عقدت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في 22 شباط/ فبراير 2024، محاضرة بعنوان "وجود إيران العسكري في الشرق الأوسط: هل تجدي العقوبات والتصنيفات الإرهابية نفعًا؟" ألقتها مريم عالم زاده، وهي أستاذة مشاركة في تاريخ إيران وسياساتها في كليّة أوكسفورد للدراسات العالمية ودراسات المناطق، وزميلة في مركز الشرق الأوسط. وقد أدارت المحاضرة عائشة البصري، باحثة في المركز العربي. ركّزت عالم زاده في محاضرتها على سبب استمرار العقوبات على إيران على الرغم من فشلها في تغيير مسار أنشطة الحرس الثوري الإيراني خارج الحدود الإقليمية.

استهلّت عالم زاده المحاضرة بمناقشة دور الحرس الثوري الإسلامي في إيران، والعقوبات المفروضة عليه وعلى إيران. ورأت أن الحرس الثوري الإيراني نتاج أمني واقتصادي ومالي وثقافي موسّع، يؤثر على نحو كبيرٍ في السياسة الإيرانية. ويسعى فيلق القدس، ذراع الحرس الثوري الإيراني خارج الحدود الإقليمية، إلى تحقيق المصالح الإقليمية الإيرانية. وذكرت عالم زاده بإيجاز خطة العمل الشاملة المشتركة، وكيف أنّ تنفيذها بين عامَي 2015 و2018 قد وفّر تهدئةً مؤقتة؛ إذ رُفعت أغلبية العقوبات المتعلّقة ببرنامج إيران النووي، غير أنه لم يكن لخطة العمل الشاملة المشتركة أي تأثير دائم في اقتصاد إيران.

وبعد انسحاب دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة، أعادت الولايات المتحدة الأميركية فرض العقوبات على إيران، وأضافت إدارة ترامب الحرس الثوري الإيراني إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية الأميركية في عام 2019، وكان الهدف الأساسي من ذلك تقييد عمليّات فيلق القدس في المنطقة ضدّ القوات الأميركية. وقد فشلت العقوبات المتعلّقة بالإرهاب ضد الحرس الثوري الإيراني في كبح أنشطته خارج الحدود الإقليمية؛ لأنّ "تصنيف الإرهاب كان بمنزلة رادعٍ قويّ، لكنه لم يغيّر آلية الضغط على إيران"، والعقوبات لا تملك الوسائل لمراقبة المعاملات غير القانونية المحتملة.

وتطرّقت عالم زاده إلى تاريخ تأسيس الحرس الثوري الإيراني، وكيف أصبح اليوم قوةً رئيسة، وذلك في معرض حديثها عن سبب فشل العقوبات في الحدّ من أنشطته خارج الحدود الإقليمية، فقد بدأ بوصفه قوةً ثوريةً غير محترفة، تعتمد على تجهيزات غير رسمية وموارد محليّة وعلاقات شخصية مبنيّة على الثقة. وقد "أبقى الحرس الثوري الإيراني على بعض من اعتماده على الأنشطة غير الرسمية والعفوية. في حين أن مشاركته في قمع الانتفاضات الإثنية المتكرّرة بعد أسابيع قليلة من عملية تشكيله، إضافة إلى مساهمته في نجاح الحكومة النسبي في حملة القمع العنيفة، قد عزّزتا الطابع غير الرسمي والعفوي بوصفه نمطًا مقبولًا للعمل". وقد خضع الحرس الثوري الإيراني، بين عامَي 1998 و2000، لتغييرات هيكلية، واحتفظ ببعض من سماته "الثورية"، لكنه تطوّر من ناحيتَي الأمن والشرطة، فضلًا عن "إضفاء الطابع التجاري على أنشطته" ودخوله في الأعمال المالية والبنية التحتية، كما أنه جنّد مقاتلين ذوي مهارات متدنّية، وصدّر المسيّرات والصواريخ الباليستية والمهارات العسكرية والهندسية، وقدّم نصائح تتعلّق بالحرب غير المتكافئة والتدريب المحتمل، و"أصبح خبيرًا في العمل ضمن مجالٍ محدودٍ من الخبرة على مرّ السنوات، ومن ثم بقي قوّة غير قابلة للكشف إلى حدٍّ كبير".

واختتمت عالم زاده محاضرتها بتوضيح سبب استمرار عقوبات مكافحة الإرهاب بوصفها استراتيجية، على الرغم من عدم فعاليتها في كبح أنشطة الحرس الثوري الإيراني خارج الحدود الإقليمية. ورأت أنّ العقوبات قيّدت الاقتصاد الإيراني بشكلٍ أكبر بسبب الدور المهمّ الذي يؤديه الحرس الثوري الإيراني في القطاع الاقتصادي، كما عرقلت المكاسب الداخلية له. غير أنّ عالم زاده قدّمت حجّةً مضادة؛ إذ شدّدت على أنّ الحرس الثوري الإيراني لا يتهرّب من العقوبات فحسب، بل يستفيد منها أيضًا؛ فـ "العقوبات مكّنت رجال الأعمال في الحرس الثوري الإيراني وقياداتهم السياسية من الانخراط في المزيد من ممارسات الفساد وتحقيق مكاسب مالية غير قانونية في إيران". ومن المرجح ألّا تعود هذه المكاسب الشخصية عليه بالفائدة بوصفه شركةً بوجهٍ عام.