استضاف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الأربعاء 9 آب/ أغسطس 2017، نخبة من الباحثين والمختصين القطريين ناقشوا الجوانب والآثار الاقتصادية والقانونية والسياسية المترتبة على الأزمة الخليجية التي تفجرت في 5 حزيران/ يونيو 2017 بإعلان ثلاث دول خليجية ومصر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وفرض حصار جوي وبري وبحري عليها.

وشارك في الندوة كلٌ من الدكتور خالد الخاطر الخبير في السياسة النقدية وعلم الاقتصاد السياسي، والدكتور محمد الخليفي عميد كلية القانون بجامعة قطر، والدكتور ماجد الأنصاري أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر.

ويرى الخاطر أنّ ما تقوم به دول الحصار يُعدّ بمنزلة إعلان حرب على دولة قطر، لكنه أكد أن الاقتصاد القطري تمكّن من مواجهة الأزمة مستندًا إلى مصدرين للقوة؛ وهما، الموارد الطبيعية التي تمتلكها قطر، والسياسات الاقتصادية الحكيمة. ويذهب إلى أن هذين المصدرين قد ساهما قبل الأزمة في تحقيق التنمية وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية وتشجيع السياسات الاستثمارية والتحول نحو التنويع الاقتصادي، وصولًا إلى توفير البدائل من المنتجات والسلع واحتياجات التنمية، عبر الانفتاح على أسواق جديدة بتوقيع اتفاقيات ثنائية مع الدول الأجنبية.

وشدّد الخاطر على أنّ القطاعين المالي والمصرفي القطريين محصنان بفضل السياسات الائتمانية التي اتبعها مصرف قطر المركزي منذ بداية الأزمة. وأنّ السياسات المتبعة حدّت من انكشاف القطاعين المالي والمصرفي وتأثرهما؛ وذلك عبر ضخّ الأموال والودائع. ورأى أن العملة القطرية تعرضت لمحاولات المضاربة خلال الأزمة، ولكنها أثبتت أنها عملة قوية؛ إذ تُعدّ الأكثر استقرارًا في المنطقة منذ عقود، وذلك بفضل الاحتياطات المالية وصندوق الدولة السيادي.

د. محمد الخليفي (عميد كلية القانون بجامعة قطر)

ويؤكد الخاطر أنّ دول الحصار ستفقد صدقيتها على المدى الطويل؛ نظرًا إلى تدميرها بيئة الأعمال ومشاريع التكامل الاقتصادي، وأنّ هذا الصدع سيمتدّ ليلحق نموها الاقتصادي. وأضاف أنّ الدروس المستفادة من هذه الأزمة عديدة؛ تبدأ بضرورة العمل على سياسات اقتصادية جديدة تضمن للاقتصاد القطري ألا يعود إلى ظروف ما قبل الأزمة في الاعتماد على تقلبات سياسات دول الجوار وتقلبات أسعار النفط. وهذا يستلزم إعادة رسم السياسات لتحفيز التنويع الاقتصادي في المجالات المختلفة لتحقيق الأمن والتنمية المستدامة والرفاه الاجتماعي والاقتصادي، وذلك عبر ثلاثة مرتكزات؛ هي: الاعتماد على الذات، وتقليص الاعتماد على دول الجوار، وتنويع وكلاء الاستيراد. ويضاف إلى ذلك تشجيع السياسات الصناعية في خضمّ عملية التنويع الاقتصادي.

وأنهى مداخلته، بأن الأزمة قدمت لنا درسًا في ضرورة التركيز على البحث العلمي والجامعات في دولة قطر؛ فمراكز الأبحاث باتت تشكّل معامل القوة للعقول في طور التحول للتنويع الاقتصادي. إنّ ذلك يتم عبر بناء رأس المال البشري، وإصلاح القطاع العام، وتعزيز الحوكمة، وإعطاء فرص للكفاءات، وإصلاح القطاع الخاص.

أما الورقة الثانية التي قدمها محمد الخليفي، فركزت على الجوانب القانونية للأزمة. فالقانون الدولي يُعدّ المرجع الرئيس للعلاقات الدولية إلى جانب قوانين حقوق الإنسان؛ لأنّ الفرد جزءٌ من كيان المجتمع الدولي. وتحدث عن شقين مهمين: الأول، المبادئ والأحكام التي خالفتها دول الحصار عبر قرارها بمقاطعة دولة قطر وحصارها، والثاني، الإجراءات التي يحق للدولة أن تأخذها أمام الهيئات والمنظمات الدولية.

ويرى الخليفي أنّ قرار حصار دولة قطر يخالف المبادئ العامة للقانون الدولي؛ فاستخدام القوة في العلاقات الدولية أو التهديد باستخدامها يندرج ضمن استخدام العنف الذي تمارسه دولة تجاه أخرى. ويرى أيضًا أنّ المقاطعة الاقتصادية والسياسية هي عمل انتقامي. كما شدد على أن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة هو مبدأ سيادي، وأنه يعطي الدولة الحرية في اتخاذ سياساتها من دون ولاية أو وصاية عليها من دولة أخرى. وفضلًا عن ذلك، لم تتجه دول الحصار إلى مبدأ فضّ المنازعات بالطرق السلمية، وخالفت القانون الدولي في ذلك، وهذا يوضح وجود نيّة للإضرار بدولة قطر.

د. ماجد الأنصاري (أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر)

وقال الخليفي إنّ دول الحصار خالفت مبادئ حقوق الإنسان، وخالفت مواثيق دولية وقعت عليها، من بينها تنظيم حركة المرور الجوي التي تمنع التمييز في الطيران بحسب الجنسية إلا في وقت الحرب. كما أنّ احتكام الدول إلى قواعد القانون الدولي ينمّ عن ثقافتها القانونية؛ وهذه الثقافة هي التي تدفع إلى احترام حقوق الإنسان وحقوق الجوار، وإنّ عدم تجاوزها هو ثقافة تدعو إلى الاحترام والتعقل فهذه المواثيق هي مبادئ سامية.

وفي الورقة الأخيرة، والتي ناقشت الأبعاد السياسية، طرح ماجد الأنصاري تشخيصه للأزمة انطلاقًا من بعد زمني؛ ففي مرحلة ما قبل الأزمة، يرى بأن بعض المسلمّات التي كنا نؤمن بها أضحت غير حقيقية، فالخلاف التاريخي بين هذه الدول قديم وليس جديدًا. ويعتقد أن الثورات العربية كشفت عن دول داعمة للتغيير وتميل إلى خيار الشعوب، وأن محورًا آخر يقف ضد خيار الشعوب. ويشير إلى أنّ الموقف القطري كان ثابتًا بدعم التغيير في الدول العربية والوقوف إلى جانب الشعوب.

ويؤكد الأنصاري أنّ الصراعات داخل بيت الحكم في المملكة العربية السعودية ولعبة الكراسي أدّت دورًا في قرار حصار قطر. ويعتقد أن مؤتمر الرياض ووصول الرئيس دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية وفّرا لدول الحصار فرصةً للانفراد به وإقناعه باتخاذ موقف ضد دولة قطر.

د. خالد الخاطر (الخبير في السياسة النقدية وعلم الاقتصاد السياسي)

حضر الندوة نخبة واسعة من الباحثين والأكاديميين والإعلاميين والمهتمين بالشأن الخليجي

ويذهب إلى أنّ دول الحصار تسعى لإقناع الإدارة الأميركية بضرورة إعادة فرض الأنظمة السابقة والوقوف ضد التغيير. ويؤكد أن أمرين رئيسين كان لهما أثر خلال الأزمة؛ تمثّل الأول بفشل دول الحصار في استجلاب موقف أميركي حقيقي وليس شخصيًّا من ترامب، وهذا ما أوضح دور المؤسسة الأميركية في إدارة الأزمة لاحقًا عبر وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون. وتمثل الأمر الثاني بمؤتمر القاهرة الذي يعتقد أنه نقطة نهاية التصعيد في هذه الأزمة؛ فقد أثبتت دول الحصار أنها باتت غير قادرة على التصعيد، ليأتي بعد ذلك مؤتمر المنامة ليُثبت هذه الرؤية. ويوضح الأنصاري أن للأزمة العديد من التداعيات التي ستنقل قطر إلى الاستقلال السياسي الحقيقي، والاعتماد على تنويع العلاقات الثنائية، والخروج من مبدأ المجاملة السياسية الذي كانت تعتمده قبل الأزمة.

وفي ختام الندوة، دار نقاش جرى فيه تناول مجموعة من القضايا؛ منها مستقبل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والسياسات الخارجية لدولة قطر، ودور إيران خلال الأزمة، وموقف المنظمات الدولية والتداعيات الاقتصادية على دول الخليج العربية.

ومن الجدير ذكره أن هذه الندوة تندرج ضمن نشاطات منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية الذي يُعقد مطلع كانون الأول/ ديسمبر من كل عام. ويناقش هذا العام، في مجموعة كبيرة من الأوراق، مسارات الأزمة الخليجية ومستقبلها، بمشاركة باحثين وجامعيين وخبراء من منطقة الخليج والوطن العربي والعالم.