استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2020، الدكتور ناصر هاديان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران الذي قدّم محاضرة عنوانها "السياسات الخارجية والأمنية الإيرانية في حقبة ما بعد ترامب"، وقد أدارها الدكتور مهران كامرافا، رئيس وحدة الدراسات الإيرانية في المركز وأستاذ العلوم السياسية في جامعة جورجتاون في قطر.

وفي محاضرته، قال هاديان إنّ "الرئيس المنتخب جو بايدن سيبذل ما في وسعه ليعمل مع جميع الأطراف، وسيولي الدبلوماسية اهتمامًا أكبر"، مقارنةً بسلفه ترامب. وفضلًا عن ذلك، سيكون لرئاسة بايدن تأثيراتها الإيجابية والسلبية في إيران، ويكمن أحد الجوانب الإيجابية في كون بايدن طرفًا فاعلًا عقلانيًا يأخذ في الاعتبار تكاليف أفعاله وفوائدها، في حين يتمثل الجانب السلبي لرئاسته في أنه يستطيع الضغط على إيران بفاعلية أكبر من فاعلية سلفه.

وبشأن مسألة اللجوء إلى العقوبات ضد إيران، أعلن هاديان أنّ "العقوبات ستبقى أداة مهمة في جعبة السياسة الخارجية الأميركية"، بيد أنه شدّد على أنّ بايدن لا يستطيع تأجيل تناول مسألة خطة العمل الشاملة المشتركة (أي الاتفاق النووي)، بل سيضطر إلى البتّ فيها بسرعة. وأضاف أن مجلس الشورى الإيراني قد وافق على قانون يلزم الحكومة باتخاذ التدابير المناسبة لتعزيز قدرة إيران النووية على تخصيب اليورانيوم. وبحسبه، تعتمد إيران أسلوب "الالتباس البنّاء" من خلال التخفيض التدريجي لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي. لذلك، يجد بايدن نفسه أمام معضلة "الاختيار" بين التهديد بشنّ حرب على إيران من جهة، أو السماح لها بتطوير القنبلة النووية من جهة أخرى؛ ما يترك الإدارة الأميركية أمام خيار واحد ألا وهو العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، على الرغم من الضغوط التي تمارسها القوى الإقليمية والقوى من داخل واشنطن. وإضافة إلى ذلك، فإن في إيران نفسها من يريد إفساد هذه الخطة، وهؤلاء لا يريدون أن تعود الولايات المتحدة إليها بل يفضّلون الوضع القائم، وينظرون إلى المسألة من منظور أيديولوجي. وفي هذا السياق، قال هاديان إنّ "انعدام الثقة بأميركا متجذّر في التوجه الأيديولوجي" لأولئك "المتشدّدين" الذين لطالما عارضوا أي مفاوضات تتعلق بالبرنامج النووي لإيران.

ويعتقد هاديان أنّ الإصلاحيين والمعتدلين في إيران يجدون أن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة يجب أن تتحقق الآن. وفي حال حصول ذلك، سيكون للإصلاحيين فرصة جيدة للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران عام 2021. وأضاف أنّ استئناف المفاوضات سيكون له "تأثير نفسي داخل إيران على الأقل، إن لم يكن بالمعنى الحقيقي؛ إذ يعتقد الناس أننا نسير قُدُمًا في الاتجاه الصحيح، وسيتساءلون عن جدوى انتخابهم المتشدّدين".

وتناول هاديان العلاقات الإيرانية – الصينية، مسلّطًا الضوء على وجود إجماع داخل النخب السياسية بشأن حاجة إيران إلى الاقتراب من الصين. وقد أشارت إيران إلى أن العلاقات بينها وبين الصين، بغضّ النظر عما ستؤول إليه الأمور، ستبقى سليمة. ومع ذلك، تدور نقاشات داخل دوائر السياسة الإيرانية بشأن المدى الذي يجب أن تقترب منه إيران من الصين، وتعتقد إحدى الجماعات أن على إيران الاقتراب استراتيجيًا من الصين، في حين تؤيد جماعات أخرى ذلك من دون أن تدخل إيران مدار الصين بشكل كامل. وتوقّع هاديان "عدم فوز الجماعة الأولى، وأنّ إيران ستقترب من الصين من دون الدخول في فلكها".

وفي السياق نفسه، تحدّث هاديان عن تأثير الإدارة الأميركية في علاقات إيران بأوروبا، قائلًا: "إنّ الرئيس ترامب أثبت بوضوح أن الولايات المتحدة قادرة على فرض إرادتها على العالم" و"إنّ أوروبا لا تدخل ضمن حسابات إيران الاستراتيجية". كما أشار إلى أن حقبة ما بعد ترامب ستكون مهمة لإيران في ما يتعلّق بتحديد درجة قربها من الصين وأوروبا، وفي ما يمكن توقّعه من الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا.

أخيرًا، وفي ما يخص أمن منطقة الخليج، لاحظ هاديان أن الدول الأصغر حجمًا لن تقبل بترتيب أمني من دون وجود قوى خارجية، مضيفًا قوله: "من أجل معالجة هذه المسألة، نحتاج إلى أطراف فاعلة خارجية، والدولة الوحيدة التي تثق بها أغلبية هذه الدول هي الولايات المتحدة"، ولكن من غير المرجح أن توافق إيران على مثل هذا الترتيب في ظل غياب أي شكل من أشكال الوجود الروسي على الساحة الإقليمية. وشدّد هاديان على أنه على المستوى الرسمي يجب أن تكون الولايات المتحدة وروسيا حاضرتين في حال وجود أي ترتيب أمني في منطقة الخليج، غير أنه على المستوى غير الرسمي ستكون الصين، بحسبه، الطرف الفاعل الرئيس مستقبلًا على صعيد أمن المنطقة.