ضمن سلسلة محاضرات "التفكير في أزمة كورونا وأبعادها"، التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وتُبثّ عبر منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقدّم فيها عدد من الخبراء والأكاديميين محاضرات علمية حول جائحة كورونا وتداعياتها على مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، قدّم الدكتور محمد أبطوي، يوم الخميس 14 أيار/ مايو 2020، المحاضرة السابعة بعنوان "اﻷوﺑﺌﺔ بين تاريخ الطب والتاريخ الثقافي والاجتماعي".

استهل الدكتور أبطوي محاضرته بتسليط الضوء على التسمية العلمية لفيروس كورونا الذي اجتاح العالم بداية عام 2020 من منشأه بالصين؛ وهذه التسمية هي "الفيروس التاجي الثاني المتسبب في متلازمة تنفسية حادة". ويتمثل البعد الرئيس لجائحة كورونا، باعتبارها أزمة صحية شاملة، في أنها مسألة علمية، حيث إن فهم العامل المسبب للجائحة واكتشاف اللقاح الفعال الكفيل بقطع دابر الوباء، يتوقف على نتائج البحوث العلمية التي يضطلع بها علماء الحياة. كما نوّه الباحث إلى أن المحاضرات السابقة ضمن سلسلة التفكير في أزمة كورونا وأبعادها التي عقدها المركز العربي قدمت معطيات مهمة تتعلق في أغلبها بالجوانب العلمية؛ مشيرًا إلى أن إسهامه سيدور حول مسألة استكشاف البعد التاريخي للأوبئة التي ألمّت بالإنسانية؛ وذلك عبر منهجٍ استقرائي يحلل الشهادات والمعطيات العلمية التي يستقيها المحاضر من تاريخ الطب ومن الكتابات التاريخية التي تختص بوصف الأوبئة المتعاقبة في الزمن الماضي، وتحديد أسبابها ووسائل العلاج والاحتراز منها، إضافة إلى التمثلات والعبر الثقافية والآثار الاجتماعية المرافقة للحياة في زمن الوباء.

واعتبر أبطوي أن المجال العلمي الذي تجري فيه المعركة ضد الوباء هو علوم الحياة "البيولوجيا"؛ وتحديدًا "علم الفيروسات" الذي يقابلة في اللغة الإنكليزية لفظ Virology؛ والذي يهتم بدراسة الفيروسات لناحية بنيتها وتطورها وظهورها وانتشارها. وفي تشريحه للمصطلحات العلمية، بيّن العلاقة بين البيولوجيا والطب معتبرًا هذا الأخير تخصصًا تطبيقيًا للممارسات الطبية التي تتعلق بالوقاية والمداواة. كما قام بتفكيك الحقل الدلالي لمصطلح "الوباء"، وذلك عبر الحفر في معاني جذوره وسياقات استعماله في التراث العربي الكلاسيكي مؤرخًا بداية استعمال المصطلح بمطلع القرن الثالث قبل الهجرة، وقد توصّل الباحث إلى هذه المعلومة بالاستعانة بقاعدة البيانات التي يوفرها معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.

وفي سياق الحديث عن تاريخ الأوبئة التي اجتاحت العالم الإسلامي شرقًا وغربًا، توقف المُحاضر عند دلالة غزارة الأدبيات العربية في مبحث الطب والأوبئة معتمدًا على مقاربة مزدوجة تعتمد على منهجية تاريخ العُلوم والطب، وعلى أسلوب التاريخ الثقافي. وبيّن الباحث أن الأدبيات العربية منذ أعمال الفيلسوف يعقوب بن إسحاق الكندي تعد ثروة طبية وتاريخية تزخر بمعلومات كثيرة، وهي بمنزلة أرضية للمؤرخين المهتمين بمجال تاريخ الأوبئة. وقد ركز الباحث اهتمامه على كتاب "مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الوباء" لمحمد بن أحمد التميمي المقدسي، والذي يتميز بحسب أبطوي بكونه "موسوعة مصغرة" تعالج موضوع التلوث وما ينتج منه من أوبئة، وتصف كيفيات معالجتها.

في الشق الأخير من المحاضرة، قدم الدكتور محمد أبطوي لمحة عن الأحداث والتمثلات الناتجة من وباء "الطاعون الأسود" الذي ضرب العالم بين عامي 1346 و1353 وتفشّى في وسط آسيا والعالم الإسلامي وأوروبا، متسببًا بعشرات الملايين من الوفيات، وسُمّي، بحسب الباحث، بـ "الموت العظيم" أو "الموت الأسود". 

وفي الختام، أجاب المُحاضر عن الأسئلة التي طرحها المتابعون عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث لقيت المحاضرة تفاعلًا واسعًا وأسئلةً متنوعة ومداخلات ثرية.