استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، في 11 آذار/ مارس 2021، الباحث باباك رحيمي، وهو مدير برنامج دراسة الأديان وأستاذ مشارك في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، ليلقي محاضرة عنوانها "سلطة رجال الدين الشيعة في إيران في عصر الإعلام الرقمي". وأدار الندوة الدكتور مهران كامرافا، رئيس وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة جورجتاون - قطر.

شرح رحيمي كيفية نجاح رجال الدين الشيعة، عبر قرون، في الحفاظ على أشكال السلطة المختلفة والدمج في ما بينها؛ إذ استفادوا من مكوّن تقني للسلطة، فضلًا عن أنواع السلطة الثلاثة، استنادًا إلى تصنيف ماكس فيبر الثلاثي للسلطة؛ السلطة التقليدية، والسلطة القانونية - العقلانية، والسلطة الكاريزمية؛ فـ "من أجل الحصول على السلطة، يجب أن يتمتع المرء بمهارات التفسير والتطبيق". وعلى الرغم من كون السلطة دينامية في الحقيقة، فإنّ السلطة التقليدية تنجح في تصنيف نفسها على أنها ثابتة. ولاحظ رحيمي بإسهاب "أن جوهر السلطة التقليدية يكمن في البعد التقني والمهارة التي تتيح الحفاظ على هالة الاستقرار، في حين تحافظ في الوقت نفسه على دينامية عالية من ناحيتَي التفسير وممارسة السلطة في الحياة اليومية".

بعد استعراض الباحث لمحةً تاريخية متعلقة باعتماد رجال الدين الشيعة التكنولوجيا الحديثة للتواصل مع أتباعهم، قدّم تحليلًا تناول مشاركة رجال الدين في موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام Instagram خلال السنوات الأخيرة. فبحلول عام 2016، "أصبح إنستغرام من أشهر مواقع التواصل الاجتماعي لرجال الدين (من ذوي الرتب المتوسطة والمقيمين في مدينة قُم الإيرانية)، وقد يعود ذلك إلى أنّ المنصة غير خاضعة للتعديل Unfiltered وبصرية بصورة محورية". ويستخدم طلّاب المدرسة الدينية (رجال الدين الشباب) إنستغرام بوصفه موقعًا تجاريًا ودينيًا، في آنٍ واحد، للمضيّ في التعليم عن بعد.

ويتمّ إضفاء الطابع الشخصي على حسابات إنستغرام هذه، ويجري ربطها بشبكات فردية يناقش، من خلالها، العديد من رجال الدين الشيعة، حياتهم اليومية ويعرضون صورًا لعائلاتهم، وهي ممارسة كانت غير شائعة قبل أواخر العقد الأول من الألفية. وأصبحت هذه السمة الشخصية للحسابات أمرًا طبيعيًا، بوصفها ظاهرة جديدة لرجال دين باتوا شخصيات مؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي. ومع تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (COVID-19)، نظّم العديد من رجال الدين الشيعة أنشطة عبر الإنترنت؛ مثل الاحتفالات بالمناسبات الدينية المهمة، ومسابقات الكتب والبرامج المباشرة، وحتى الزيارات الافتراضية للأضرحة المقدّسة. وسلّط رحيمي الضوء، أيضًا، على ظهور "رجال دين نقديين" على موقع إنستغرام ينتقدون الدولة ويشاركون آراءهم السياسية.

يعيد رجال الدين بناء السلطة من خلال ممارسات مبتكرة بوصفهم رجال دين يتعاطون الشؤون العامة. ويجري التفاوض من جديد، من خلال طرائق معقدة وفعالة، بشأن هوية السلطة الدينية التي تشهد تغيّرات، تماشيًا مع تسارع نمط الحياة في ظل النظام الرأسمالي المتأخر. وقد أوضح رحيمي أنه مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي وتطورات أخرى، أصبحت التجربة الإنسانية مختصرة بشكل متزايد، في المكان والزمان، في مجالات الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية والدينية. ويشكّل موقع إنستغرام أبرز مثال دالٍّ على تسارع وتيرة الحياة في ظل ظروف حديثة. وقال في هذا السياق: إن هذا الموقع "يوفر مساحة ثقافية بصرية لتسارع زمني يتيح تمثيلًا متجدّدًا للسلطة الدينية، ضمن أداء يقدّم أنموذجًا عن السلوك الصحيح في مجالات التقوى أو الضيافة أو الفرح".

وفي كلمة ختامية، شدّد رحيمي على أنه يجب أن نركّز على إشكالية ثنائية الإسلاموية ومفهوم "التسلية" من خلال طرح السؤال التالي: "في عملية المشاركة بأنشطة ترفيهية ومسليّة، إلى أي مدى "تُسلِّع" مواقعُ التواصل الاجتماعي الدينَ؟ يستدعي الجواب عن هذا السؤال مزيدًا من البحث، ولكنْ "ما يمكننا ملاحظته هو أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت رأس مال ثقافي في عصر النظام الرأسمالي المتأخر، وقد لا ينفصل هذا الرأسمال الثقافي عن سلطة الدولة".