوصول إلى شرائح العرض التقديمي للمحاضرة، اضغط هنا.